خطوات للتغلب على المعوقات الحالية ، توحيد الجهات المسئولة عن العملية الاستثمارية وتوجيه الاهتمام الأكبر إلى الاستثمارات الصناعية

ت + ت - الحجم الطبيعي

مما لاشك فيه أن حركة الاستثمارات في الدولة تشهد نموا ملحوظا ومستمرا, وقد تحققت بالفعل على مدار العقود الثلاثة الماضية قفزات نوعية في هذا المجال, ويعكس ما نقول كم ونوع المشروعات المقامة في المناطق الصناعية والحرة داخل الدولة. وما سبق تؤيده الأرقام والإحصاءات, ويكفي للتدليل على ذلك أن المنطقة الحرة بجبل علي وحدها يتواجد بها أكثر من ألف شركة وطنية وخليجية وأجنبية, وعلاوة على هذا هناك خطط واستراتيجيات لاجتذاب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية في السنوات المقبلة, نظرا لأهميتها القصوى في عملية التنمية الاقتصادية وتنويع مصادر الدخل الوطني. وفي الواقع فإنه إذا كان ما تحقق من ارتفاع في حجم الاستثمارات بالدولة يرجع إلى المناخ الاستثماري الصحي والملائم وما يوفره من مزايا وتسهيلات, وغيرها من مشروعات بنية تحتية توفرها الدولة للمستثمرين, إلا أن هذا لا يعني أننا وصلنا إلى درجة الكمال, أو أن ما تم إنجازه أمر لا يمكن تجاوزه ولسنا في حاجة إلى تقديم المزيد. وتأسيسا على هذا يتبادر سؤال من الأهمية بمكان هو: هل ما هو متاح لدى الدولة وما توفره من المزايا الاستثمارية المحفزة والمشجعة يكفي للتعامل مع استحقاقات مرحلة العولمة وتحرير التجارة وانفتاح الأسواق؟ أم أننا مطالبون بتقديم وتوفير المزيد من هذه التسهيلات وتوفير أجواء استثمارية تتماشى مع متطلبات المرحلة المقبلة لجذب حصة أكبر من الاستثمارات المحلية والأجنبية إلى الدولة؟ ويتفرع عما سبق من تساؤلات أخرى مثيلة لها في الأهمية.. هل نظل نتحدث عن الاستثمارات وتشجيعها والمناخ الاستثماري دون وجود جهة معنية ومسئولة عن هذا القطاع الحيوي؟ (باعتباره القناة التي يمكن من خلالها تدفق رؤوس الأموال لإقامة وتنفيذ عشرات المشروعات في كافة القطاعات الاقتصادية). والأهم من ذلك هل يمكن أن تكون الدولة دون غطاء تشريعي وقانوني ينظم هذه العملية من خلال وجود قانون خاص للاستثمار؟ وهكذا نصل إلى الطرح الذي يمثل جوهر الموضوع, وهو كيفية جعل مناخنا الاستثماري أكثر جاذبية وتشجيعا للمستثمرين والاستثمارات المحلية والأجنبية, في ظل تلك الظروف والمعطيات التي تمت الإشارة إلى طرف منها. الحديث عن هذه الكيفية هو محور هذا التحقيق, الذي نتعرف من خلاله على آراء المسئولين والخبراء ورجال الأعمال حول مسألة من أهم المسائل التي تتعلق بتقدم الاقتصاد الوطني. ـ جوعان بن سالم الظاهري, وكيل دائرة المالية بأبوظبي, يتفق رأيه إجمالا مع الكلام السابق, حيث يؤكد أن الدولة تتمتع بكافة المقومات التي تجعل المناخ الاستثماري بها ملائما جدا, وذلك من ناحية البنية التحتية المتميزة والتي تشجع المستثمرين المحليين والأجانب على الدخول إلى سوق الإمارات. أضف إلى ذلك أنه لا توجد أية ضرائب على رؤوس الأموال والأرباح, كما لا توجد قيود على تنقلها من وإلى الدولة, وهناك كذلك الدعم المادي والمعنوي من قبل الحكومة والمتمثل في منح التسهيلات من قبل مصرف الإمارات الصناعي بأسعار تنافسية جدا. كما أن القطاع المصرفي يعطي الأولوية لبعض المشروعات, وخاصة إذا كانت ذات تقنية عالية وجدوى اقتصادية. ويقول إن القنوات الاستثمارية في الدولة متعددة, فهناك الاستثمارات الحكومية في البنية التحتية, وكذلك الاستثمارات المشتركة بين الحكومة والقطاع الخاص داخل الدولة في بعض المؤسسات المصرفية والإنتاجية. وهناك استثمارات القطاع الخاص, سواء كانت فردية أو جماعية, التي تصب في مجملها في المشروعات الإنتاجية والخدماتية ذات العائد التجاري والاقتصادي, وهناك الاستثمار الخاص من قبل الأفراد والمؤسسات في الأسهم المحلية, وكذلك الاستثمارات في الصناديق الاستثمارية التي أنشئت حديثا من قبل المؤسسات المصرفية للمواطنين والمقيمين على حد سواء. فمن ناحية الاستثمارات الحكومية نجد أن الحكومة قد ضخت مئات الملايين من الدراهم في مشروعات البنية التحتية حتى وصلت إلى هذه المرحلة المتقدمة والتي تستثمر لصالح المواطنين والمقيمين, في حين نجد أن القطاع الخاص ـ ومنذ ما يقرب من 15 عاما ـ قد بادر بالشراكة سواء مع الحكومة أو مع أطراف أجنبية أو منفردا في الاستثمار بالمشروعات الإنتاجية والخدماتية, وخاصة في القطاع السياحي والعقاري وقطاع المنتجات المكملة للمشروعات الإنتاجية الأخرى بالدولة, من خلال إقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة, وهذه الاستثمارات تشهد نموا عاما بعد الآخر. ونلاحظ كذلك في الآونة الأخيرة أنه قد تم دخول القطاع الخاص كشريك في كثير من المشروعات التي كانت تدار سابقا من قبل القطاع العام, حيث تمت خصخصة بعضها لجذب الاستثمارات الصغيرة والمتوسطة إلى هذه المشروعات, وإعطاء الفرصة للمستثمرين للمشاركة مباشرة في إدارة وتملك هذه المشروعات. وقد قصدت الحكومة من ذلك إلى إيجاد قنوات استثمارية إضافية للمواطنين تحقق لهم عوائد مجزية على مدخراتهم واستثماراتهم, بدلا من إيداعها في البنوك بأسعار فائدة ثابتة. والدليل على هذا أن القطاع الخاص أصبح إسهامه في الناتج المحلي الإجمالي مرتفعا ويشهد نموا سنويا. وبالنسبة للاستثمار في الأوراق المالية فإنه برز منذ سنوات شراء وبيع الأسهم للشركات المحلية أو من خلال الصناديق المعدة للاستثمار في هذا المجال. لكن هذه القناة في الوقت الحاضر محدودة جدا, ونأمل أن تتطور ـ كما يقول الظاهري ـ بعد صدور قانون إنشاء سوق الإمارات للأوراق المالية, وإنشاء قاعتي التداول في أبوظبي ودبي, ولابد أن يكون هناك تنوع أكثر لهذه الأوراق بما لها من آثار إيجابية وفوائد على القطاع الصناعي والتجاري والعقاري, كما أن وجود هذه الأدوات الاستثمارية في السوق سيقلل كثيرا من أعباء الدين على هذه الشركات, حيث إن الفوائد على الأوراق المالية تقل كثيرا عن أسعار الفائدة التي تقدم من قبل القطاع المصرفي والمالي. ومع ذلك فإن الظاهري يرى أن هناك خطوات يجب المضي فيها حتى يكون المناخ الاستثماري أكثر جاذبية, وتشجيعا للاستثمارات المحلية والأجنبية في السوق, ومنها إيجاد أوعية استثمارية جديدة للمستثمرين في الدولة, سواء كانوا مواطنين أو مقيمين, وخاصة أن هناك مدخرات صغيرة تحتاج إلى احتضان ورعاية. والإقلال من التعقيدات الروتينية أمام الاستثمار الأجنبي والمحلي, لأنه لاتزال توجد بعض العقبات الإدارية في بعض المناطق تعوق أو تحول دون انسياب استثمارات جديدة, وهذه العقبات حتى لو كانت غير كبيرة فهي تسبب ردة فعل غير إيجابية لدى المستثمرين, وخاصة ما يتعلق منها بمنح التراخيص وإيجاد الموقع المناسب المزود بكل الوسائل اللازمة لإنشاء المشروع, مثل الماء والكهرباء والطرق والصرف الصحي والخدمات الأخرى التي يحتاجها المشروع. فهذه الخدمات وإن كانت موجودة في الوقت الحاضر إلا أنها تتطلب وقتا للحصول على بعض منها. ويضيف أن هناك عاملا مهما أيضا هو الترويج للفرص الاستثمارية الموجودة بالدولة على المستويين المحلي والدولي, ويجب هنا العمل على إيجاد هيئة عامة للترويج للفرص الاستثمارية في الدولة بطريقة منتظمة وبالتنسيق مع المؤسسات والأجهزة الأخرى بالدولة, نظرا لوجود كثير من الفرص الاستثمارية لا يعرف عنها المستثمرون المحليون والأجانب, الأمر الذي يتطلب إيجاد الجو المناسب لتنشيطها وترويجها, عن طريق الدراسات والندوات والمؤتمرات, وطرح أفكار لهذه الفرص وتنقيحها بحيث تصبح صالحة للتنفيذ الفعلي من قبل المستثمر المحلي والأجنبي. إضافة إلى ذلك فإنه يجب تبسيط الإجراءات مع تغيير بعض المواد في القوانين التجارية المعمول بها حاليا, حتى تتمشى مع السياسات السائدة في الدولة لجذب هذه الاستثمارات, وجعل الإمارات مركزا للاستثمارات المحلية والأجنبية بما فيها استثمارات مواطني دول مجلس التعاون. ولا ننسى هنا أن الدولة قطعت شوطا طويلا في تهيئة المناخ المناسب, مما جعلها تأتي في المرتبة الثانية بين دول المنطقة التي تتمتع بثقة المستثمرين الأجانب والمحليين بسبب الاستقرار السياسي والمالي والأمني. ويؤكد الظاهري أن تحرير التجارة وتطبيق اتفاقيات منظمة التجارة العالمية لن يغير من الواقع الاستثماري الحالي بالدولة, حيث وصلت الإمارات إلى مستوى متميز فيما تقدمه من مزايا وتسهيلات استثمارية, إضافة إلى وضعها الجغرافي وسوقها التي تتوسط الشرق والغرب, وغيرها من عوامل الجذب والتشجيع. وبالتالي فإنه يمكن أن نقول إن الإمارات مستعدة تماما ومهيأة لتطبيق هذه الاتفاقيات دون أية تأثيرات سلبية قد تلحق باقتصادها, وإنها تعد من أكثر دول المنطقة توافقا مع قوانينها وأنظمتها. ومن وجهة نظر جوعان الظاهري فإن التسهيلات التي تقدم حاليا من قبل الحكومات المحلية والحكومة الاتحادية كافية وكفيلة بجذب الاستثمارات إلى الدولة, ولكن قد يكون من الضروري في المستقبل العمل على تنشيط هذه التسهيلات إذا ما وجدت أو ظهرت بعض العقبات خلال تنفيذ بعض المشروعات الاستثمارية. ويوضح هذه المعوقات والعقبات بقوله إنها تكمن في قلة الأدوات والقنوات الاستثمارية الموجودة في السوق, خاصة أن هناك مدخرات ضخمة لدى المواطنين أو ما يطلق عليه السيولة المتاحة لديهم, وكذلك لدى المقيمين بالدولة, وهي لاتزال تبحث عن قنوات استثمارية جديدة لتنشيطها واحتضانها لخدمة الاقتصاد الوطني. كما لا توجد فرص استثمارية جاهزة ومدروسة أمام المستثمرين. وهنا أدعو إلى ضرورة إيجاد بنك للمعلومات حول الفرص الاستثمارية والاستثمار بشكل عام بالدولة, بحيث تكون هذه الفرص معروفة ومدروسة وقابلة للتنفيذ من قبل المستثمرين, حيث إن الملاحظ أن بعض المشروعات التي تحتاج إليها الدولة قد لا تتوفر حولها أية معلومات أو دراسات جاهزة, الأمر الذي يتطلب وجود جهة رسمية تعتني بهذه الفرص, سواء كانت تطوير المؤسسات الحالية أو إيجاد فرص جديدة. وبالنسبة للتشريعات الخاصة بالاستثمار يصفها بأنها مرنة جدا ومشجعة, ولكنها في حاجة إلى إجراء بعض التعديلات عليها بما يتمشى ويتناسب مع ظروفنا ومع توجهاتنا في جذب الاستثمارات. وعلى سبيل المثال نسبة الشراكة الحالية 51% إلى 49% التي يفرضها قانون الشركات لابد أن تراجع, إضافة إلى مواد أخرى قد لا تكون عملية في الوقت الحاضر. وفي السياق نفسه يتابع أنه لا يرى هناك حاجة إطلاقا لإصدار قانون خاص بالاستثمار في الدولة, حيث إن مثل هذه القوانين تفرض في الدول التي توجد لديها تعقيدات فيما يتعلق بالعملية الاستثمارية, ولأنه لا توجد لدينا ضرائب على الاستثمارات المحلية والأجنبية فإنه لا حاجة لهذا القانون, لأنه عادة تلجأ الدول إلى وضع نظام قانوني خاص وضمان استثمار عندما تكون الضرائب مرتفعة, أو أن يراد من هذه الاستثمارات تواجدها في مناطق معينة. وإضافة إلى هذا فإن الاستثمارات الأجنبية مضمونة بحكم القوانين والأنظمة المعمول بها في الدولة, والسوق الإماراتية مفتوحة, ولا تفرض الدولة أية قيود على الاستثمارات أو عوائدها, وبالتالي فإن قانون الاستثمار لن تكون له جدوى من وجهة نظري للمستثمر الأجنبي, لأنه لا توجد أية ممارسات غير مشجعة أو تؤثر سلبا على هذه الاستثمارات. لكنه مع هذا يرى ضرورة توحيد الجهات المعنية بالاستثمار في الدولة وكذلك الأنظمة والقوانين المعمول بها, وأن تنشأ هيئة خاصة تعنى بشئون المستثمرين المحليين والأجانب, تختص هذه الهيئة بتشجيع الاستثمار والترويج للفرص الاستثمارية وتذليل العقبات أمام المستثمرين مع الجهات الإدارية المحلية, وإيجاد الحلول المناسبة لبعض المشكلات التي قد تؤثر سلبا على استثماراتهم. فحاليا نرى كل جهة لها إجراءاتها وقوانينها الداخلية الخاصة, وهذا قد يسبب في بعض الأحيان حالة من الإرباك لدى المستثمر, وخاصة في ما يتعلق بكيفية الحصول على المعلومات والامتيازات وشروط الاستثمار والتسهيلات المقدمة. وعن دور القطاع الخاص في العملية الاستثمارية يقول الظاهري إن هذا القطاع يقوم بدور مهم جدا في عملية التنمية الاقتصادية, وإنه قد أسهم في عدة قطاعات وخاصة القطاعات ذات الجدوى الاستثمارية, كما أسهم في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة كبيرة جدا تفوق إسهام بعض القطاعات الاقتصادية الرئيسة. ومما لاشك فيه أن هذا القطاع ـ أو أي قطاع آخر بالدولة يحتاج عناية واحتضانا في البداية من الجهات الرسمية, حتى لا يتعرض إلى المنافسة غير الشريفة من المؤسسات والشركات الأجنبية, التي تسعى دائما إلى إغراق أسواقنا بالسلع والمنتجات التي قد لا نحتاج إليها أو قد تنتج محليا. وهكذا فإن القطاع الخاص سيظل في حاجة إلى مساندة, إن لم تكن مادية فإنها معنوية, من الجهات المختصة. وفي الوقت الحاضر فإن الحكومة لا تقدم دعما ماديا مباشرا, ولكنها تعطي الأولوية في مناقصاتها ومشروعاتها لمنتجات وأعمال هذا القطاع, ونجد أن كثيرا من الشركات الوطنية تعمل بكفاءة مع القطاع العام والحكومي في تنفيذ المشروعات الحكومية. وينبه أخيرا إلى أنه لا خلاف على التعدد والتنوع الاستثماري في الدولة, ولكن لاتزال هناك حاجة إلى مزيد من الاستثمارات, وخاصة في القطاع الصناعي بعد أن وصل القطاع العقاري والتجاري والخدمي إلى مرحلة متقدمة جدا. وأصبح هناك تشبع واضح من مشروعات هذه القطاعات, الأمر الذي يتطلب ضرورة التفكير من قبل القطاع الخاص والعام في تقديم وإيجاد فرص استثمارية في الجانب الصناعي, نظرا لتدني الاستثمارات فيه مقارنة بالقطاعات الأخرى. ويضيف أنه لهذا يجب التفكير في منح تسهيلات إضافية لهذا القطاع, حتى يصل إلى مرحلة يستطيع أن ينافس وأن يرتفع إسهامه في الناتج المحلي الإجمالي إلى مستوى القطاعات الأخرى, بحيث تكون التسهيلات الممنوحة له في شكل توفير التسهيلات الائتمانية عن طريق المؤسسات المالية, وكذلك إقامة المناطق الصناعية وفقا للصناعة المزمع إنشاؤها, إضافة إلى تشجيع المستثمرين الأجانب على الدخول إلى هذا القطاع مع المواطنين حتى نحصل على التكنولوجيا المتقدمة في هذا المجال. ـ وليد بن فلاح المنصوري, مدير إدارة الاستثمارات بوزارة المالية والصناعة, يؤكد أن اتجاهات الاستثمارات الدولية المباشرة اتجهت نحو الاستمرارية التصاعدية للاستثمارات الأجنبية المباشرة, ولم يتأثر تدفق هذه الاستثمارات بالأزمة العالمية التي طالت بعض دول شرق آسيا, حيث يتفاوت الأداء الاقتصادي للتكتلات الاقتصادية مدفوعة بقوة عولمة الإنتاج والاندماجات الكبيرة عبر الحدود, مع استمرار الجهود لبناء تصور دولي مشترك لاتفاقية دولية للاستثمار. مشيرا إلى أن الإحصاءات تشير إلى أن حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة قد بلغ في العام 98 نحو 400 مليار دولار, كان نصيب الدول النامية منها 160 مليار, بينما بلغ نصيب الدول العربية 1.3 مليارات دولار فقط وبنسبة 8.0%. ويضيف أنه نظرا لأن الاستثمارات الأجنبية المباشرة تحتاج إلى توفير بنية اقتصادية ومؤسسية متطورة ومناخ استثماري جذاب يتسم بالشفافية, فإنه من هذا المنطلق واصلت الإمارات استراتيجيتها التي تهدف إلى تنويع القاعدة الاقتصادية ومصادر دخلها الوطني, وإدخال إصلاحات هيكلية تؤدي إلى تقليل الاعتماد على النفط وتنشيط القطاعات غير النفطية التي أصبحت تسهم بأكثر من ثلث الناتج المحلي الإجمالي. وقد واصلت الدولة سياستها بشأن تشجيع استثمارات القطاع الخاص في عدد كبير من الصناعات التحويلية, وذلك في إطار وجود بنية تحتية متطورة ومناخ استثماري يتميز بالاستقرار الاقتصادي والسياسي, مع وجود أرضية قانونية وتشريعية تتسم بالوضوح والشفافية, إضافة إلى الثقة المتزايدة دوليا وإقليميا في المؤسسات المالية والقطاع المصرفي في الدولة وإنشاء العديد من المناطق الحرة. ويوضح المنصوري أن معدل النمو الاقتصادي يمثل أهم المؤشرات الاقتصادية التي يسترشد بها المستثمرون في اتخاذ قراراتهم الاستثمارية, وكنتيجة للسياسات التي اتبعتها الدولة في إطار سياسة الانفتاح الاقتصادي والاعتماد على آليات السوق, فلقد كان أداء الاقتصاد في العام 99 جيدا, إذ ظل نمو الناتج المحلي الإجمالي مرتفعا, وساعد على ذلك ارتفاع أسعار النفط, واستمرار ضبط الأوضاع المالية العامة مما أدى إلى تقليص العجز الكلي. ويشير إلى أن سياسة ضبط الإنفاق والمالية العامة أدت إلى تقليص نسبة العجز في الميزانية, كما أن للتوازن الداخلي تأثيرا قويا في اتجاهات الاستثمارات. ونتيجة لنجاح سياسة تنويع مصادر الدخل القومي, وزيادة معدلات الادخار القومية, ونجاح سياسة الانفتاح على آليات السوق, وسياسة التصنيع المتجهة نحو التصدير, فقد حقق الميزان التجاري فائضا قدره 3.7 مليارات دولار في العام 98. ويقول إن الدولة اهتمت بالتنظيم وتنويع أدوات الاستثمار وآلياته, وذلك من خلال اهتمام المؤسسات المالية والمصرفية باعتماد المعايير الدولية للمحاسبة, واتباع الشفافية عن طريق الإفصاح ونشر نتائج أعمالها المالية, وتسعى الدولة إلى تطوير وتنظيم شركات الوساطة. والأهم من ذلك تم إصدار قانون سوق الأوراق المالية التي سوف تكفل تجاوز التقلبات الحادة في الأسعار والإسهام في توفير قدر كبير من الاستقرار. ويبين أن معدلات التضخم تعتبر كذلك من مؤشرات السياسات النقدية, التي يسترشد بها المستثمر في اتخاذ قراراته المتعلقة بسياسة الأسعار وسعر الصرف. وبالتالي فإن السياسة الائتمانية التي تتبعها الدولة وسياسة سعر الفائدة المعتمدة على آليات السوق والرقابة الحازمة تشجع على الثقة في النظام المصرفي لتضمن سلامته, ويعتبر ذلك دعما حاسما لترتيبات سعر الصرف المربوط التي عادت بالفائدة على الاقتصاد وإتاحة القدرة على المنافسة للاستمرار في تنويع الاقتصاد. ويؤكد وليد المنصوري أن السياسات النقدية في الدولة تلعب دورا أساسيا في جذب استثمارات القطاع الخاص, وكذلك هي سياسة التوسع في المناطق الحرة. وسوف تساعد هذه السياسات على دعم مركز الدولة باعتبارها المركز التجاري الرئيسي في المنطقة. ومن جهة أخرى تعمل الدولة حاليا على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة المرتبطة بالتكنولوجيا, كما تعمل على مواصلة تنفيذ الإصلاحات الهيكلية في الميزانية وسوق العمل, بهدف حماية الاقتصاد من الصدمات الخارجية مستقبلا. ـ المهندس صلاح سالم بن عمير الشامسي, رئيس مجلس إدارة شركة الإمارات المالية العالمية المحدودة, يؤكد أن المناخ الاستثماري بالدولة صحي وإيجابي ومشجع, غير أن هناك بالطبع بعض المعوقات التي تعرقل نمو واستقطاب الاستثمارات, ولابد من التفكير والبحث المستمر والجاد, من أجل إزالة مثل هذه العراقيل من أجل تنمية الاستثمارات وتهيئة أجواء استثمارية أكثر إيجابية, وعلى أسس جديدة تستوعب ما يحدث من حولنا وتواكب كافة التطورات العالمية, وبهدف تحقيق معدلات استثمار محلية وأجنبية عالية, وفي إطار التفاعل الإيجابي مع كافة المتغيرات المحلية والإقليمية والعالمية على المدى القريب والبعيد. ويقول إن هناك معوقات أخرى, منها غياب المشاركة الفعلية للقطاع الخاص واتجاهه إلى البحث عن وسائل استثمارية تحقق لـه الكسب السريع بعيدا عن أية مخـاطـر محتملـة. كما لا يوجد جهاز متخصص لتوحيد أسس ومبادئ دراسات الجدوى الاقتصادية للمشروعات الاستثمارية بالدولة والقواعد التي يجب أن تتبع في هذا المجال, الأمر الذي جعل مؤشرات النجاح تختلف من مشروع إلى آخر, حيث إن وجود هذا الجهاز من شأنه مساعدة أصحاب المشروعات على دراسة مشروعاتهم, وكذلك على تزويدهم بما يحتاجونه من إحصاءات وبيانات وإرشادات. ويتابع أنه إضافة إلى ذلك فإنه يتعين فتح مشاركة الأجانب في المشروعات الاستثمارية بالدولة, دون تحديد نسبة معينة لمشاركة الأجانب مثلما يحدث حاليا, حيث يتطلب الأمر أن يحصل الشريك المواطن على نسبة 51%, في حين يحصل الأجنبي على 49%, وهذا سبب في إحجام الأجانب عن الدخول في استثمارات مجدية بالدولة, ولذا يتعين إلغاء هذه النسبة وفقا لقواعد وشروط وضمانات معينة. ويضيف أن السنوات الأخيرة شهدت تطورات وتغيرات عالمية عميقة ومهمة, تنعكس آثارها المباشرة وغير المباشرة على الاستثمارات العالمية بشكل عام والاستثمارات المحلية بشكل خاص, ومن ثم يتعين التعامل مع الواقع الجديد بأفكار تتلاءم معه تضفي على المناخ الاستثماري بالدولة تطورات إيجابية وصحية أفضل, وسلاحنا في هذا التطور بدء برنامج خصخصة شامل, وتقليص حجم مشاركة القطاع الحكومي في مجالي الخدمات والإنتاج, وتطوير أسواق المال المحلية, وتحسين وتطوير نظم الإدارة الفعالة في قطاعي الخدمات والإنتاج, ورفع كفاءة وتنشيط القطاع الاستثماري على أسس اقتصادية سليمة, وتشجيع المنافسة الشريفة بين القطاعات المختلفة والمتشابهة وتحقيق التكامل بينها, إلى جانب فتح مجالات استثمارية جديدة. ويقول إن تحقيق مناخ استثماري صحي يجب أن يتم في إطار تكامل الجهود المبذولة من كافة العناصر, من أجهزة حكومية وإدارات ومؤسسات وشركات وأفراد ورجال أعمال وقطاع خاص, لتصب جميعا في مسيرة تنمية وتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية بالدولة, والتي هي مطالبة أيضا بمزيد من التسهيلات الداعمة للمستثمرين في المرحلة المقبلة, ومنها تبسيط إجراءات الحصول على تراخيص إقامة مشروعات استثمارية وتوحيد مصدر منح هذه التراخيص, إلى جانب رفع وزيادة القروض الممنوحة للمستثمرين من قبل الجهات المعنية. ويدعو المهندس صلاح الشامسي إلى ضرورة تعديل بعض القوانين التجارية والاقتصادية لتشجيع المستثمرين المحليين والأجانب على الاستثمار في الدولة, واقترح في هذا الشأن تشكيل هيئة أو جهاز مستقل لإدارة الاستثمارات الجديدة بالدولة لضمان التطبيق الجيد والاستخدام الأمثل للتسهيلات والمميزات والإمكانيات الاستثمارية بالدولة, من خدمات ومرافق وبنية تحتية وسيولة. مع الأخذ في الاعتبار أن تكون الهيئة مخولة باستصدار الرخص الصناعية لتبسيط الإجراءات على المستثمر, واختصارا للوقت وتلافيا للتعارض بين الجهات المختلفة, مما يؤدي إلى تشجيع المستثمر على السير في مشروعه الاستثماري بسرعة, وبما يتيح له اتخاذ قرارات استثمارية تنفيذية دون التعرض لأية مخاطر غير محسوبة. ـ سعيد سويد النصيبي, رئيس قسم منظمة التجارة العالمية بوزارة الاقتصاد والتجارة, يقول إن قطاع الاستثمار يعتبر من القطاعات الحيوية والمهمة على المستوى الاقتصادي, وإنه يلعب دورا بارزا في عملية التنمية الاقتصادية. وقد سعت الإمارات إلى إعطاء هذا القطاع الأهمية القصوى, وعملت خلال السنوات الأخيرة على توفير المناخ الاستثماري الملائم والذي يؤهلها لتكون منطقة جذب للاستثمارات الأجنبية. ويوضح أن عملية تشجيع وجذب الاستثمارات تأتي في إطار السياسات الاقتصادية المنفتحة التي تتبعها الدولة والتي تصب جميعها في هدف تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة, وبالنسبة لسياسة جذب الاستثمارات في الإمارات فهي تتجه نحو نوعية متميزة من الاستثمارات تكون مدروسة وفي إطار خطة الدولة لتنويع مصادر الدخل, فهي تسعى إلى جذب استثمارات ذات ربحية عالية وكثافة في رأس المال, وتعتمد على توظيف ونقل التكنولوجيا الحديثة وتقليل الاعتماد على العمالة. وتركز الدولة حاليا على الاستثمار في قطاع الصناعة الذي توليه الاهتمام الأكبر بصفته القطاع الذي يحقق أهداف التنمية وتنويع مصادر الدخل. ويؤكد أن الدولة عملت على توفير مناخ استثماري مناسب, يتمشى مع توجهاتها ويوفر العناصر المختلفة لجذب الاستثمارات الأجنبية التي تبحث عن مميزات وخدمات ذات نوعية عالية. ومن هنا فقد عملت على تأسيس البنية التحتية المتطورة, وفي هذا الصدد أنشأت المناطق الصناعية والمناطق الحرة طبقا لأحدث المواصفات العالمية, ووفرت لها مختلف التسهيلات والإمكانيات, ولاتزال مستمرة في إنشاء هذه المناطق في مختلف إمارات الدولة. ومن أحدث المشروعات في هذا المجال المنطقة الحرة بالسعديات, ومنطقة التجارة الإليكترونية بدبي, والتي تعتبر من أكبر المشروعات التي سوف توفر إمكانيات هائلة للاستثمار لتواكب التطورات والمتغيرات الدولية. ويخلص النصيبي إلى أنه من خلال جميع هذه العناصر والعوامل فإن مناخ الاستثمار في الدولة يعتبر بمقاييس المستثمر مناخا متكاملا ومتميزا يساعد على جذب الاستثمارات, ويمنح أي مستثمر الدافع لتوجيه استثماراته ويحقق عائدا مضمونا. كذلك تتوفر في الإمارات فرص عديدة للاستثمار في مختلف القطاعات تتناسب مع توجهات الدولة لإيجاد بيئة مناسبة وجذب استثمارات في قطاعات محددة, مثل الصناعات التكنولوجية والثقيلة والصناعات التحويلية, وقطاع الخدمات مثل الإنشاءات والخدمات الهندسية والطاقة, وقطاع السياحة, وغيرها من فرص الاستثمار. وذلك تزامنا مع التوجه إلى خصخصة عدد من الخدمات, وإعطاء القطاع الخاص دورا في تنفيذ مشروعات صناعية متميزة وإدارة بعض الخدمات التي كانت تتولاها الدولة. ويرى أن المطلوب في المرحلة المقبلة في ظل المتغيرات العالمية والعولمة وتحرير التجارة العالمية, هو جعل المناخ الاستثماري أكثر مرونة وملاءمة وقدرة على جذب الاستثمارات, وذلك من خلال استكمال بعض العناصر الضرورية. ولعل من أهم هذه العناصر تعديل بعض القوانين والتشريعات لتتلاءم مع متطلبات المرحلة المقبلة, ووضع قوانين جديدة كقانون للاستثمار ينظم قطاع الاستثمار بشكل أفضل وأكثر مرونة تراعى فيه مختلف العناصر والمتغيرات, ويحقق مصالح الدولة بالدرجة الأولى. ويمكن أن يتبع هذا القانون إنشاء هيئة اتحادية للاستثمار تشرف على قطاع الاستثمار بالدولة, وهذا لا يمنع من وجود هيئات محلية شرط التنسيق بينها. ويقول النصيبي إنه قد ظهر مؤخرا في محافل التجارة العالمية توجه نحو قواعد دولية للاستثمار, وإن هذا الموضوع سوف يتحتم على مختلف الدول أخذه بعين الاعتبار في المرحلة المقبلة, إذ عليها أن تدرس بعناية التغيرات والآثار المحتملة على اقتصادها, وأن تراعي مصالحها وظروفها في ظل هذه التغيرات. ولأن الدولة تسعى إلى جذب الاستثمارات الأجنبية, كما تسعى إلى الاتجاه نحو الاستثمار الخارجي وزيادة استثماراتها الخارجية, فإنها بالتالي سوف تتأثر بأية ظروف أو تطورات على قطاع الاستثمار الدولي, وإن هذا سوف يؤثر بشكل مباشر على مصالحها وعلى مناخها الاستثماري, مما يتطلب إحداث بعض التغيرات والتطوير عليه ليتلاءم مع التوجهات العالمية. تحقيق ممدوح عبدالحميد

Email