بعد تهديدات الغرب الأخيرة ، التزام أوبك.. ضرب لنمو الاقتصاد العالمي.. أم محاولة لاستعادة خسائر الماضي؟!

ت + ت - الحجم الطبيعي

صاحبت الموجة شديدة البرودة التي تضرب العالم حاليا ارتفاع لأسعار النفط في كافة الأسواق, وعلى الرغم من انخفاض درجات الحرارة في غالبية بلدان العالم, إلا أن سخونة التصريحات والتحليلات والآراء خاصة تلك القادمة من الغرب والولايات المتحدة الأمريكية قد رفعت من سخونة التعاملات في الأسواق العالمية, وباتت التوقعات المتضاربة هي المسيطر الوحيد على الحديث داخل تلك الأسواق, وما زاد من حرارة الأسواق سخونة التصريحات (أو التهديدات) الأخيرة التي خرجت من الاتحاد الأوربي تجاه سياسة (أوبك) الحالية والتي وصفتها بأنها تدمير لعمليات النمو في العالم, وارتفعت حدة الانتقادات بعد التصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكي كلينتون والذي أيد ما أورده الاتحاد الأوروبي.. ومع كثرة التوقعات والتصريحات والوعيد والتهديد يطرح التساؤل الأبرز أهمية نفسه على الساحة.. إلى أين تتجه أسعار النفط في الأسواق العالمية خلال الفترة المقبلة؟.. وهل فعلا تمثل (أوبك) بسياستها الحالية تهديدا لمصالح النمو في العالم؟ للأجابة على التساؤلات السابقة يجب الإشارة أولا إلى أهم المقومات الأساسية التي شهدتها أسواق النفط العالمية خلال الفترة الماضية والتي كان من شأنها ارتفاع أسعار النفط, وكذلك المقومات التي من شأنها أن تدفع أسعار النفط للتراجع بعد السابع والعشرين من مارس الجاري موعد انعقاد اجتماع أوبك المقبل وكذلك انتهاء المدة التي حددتها منظمة الدول المصدرة للبترول والخاصة بالإلتزام بسقف الإنتاج عند مستوياته الحالية. وقبل الإشارة إلى تلك المقومات نسترجع سيناريو أداء أسواق النفط العالمية خلال العام الماضي, فمع مطلع الصيف الماضي توقع خبراء الأسواق ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية مع الأخبار التي أشارت إلى أن العالم ستضربه موجة شديدة البرودة وما يصاحب ذلك من زيادة في الطلب على النفط, وهو ما حدث بالفعل خلال موسم الشتاء الجاري الذي أوشك على الانتهاء, إلا أن ما لم يأخذه خبراء الأسواق في الحسبان مدى التماسك الذي أبداه أعضاء أوبك, حيث تمسكوا بقرارات المنظمة الخاصة بالحفاظ على مستويات الإنتاج دون أن تكون هناك تجاوزات كبيرة. وعلى الرغم من التجاوزات التي أعلنت من قبل دول من مجموعة أوبك (وأعترف بها كل من الكويت وإيران وساقا مبرراتهما لذلك التجاوز) إلا أن الأسعار مازالت ترتفع نظرا لمحدودية تلك التجاوزات بما لا يؤثر على الوضع العام للسوق, غير أن هناك تخوفات من تفحل التجاوزات لتشمل نسبا أكبر من الموجودة حاليا مما يضر بالأسعار في الأسواق وتذهب آمال المنتجين أدراج الرياح. وتباينت الآراء والتوقعات حيال اتجاه أسعار النفط في الأسواق العالمية بعد اجتماع أوبك المقبل أو بالتحديد بعد السابع والعشرين من مارس الجاري, غير أن كافة التوقعات تؤكد استمرار الارتفاع بعد هذا التاريخ, وهو ما يؤكده التخوف الغربي الممثل في التصريحات الأخيرة من جانب العديد من المسئولين وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي, فضلا عن تأكيدات وزارء نفط أوبك خاصة أعضاء منطقة الخليج العربي وفي مقدمتهم السعودية والإمارات, حيث أعلن على النعيمي وزير النفط السعودي أن بلاده لن تتخلى عن سياستها الإنتاجية الحالية في الحفاط على مستويات الإنتاج الحالية داخل مجموعة أوبك وهو ما وصفه بأنه نموذج مثالي وتاريخي عن الألتزام بقرارت منظمة (أوبك) . ولا خوف من التصريحات التي يطلقها الغرب بشأن ضرورة التراجع عن سياسة أوبك (المتمسكة) الحالية وإعاة الإفراط في حجم الإنتاج لإعادة التوازن إلى الاقتصاديات العالمية, في هذه التصريحات تأتي كإطار جديد من وسائل الغرب في سلسلة الصراع على النفط.. ومن العجب أن يستمر الغرب في تصريحاته (الساذجة) التي تنذر بضرب عمليات النمو, فهل يعني استرداد أسعار النفط لمستوياتها الطبيعية (تقريبا) (حيث من المفترض أن يقدر سعر البرميل بأزيد من 30 دولارا إذا ما قيس بمستويات النمو وارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية) اضطرابا في عمليات النمو الاقتصادي بالعالم؟.. وإذا كان هذا صحيحا من وجهة نظر الغرب فما هي وجهة نظرهم حين فرضوا ضريبة الكربون على الدول المنتجة؟.. وتساؤلات عديدة لا حصر لها حول التحكم في الأسواق العالمية الأخرى التي ضرت بالفعل عمليات النمو بغالبية بلدان العالم. وتتلخص محددات الصراع العالمي على النفط العربي كونه يمثل 62% من الاحتياطي العالمي من النفط تمثل 643 مليار برميل من النفط الخام, بالإضافة إلى 22% من الاحتياطي العالمي للغاز الطبيعي تمثل 5.33 تريليون متر مكعب , فضلا عن امتلاك 13 دولة عربية يمثل سكانها حوالي 70% من جملة سكان الوطن العربي إنتاج وتصدير النفط الذي يمثل واحدا من أهم مصادر الدخل القومي لميزانيات الدول, وهو ما يؤكد الموقع الرئيسي للوطن العربي على خارطة البترول العالمية, وكذا فإنه وفقا لتوقعات الطلب العالمي للسنوات المقبلة فإن العالم العربي مطالب بمضاعفة إنتاجه البترولي من 20 مليون برميل حاليا إلى أكثر من 44 مليون برميل يوميا بعد أقل من عشر سنوات بما يعني زيادة الدور النفطي العربي عالميا في المستقبل, بالإضافة إلى الهزة التي لحقت بأسواق النفط فإن الدول الصناعية الكبرى التي تمثل القاعدة الرئيسية للاستهلاك نجحت في إجراء تعديلات جوهرية على الاستهلاك واستطاعت تخفيض كثافة استخدام الطاقة بصفة عامة من الوحدة الواحدة من الإنتاج بنحو 25% وبحوالي 35% بالنسبة للنفط مع تقليص استخدامه في العديد من الأنشطة الاقتصادية الأخرى كتوليد الكهرباء والتدفئة والصناعة مما يعمق من تغيير الخريطة والمعادلات والتطورات التكنولوجية العامة المؤثرة في مجال الاستهلاك الذي ينسحب بدوره على مجالات الإنتاج والاستكشاف والتسويق. غير أن الفترة المقبلة تتطلب من (أوبك) مرونة وإدارة اقتصادية ذات تفكير جديد غير تقليدي كما يجب عليها في ظل الظروف الاقتصادية التي يشهدها العالم أن تضمن دورا سليما للبترول يمتد على مدى العقدين أو الثلاثة المقبلة بطريقة تعود بالفائدة على أعضاء المنظمة وفي الوقت نفسه يسمح بتدفق استثمارات جديدة إلى تلك الصناعة وهنا يجب أن نشير إلى أهمية تشجيع المشاركة التكنولوجية بما يتيح الاستمرار حتى استغلال المزايا النسبية لمواردها البترولية وتشجيع تدفق الاستثمارات لمراحل الصناعة البترولية من خلال منح حوافز - كافية لتطوير مواردها - البترولية والغازية .. وتجديد النظر ة - إلى مفهوم الأمن الاقتصادي لتأخذ في الاعتبار المصالح البعيدة المدى للمنتجين والمستهلكين على السواء فضلا عن تشجيع الثقة بين الأطراف. وكذلك يجب الإشارة إلى أن التكامل - في صناعة البترول شرط أساسي لاستقرار الأسعار في ظل غياب العلاقة العضوية بين مراحل صناعة البترول المختلفة سواء قطاع البحث والاستكشاف والإنتاج داخل مجموعة دول أوبك كل المعطيات السابقة تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن أوبك مرشحة للاستمرار في القيام بدور أساسي وحيوي في سوق النفط العالمي لاسيما في ضوء المؤشرات التي تشير إلى تزايد الاعتماد على نفط أوبك لتلبية الطلب العالمي المتزايد في الأجلين المتوسط والطويل, والتذبذب الذي شهدته أسعار النفط في الأسواق العالمية مطلع العام الماضي والتحسن الكبير لأسعار النفط منذ الربع الأخير من العام الماضي وحتى يومنا هذا يرجع إلى الصفقات الآجلة, ومن ثم فإن الأسواق ستعاود الاستقرار مجددا بعد شوط الصعود الحالي الذي سيصل زروته وفق توقعات الخبراء مع مارس الجاري ثم تبدأ في مرحلة الهبوط التدريجي إلى أن تدخل في نطاق المستويات المعتدلة المقدرة ما بين 20 و22 دولارا للبرميل. والأوضاع الحالية لسوق النفط والتوقعات بارتفاع الطلب بمقدار 30 مليون برميل خلال العشرين عاما المقبلة تغطي الدول العربية 70% منها تتطلب من كبار المنتجين أصحاب الاحتياطيات العالمية في العالم العربي العمل على استقرار أسعار النفط العالمي من خلال الحرص على توازن العرض والطلب واستقرار الأسعار بمعنى عدم التذبذب بالإنخفاض أو الارتفاع بشكل أكبر لأن الاضطراب في كل حالة له تداعياته الضارة حيث أن الانخفاض الحاد يجلب خسائر ضخمة ويضر بكافة عناصر صناعة النفط عالميا وكذا فإن ارتفاع الأسعار بدرجة كبيرة يقود إلى انخفاض الطلب مع التحول إلى مصادر أخرى بديلة للطاقة, وترتبط الأساليب المهمة والسياسات الفعالة في تصويب توازنات العرض والطلب في السوق النفطية العالمية بوضع قواعد صلبة لبناء صناعة نفطية قوية تأخذ في الاعتبار أيضا ثروات الغاز الطبيعي وتحديد إمكانيات أن يصبح العالم العربي أهم المراكز العالمية في صناعة البتروكيماويات لما يعنيه من زيادة القيمة المضافة للثروة النفطية عن طريق تصنيع جانب منها وتحويله إلى صادرات سلعية تجنب الدول النفطية الصدمات الفجائية التي تتعرض لها صادرات النفط الخام علاوة على أنها تحقق المزيد من الإيرادات والنشاط للاستثمارات الخاصة.. كما تفتح أمامها مجالات عمل جديدة. ويتمثل التحدي الأكبر لأوبك في التأكد من بقاء البترول المصدر الرئيسي للطاقة والتي ترتبط الطاقة الإنتاجية ارتباطا وثيقا بالاستقرار وبجانب الأسعار والاستثمارات حيث تشير التوقعات إلى أن معدل نمو الطلب العالمي على البترول سيرتفع إلى 2% سنويا ليصل إلى 94 مليون برميل يوميا عام 2010 علما أن الدول الأوبك هي وحدها التي ستتمكن من تلبية النمو المتوقع في الطلب العالمي للمزايا النسبية التي تتمتع بها. وفي - الوقت الذي تبلغ نسبة الاحتياطي إلى الإنتاج نحو 29 عاما وحال عدم تحقيق اكتشافات كبيرة في هذه الدول فإن عمر احتياطيها القصير لا يسمح لها بإجراء زيادات ملموسة في طاقاتها الإنتاجية, خاصة وأن هناك دولا مثل الجزائر وأندونيسيا تواجه تصاعدا كبيرا في الاستهلاك المحلي سيؤدي إلى تراجع الكميات المتاحة للتصدير. وفي المقابل فهناك دول تضم السعودية والعراق وإيران والكويت والإمارات وفنزويلا تملك مجتمعة احتياطيا نحو 733 مليار برميل أي ما يعادل 92% من حجم احتياطي أوبك من الزيت الخام وهو ما يكفي للاستمرار في الانتاج بالمعدلات الحالية 7% من - إنتاج أوبك عام ,1998 وستعطي تلك الميزة النسبية حجما تفاوضيا ووزنا نسبيا أفضل لدول هذه المجموعة وتؤدي إلى تميز في هيكلة أوبك في - المستقبل تنسجم مع الواقع. ومن المتوقع أن يسير السيناريو داخل الأسواق العالمية خلال فترة ما بعد السابع والعشرين من مارس الجاري على نحو توقعه الغرب وأعد العدة لأستقباله, ومن الممكن استخلاصه بايجاز على النحو التالي: مع قدوم نهاية شهر مارس الجاري ينتهي تقريبا موسم فصل الشتاء, ومن ثم ينخفض حجم الطلب على النفط في الأسواق العالمية, وهي الورقة الرابحة في يد الغرب حاليا, والتي من الممكن أن تكون نقطة ضعف في الميل لزيادة الإنتاج, إلى أن التمسك بمستويات الإنتاج الحالية, من المؤكد أنه سيحافظ على الأسعار في السوق إلى حد كبير, وقد تنخفض عن المستويات الحالية داخل نطاق محدود للغاية, واستقرار الأسعار يأتي من منطلق النهم الغربي في أستعادة مخزوناته الاستراتيجية التي فقد منها نسب كبيرة نتيجة لارتفاع الأسعار خلال الفترة الماضية, وهو ما قد يحافظ إلى حد كبير على مستويات الطلب العالمي على النفط خاصة من الجانب الأمريكي الذي أعلن أكثر من مرة خلال فصل الشتاء الحالي عن تراجع مستويات المخزون لديه.. كل ذلك يؤكد أن هناك إمكانية قوية لاستمرار صعود أسعار البترول في الاسواق العالمية على المدى القريب والمتوسط وحتى نهاية العام شريطة الالتزام بأوامر أوبك المحصورة في ضرورة المحافظة على نسب الحصص المقررة لكل دولة, إضافة إلى تعامل أعضاء أوبك بمرونة أكثر إذا ما تعرضت الأسواق لأي هزات خارجية بحيث يمكن السيطرة على نسب العرض في الأسواق.. ومن غير المتوقع أن تضر سياسات أوبك الحالية بمصالح أعضائها من الدول كما أنها لا تخاطر بتراجع حصتها من السوق العالمية اذا أصرت على استمرار العمل باتفاقات خفض الانتاج طوال عام ,2000 فمن المؤكد أن تمسك أبوك بسياستها سيكون له انعكاسات سلبية على الدول الاعضاء, لكن هذا يتمثل فقط على المدى القصير, غير انها ستجني ثمار ذلك على المدى المتوسط والطويل حين تستقر الاسعار عند مستوياتها الفعلية التي أطاح بها الغرب على مدار أكثر من عشرين عاما من التلاعب في الأسواق والتحكم في الأسعار وفقا لمصلحته فقط. وسيكون للدول من خارج أوبك دور - مهم ومؤثر في سوق البترول العالمي في الأجلين القصير والمتوسط بما سيتوجب أن تقدم أوبك التعاون والتنسيق بينها وبين الأطراف الرئيسية من أجل استقرار أسواق البترول وتحقيق سعر عادل بينها في - الأجل الطويل وستكون أوبك في وضع أفضل بسبب إمكانياتها البترولية التي تتمثل في حجم إحتياطياتها وطاقاتها الإنتاجية الإضافية التي تمكنها من تلبية النمو المتوقع في الطلب العالمي - فضلا عن انخفاض تكلفة الإنتاج. القاهرة احمد مصطفى

Email