هل تنجح تركيا في تحقيق شروط الانضمام للاتحاد الأوروبي

ت + ت - الحجم الطبيعي

تحاول تركيا محاولات جاهدة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي منذ فترة طويلة, لكن شروط الانضمام إلى الاتحاد من الناحية الاقتصادية لم تتحقق حتى الآن. وتركيا دولة كبيرة سكانيا. حيث يصل عدد سكانها إلى 65 مليون نسمة, لكن غالبية سكانها يعيشون تحت مستوى معيشة الدول الاوروبية,. وبالتالي من الصعب ان تنضم إلى الاتحاد الأوروبي وبالتالي الاتحاد النقدي الأوروبي على المدى القريب. ويعتمد التقدم الاقتصادي في تركيا إلى حد كبير على الاستقرار السياسي والاجتماعي. وتشير البيانات الواردة في احدث تقرير للبنك الدولي عن تركيا إلى أن دخل الفرد فيها يصل إلى نصف دخل الفرد في اليونان, وهي افقر الاعضاء في الاتحاد الاوروبي. حيث بلغ دخل الفرد في الاولى 7450 دولاراً سنوياً وفي الثانية 7500 دولار سنوياً عام ,1998 فيما بلغ دخل الفرد في تركيا 6600 دولار. والفارق بين مستوى المعيشة في تركيا والدول الأوروبية يعتبر كبيراً فضلاً عن انه يزداد تفاوتاً يسجل نصيب الفرد من الدخل الوطني في تركيا بين عام 1965 وعام 1998 نمواً بنسبة 1.2% في الوقت الذي ارتفع فيه نصيب الفرد من الدخل القومي في ايطاليا إلى 5.2% وفي فرنسا 1.2 وفي البرتغال 2.3% وفي اليونان ارتفع هذا الرقم بنسبة 4.2%. واخفقت تركيا حتى الآن في تقليل الفجوة مع دول الاتحاد الاوروبي بينما كانت دول جنوب شرق آسيا تسجل تقدماً كبيراً. وارتفع دخل الفرد في كوريا الجنوبية بنسبة 6.6% خلال نفس الفترة وفي تايلاند 5% وفي ماليزيا 1.4%. واذا ارتفع دخل الفرد بنسبة 1.2% سنوياً يتضاعف هذا الدخل بعد مرور 30 عاماً واذا ارتفع بنسبة 5%, يتضاعف اكثر من اربعة اضعاف خلال 30 عاماً. اما اذا نما دخل الفرد بنسبة 6.6% سنوياً, فيتضاعف اكثر من سبعة اضعاف خلال الثلاثين عاماً. عبء سكاني كبير يزداد معدل النمو السكاني في تركيا بشكل كبير ولهذا لابد ان يواكبه نمو في الاقتصاد بسرعة تزيد على نمو اقتصاد الدول المتقدمة, حتى تستطيع تركيا اللحاق بهذه الدول, الا ان تركيا لم تستطع تحقيق ذلك حتى الآن. ومع مرور السنوات على العكس يتراجع معدل النمو الاقتصادي في تركيا. وسجل اجمالي الناتج المحلي نموا بنسبة 4.5% خلال فترة الثمانينات ثم بنسبة 3% خلال التسعينات بما يعني ان نصيب الفرد من الدخل القومي سجل نمواً بنسبة 2.1% فقط, وهكذا امام تركيا نحو مئة عام حتى تصل إلى مستوى معيشة فرنسا مثلاً. نمو اقتصادي غير كاف النمو الاقتصادي غير الكافي هو عدو اقتصاد اي بلد, ويؤدي ذلك ايضا إلى الاخفاق في خفض معدلات البطالة وزيادة فرص العمل. واشار تقرير البنك الدولي إلى ان نسبة نمو السكان القادرين على العمل في تركيا انخفضت, فيما يرتفع معدل البطالة بنسبة 5.1% سنوياً, رغم ان السكان في سن العمل يتزايدون بنسبة 3% سنوياً. هذه الارقام تعني ان معدل انتاجية الفرد قد ارتفع بنسبة 5.1% سنوياً والاخفاق في توفير فرص العمل لا يظهر في البطالة الاجمالية التي تراوحت بين 8.5% خلال النصف الثاني من عام 1996 لتصل إلى 7.8% خلال عام 1989. لكن هذه المعدلات تمثل مشكلة في دولة لا يوجد فيها اعانة بطالة وتعتمد في كثير من العمل على الاعمال الخاصة. وتقلصت مشاركة قوة العمل من 74% بين السكان في سن العمل عام 1975 إلى 54% عام 1997. هذا الاداء الضعيف في توفير فرص العمل يشير إلى ان نمو الانتاجية كان سريعاً جداً او معدل نمو الانتاج كان بطيئاً جداً في ظل معدلات نمو الانتاجية. قد يكون من المقبول ان يكون معدل نمو الانتاج بطيئاً بسبب بسيط هو انه فشل في استيعاب النمو في عدد السكان في سن العمل. ولا يكون النمو كافيا الا اذا كانت انتاجية كل عامل اقل نمواً لكن معدلات النمو في الانتاجية لم تكن سريعة. ويقول تقرير البنك الدولي انه خلال الفترة من 1981 حتى ,1997 سجلت القيمة المضافة للعامل في تركيا معدل نمو 3.1% سنوياً في الزراعة و8.3% في الصناعة و4.1% في الخدمات. وبلغت هذه المعدلات في اسبانيا 14% و7.7% و1.2% على التوالي في الفترة من 1961 حتى 1990. وفي كوريا الجنوبية سجلت هذه المعدلات نمواً بنسبة 19% و3.16% و5.12% خلال الفترة من 1980 حتى 1989. فإذا كان نمو انتاجية العامل ضعيفاً في تركيا فلابد ان يكون النمو الاجمالي بطيئاً جداً, فما السبب في ذلك؟ يبدو ان ندرة الاستثمارات هو سبب هذا التعاون. معدل تزايد الاستثمارات الاستثمارات في كل القطاعات في تركيا باستثناء الاسكان بطيئة جداً بل تمر بحالة كساد حيث تمثل نسبة 10 ـ 12% من اجمالي الناتج المحلي. ويفسر خبراء الاقتصاد في تركيا ضعف الاستثمارات بسبب عدم استقرار المؤشرات الاقتصادية الكلية وارتفاع اسعار الفائدة بشكل كبير بسبب العجز المالي المزمن وارتفاع التضخم. وعدم تحقيق معدل نمو اقتصادي جيد هو النتيجة الرئيسية لذلك, وفي ظل هذا النمو البطىء كان من الافضل ان ترتفع الانتاجية, خاصة في المجال الصناعي. وتنعكس صورة الاقتصاد المزدوج في اقتصاد تركيا حيث سبب ارتفاع الاجور للعاملين في القطاعات المالية والحكومة والصناعة في آواخر العقد الماضي ومطلع العقد الحالي في ارتفاع معدلات الاجور الحقيقية, وبالتالي ارتفاع التضخم. ومع ارتفاع الاجور بمعدلات اكبر من ارتفاع الانتاجية وتضاؤل القدرة التنافسية الوطنية وعدم توفير فرص العمل بالقدر المطلوب تتباطأ معدلات النمو. وكانت نسبة العاملين في الصناعة بين السكان القادرين على العمل 8% فقط عام ,1997 أي اقل من الرقم المسجل عام 1981. تفاوت اقتصادي كبير هناك تناقض وتفاوت اقتصادي كبير في تركيا, لكنها لا تصل إلى حجم التناقضات في البرازيل, بل تشبه الفلبين وتونس, ويختلف الوضع كثيراً عما هو عليه في ايطاليا والبرتغال مثلاً. من هذه التناقضات ان نسبة الانفاق بين اعلى 10% من السكان اصحاب الدخول المرتفعة واقل 10% من السكان اصحاب الدخول المنخفضة تصل من سبعة إلى واحد. وهذا يعتبر اعلى كثيراً من الفارق بين اعلى شريحة سكانية واقل شريحة من حيث الدخل في الولايات المتحدة مثلاً. من اسباب هذا التناقض عدم توافر فرص العمل وتشتت الدخل والاجور بسبب الاعمال الخاصة. ويصل نصيب الفرد من الدخل في اغنى مناطق تركيا إلى ثلاثة اضعاف نظيره في المناطق الفقيرة. ويصل عدد الذين انتهوا من التعليم الثانوي والتعليم الاعلى منه إلى 29% عام ,1994 وبلغ معدل الامية 10% وتنتج عن ذلك تناقضات كبيرة في مجال التعليم. وتدخل الدولة من خلال الضرائب والانفاق يكاد يكون منعدماً وليس هذا لأن الانفاق العام في تركيا منخفضاً بمعيار الدول ذات الدخول المتوسطة, بل لأن فوائد الانفاق تذهب إلى الاغنياء فقط. والمعاشات من جوانب الانفاق لكن اغنى 20% من السكان في البلاد حصلوا على نصف المعاشات عام 1994. اخفاق اقتصادي اي ان تركيا اخفقت في تحقيق تقدم كبير في رفع مستويات المعيشة والتقدم من الدول ذات مستويات المعيشة المرتفعة خلال الجيل الماضي بأكمله. ولم تستطع ايضا توفير فرص عمل تتناسب مع نمو السكان في سن العمل, ولم تستطع تحويل العمالة من القطاع الزراعي إلى الصناعي, وحققت نجاحاً بسيطاً جداً في مجال التعليم, وفي القضاء على التناقضات بين السكان وفي الاقتصاد. ولابد لتركيا ان تطبق نظاماً مالياً صارماً وتقضي على التضخم, وعليها تنفيذ اصلاحات واسعة كبيرة حتى تستطيع ان تحقق ما تستطيع ان تحققه بالفعل, وذلك خلال العقود المقبلة, فالواضح ان هناك تحديات كبيرة تواجه الاقتصاد التركي والحكومة التركية, لكن لابد ان يعمل قادتها السياسيون على مواجهة هذه التحديات وتذليل هذه العقبات, اذا كانت تريد تركيا ان تصبح عضواً في الاتحاد الأوروبي. كتب المحرر الاقتصادي

Email