أمريكا تتطلع الى أوبك والصين لتخفيف العجز التجاري

ت + ت - الحجم الطبيعي

بينما تواصل إدارة كلينتون حمل موقف متفائل بقوة من توقعات النجاح للاقتصاد الأمريكي في السنوات المقبلة, فقد شجع العجز التجاري المرتفع وموسم الانتخابات المقبلة أية أنباء يمكنها تدعيم تلك الآمال. وفي هذا الإطار, وردت أنباء جيدة بالفعل من الكويت في هذا الأسبوع حيث أسفرت اللقاءات بين وزير الطاقة الأمريكي بيل ريتشاردسون ووزير النفط الكويتي الشيخ سعود ناصر الصباح عن اتفاقية شفهية للسعي من أجل خفض أسعار النفط في اجتماع أوبك المقرر في مارس المقبل. وحتى ان انخفاضاً طفيفاً في أسعار النفط سيكون له تأثير ملموس على مؤشرين واضحين من ناحية سياسية وهما حجم العجز التجاري وتكلفة تدفئة المنازل وقيادة السيارات. ان الارتفاع في أسعار الوقود الذي رافق الارتفاع في أسعار النفط هذا العام قد تسبب باضطرابات في أوساط سائقي الشاحنات الأمريكيين وصناعة النقل على نحو أكثر إتساعاً, ففي الأسبوع الماضي, جلبت مظاهرة جماهيرية مئات من سائقي الشاحنات الطويلة الى واشنطن, حيث عطلوا حركة السير وأوضحوا انه إذا لم يتم تخفيض أسعار الوقود بطريقة ما, فان حالة السخط ستمتد لتشمل الركاب الذين يستخدمون المواصلات والأشخاص ممن يقضون عطلتهم الأسبوعية الذين سيملأون خزانات سياراتهم بوقود غال في طريقهم الى مراكز الاقتراع في الخريف المقبل. ان الادارة, الحريصة على الحفاظ على فائض الميزانية الذي منحها إياها الاقتصاد المزدهر, مترددة بتخفيف عبء المواصلات عن طريق تخفيض الضرائب المفروضة على الوقود, كما أنها قلقة على نحو متزايد من ان تصبح العجوز التجارية المرتفعة عائقاً كبيراً, وعلى الأقل لهذا الاسبوع, جاء الفرج الاقتصادي من الكويت, ومن الصين كذلك, حيث الدخول الى منظمة التجارة العالمية سيفتح سوقاً للصناعة الزراعية المحلية التي تعاني منذ أمد بعيد. انخفاض أسعار النفط يخفف الضغط على الاقتصاد هناك آليتان آساسيتان متاحتان أمام الحكومة في واشنطن عندما تضر الأسعار المرتفعة للوقود بمصالح الشعب, أولاً, هناك امكانية تخفيض الضرائب على الوقود, فالضرائب على مستوى الولاية وتلك المحلية والفيدرالية يمكنها ان تزداد وتمثل جزءاً كبيراً من سعر الجالون الواحد, غير ان هذا التصرف يعتبر الأقل قبولاً من وجهة نظر الحكومة الحريصة على الحفاظ على فائض عائدها والتي لا تريد تقليص البرامج الاجتماعية التي تؤثر على ملايين الناخبين, أما الخيار الثاني فهو تحرير امدادات من احتياطي البترول الاستراتيجي وتخفيض الأسعار عن طريق إغراق السوق, ولقد رافق جاي هيكز, الخبير الاقتصادي في شئون الطاقة لدى وزارة الطاقة, الوزير ريتشاردسون في جولته في الشرق الأوسط, وأوضح انه لاتوجد احتياطيات متوفرة لطرحها في السوق. وأشار أحد المحللين الى ان الضغوط على الادارة الأمريكية قوية بالفعل, وقال (ان البيان الأخير لوكالة الطاقة الدولية تظهر أسرع هبوط في المخزون في غضون عقد من الزمن بالنسبة للربع الأخير من عام ,1999 كما ان معدل الهبوط يتواصل, فالعراق خفض لتوه حوالي 300 ألف برميل في اليوم من صادراته) , يذكر انه قبل عام فقط وبالتحديد في فبراير, كانت شركة (ويست تكساس انترميديات) تبيع نفطها بسعر 30.11 دولاراً للبرميل, أما اليوم فان سعر البرميل هو 25.30 دولاراً, وهذا يعني ارتفاعاً بنسبة 155% في غضون عام بالنسبة لقوت الطاقة الأساسي للاقتصاد العالمي. وهذه هي إشارات التحذير الأولى من تضخم حقيقي في الاقتصاد. وإذا لم يتوقف هذا, فسنرى معدلات الفائدة على السندات تندفع الى مزيد من الارتفاع والأسهم عندها ستهبط الى مستوى منخفض) . وهذا لايترك أمام الادارة الأمريكية سوى أمل واحد وهو الضغط الدبلوماسي على الدول المنتجة لزيادة الانتاج وتخفيض سعر البرميل, غير انه في جميع الدول المنتجة, لاتزال ذكريات انخفاض العام الماضي في أسعار النفط مما لا تسمح لأي شخص بأن يقترح زيادة كبيرة في الانتاج. وقد حول المسئولون الأمريكيون الذين زاروا الكويت تلك الحقيقة الى ميزة دبلوماسية بالموافقة على ان تقلبات السعر المتطرفة سيئة لجميع الأطراف. وقال ريتشاردسون في مؤتمره الصحفي الذي عقده في مدينة الكويت: (ان الهشاشة وعدم الاستقرار في تقلبات السعر سواء من المنخفض الى العالي أو من العالي الى المنخفض ليست في مصلحة الدول المنتجة أو المستهلكة) . وأضاف قائلاً (ان الأسعار المنخفضة تثبط الاستثمار الضروري وتخرج المنتجين المهمشين من السوق. وعلى نحو مصطنع تقود الأسعار العالية الى التضخم, وقد توقف الانتعاش الاقتصادي في آسيا وتبطىء من النمو الاقتصادي في انحاء العالم وتؤدي بشكل مصطنع الى تحويل الاستثمارات لتحول الى مصادر إمداد بديلة, وتهدد الأسعار العالية النمو الاقتصادي العالمي, ويسهم كل من انخفاض وارتفاع الأسعار في ازدهار الأزمة في أسواق النفط العالمية, الأمر الذي لا يساعد المنتجين ولا المستهلكين, ونحن قلقون لأن المخزون الحالي من النفط في السوق منخفض الى ما دون مدى التشغيل الطبيعي) . وقد كان الرد الكويتي, الاتفاق بدراسة هذا في اجتماع أوبك القادم في مارس, أفضل انتصار كان يمكن ان يأمل ريتشاردسون بأن يعود به الى أمريكا, وفسر الوزير أهمية التوقيت في هذه المسألة حيث قال: (دعوني أفسر لماذا تهمنا هذه القضية. فعلى الرغم من ان الطلب الاستهلاكي في الشتاء قد وصل الى ذروته بالنسبة للموسم, الا ان الشهرين المقبلين يعتبران فترة هامة يقوم خلالها مكررو البترول بسد النقص في المخزون الاحتياطي الذي استنزفوه خلال الشتاء ويستعدون للطلب العالي على البنزين في هذا الصيف, وتثبط أسعار النفط الخام العالية مكرري النفط عن تخزين احتياطي إضافي ومنتجات اضافية للسوق مما يقود الى ضعف أكبر في الأسعار, وفي الولايات المتحدة, شعرنا بتأثير المخزون المحدود هذا الشتاء, ففي نيو انجلاند, ارتفعت أسعار النفط المستخدم في تدفئة المنازل الى ضعف ما كانت عليه قبل عام فقط. كما ان تكلفة قيام سائقي الشاحنات بملء خزانات الوقود في شاحناتهم تضاعفت أيضاً عن العام الماضي. ان استمرار أسعار الوقود العالية خلال الصيف قد يجعل العديد من رجال الأعمال المستقلين يعلنون افلاسهم ويرفع أسعار العديد من السلع للشعب الأمريكي) . وأكد أيضاً على انه يسعى لترسيخ استقرار طويل الأجل في الأسعار وليس فقط ثبات سريع قصير الاجل, وقال بهذا الصدد: (أنا لست هنا للتفاوض حول سعر النفط. فالولايات المتحدة تؤمن بأن السوق ينبغي ان تحدد مستوى إمدادات النفط وأسعار النفط في السوق العالمية, ونحن نعتقد بأن ذلك هو أفضل وسيلة لإشاعة الاستقرار في مستويات المخزون والأسعار, والحديث يدور حول الهشاشة في السوق وعدم الاستقرار الاقتصادي الذي يوجده هذا الوضع, وفي العام الماضي, عندما زرت الخليج, كان سعر النفط عشرة دولارات للبرميل, فبحثت مع أصدقائنا التأثير السلبي الذي يتركه هذا الوضع على صناعة النفط والغاز الخاصة بنا, ودعوني أؤكد ان هذه نقطة تتفق عليها الكويت والولايات المتحدة بشكل كامل وهي ان التقلبات في السوق أمر سيىء للمنتجين والمستهلكين على حد سواء. وأنا أيضاً أتفهم اليوم الاحتياجات الاقتصادية للكويت, وهي الحقيقة القائلة بأن هذه دولة تعتمد على العائدات النفطية ونحن ندرك ذلك, لقد اتفقنا اليوم على ان مستويات سعر النفط ينبغي ألا تعيق النمو الاقتصادي العالمي. وأكد الوزير (الكويتي) على التزام الكويت بالاستمرار في تحليل البيانات الاقتصادية والانتاج للحفاظ على النمو الاقتصادي العالمي) . ارتفاع العجز التجاري على الرغم من الحديث عن الاستقرار طويل الأجل, الا ان الضغط المهيمن على المسئولين الأمريكيين اليوم هو اختلال التوازن في الحسابات الجارية الناجم عن العجز التجاري المتصاعد الذي ارتفع الى أعلى مستوى له على الاطلاق في عام 1999 عندما بلغ 310.271 مليون دولار, وتقوده الى ذلك العجوزات في السلع والخدمات مع اليابان والصين وكندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي وفقاً لآخر الأرقام الصادرة عن وزارة التجارة, وحتى الان, لم يحظ هذا الرقم باعتبار كبير في السياسة الرئاسية, ولكن اذا كان هناك حتى تلميح بحدوث ارتفاع في معدل البطالة, فان قضايا التجارة الخارجية ستتصدر العناوين الرئيسية للصحف, والاحتجاجات في قمة منظمة التجارة العالمية في سياتل أشارت الى مدى القوة التي قد تصبح عليها قضية التجارة. وكان العجز في عام 1999 قد ارتفع بنسبة 15.65% عن عجز عام 1998 البالغ 282.184 مليون دولار وهو الرقم القياسي السابق حسبما أفادت وزارة التجارة في 18 فبراير الماضي, وكان آخر عجز تجاري قياسي قد حصل في العام 1987 عندما بلغ في مجمله 753.152 مليون دولار, ويؤكد مسئولو الادارة على الرأي القائل بأن العجز التجاري القياسي لايزال أقل, من حيث نسبته من الناتج المحلي الاجمالي, من العجوزات في منتصف الثمانينات. وهناك اقتصاديون آخرون لا يأخذون الأمر بهذه البساطة ويشيرون الى أن عجوزات منتصف الثمانينات سبقت ركوداً خطيراً ويضيفون كذلك بأن الممتلكات الأجنبية بالعملة الأمريكية والتي يجري اليوم إعادة استثماراها في سندات الخزينة الأمريكية والأدوات الاستثمارية الاخرى, هي قنبلة موقوته بانتظار تفجيرها, فاذا قرر مالكو تلك العملة الاستثمار في دول اخرى وليس في الولايات المتحدة, فسيكون هناك ضغط حاد على الدولار وزيادة سريعة في سعر السلع الاستهلاكية المستوردة. لقد اتسع نطاق العجز التجاري بسبب الاستهلاك المحلي الأمريكي القوي والنمو الأجنبي البطىء وقوة الصرف القوية للدولار مقابل اليورو والين. وبالاضافة الى ذلك, فان العجز التجاري لنهاية عام 1999 عكس الآثار المتواصلة الناجمة عن الازمة المالية العالمية في الفترة من 1997 ـ 1998 التي دفعت بعضاً من الدول ذات النمو المرتفع سابقاً إلى الركود وتسببت في انخفاض قيمة عملاتها مما جعل الواردات أكثر غلاء. وقال كبير اقتصاديي وزارة التجارة لي برايس: (لقد أنهى الاقتصاد الأمريكي عامه الرابع على التوالي من النمو القوي بشكل استثنائي, وفي غضون ذلك فان معظم الأسواق الرئيسية للصادرات الأمريكية قد مرت بعامين من النمو البطيء إن لم يكن من الركود. وأشار برايس إلى ان الزيادة بنسبة 33.7% في أسعار النفط العالمية خلال عام ,1999 التي ارتفعت من سعر 9.19 دولارات للبرميل في يناير الى 22.67 دولارا للبرميل بحلول ديسمبر (ساهمت أيضاً على نحو كبير في العجز التجاري لعام 1999) وقال برايس ان العجز الأمريكي من السلع البترولية ارتفع إلى 59.000 مليون دولار في عام 1999 من أصل 43.000 مليون دولار في عام 1998, وهذا يشجع أية مساعدة يمكن أن تقدمها أوبك. الصين أمل أمريكا إن الأمل الأكبر بتخفيف العجز طويل الأجل على الأقل من منظور مسئولي التجارة في الادارة الأمريكية هو فتح الأسواق في الصين للسلع الأمريكية, وفي جوهر ذلك يأتي الجهد المبذول لتأمين موافقة الصين على النظام التجاري الذي حددته منظمة التجارة العالمية. ووفقاً لوزير الزراعة الأمريكي دان جليكمان, فإن (مكسب ملياري دولار كل عام على شكل صادرات موسعة إلى الصين سيكون بمثابة نبأ مرحب به من جانب المزارعين الأمريكيين والاقتصاد الزراعي الأمريكي المكافح الذي يعتمد كثيراً على أسواق ما وراء البحار) . ووفقاً لتقديرات وزارة الزراعة الأمريكية, فان قبول الصين في منظمة التجارة العالمية سينجم عنه زيادة سنوية بمقدار 1.6 مليار دولار على شكل صادرات أمريكية إضافية من الحبوب وبذور الزيت والمنتجات المتعلقة بها والقطن بحلول عام 2005. وسيتم أيضاً تخفيض الرسوم الجمركية بشكل كبير على منتجات أخرى مثل الدواجن ولحوم البقر والحمضيات والفواكه الأخرى والخضروات والجوز والمنتجات الحرجية والسمكية, وهذا قد ينجم عنه نمو إضافي في الصادرات الأمريكية يتراوح بين 350 ـ 450 مليون دولار مما يرفع المكسب الإجمالي إلى حوالي ملياري دولار سنوياً بحلول عام 2005. وقال جليكمان بهذا الصدد: (من أجل تحقيق هذه المكاسب, ينبغي أن نكون يقظين للتأكد من أن الصين تلتزم بتعهداتها لمنظمة التجارة العالمية, وتدير بفاعلية حصص معدل الرسوم الجمركية وتزيل قيود الترخيص التفاضلية وتطبق بالكامل اتفاقية التعاون الزراعي التي وقعت في أبريل الماضي والتي تخفض المعوقات أمام الحمضيات والقمح واللحوم) . وقال جليكمان أيضاً ان الصادرات الزراعية قد تكون في عام 2005 أعلى حتى من التقدير السنوي البالغ ملياري دولار, فالنمو السنوي المتوقع في الناتج المحلي الاجمالي للصين بنسبة 7% سيزيد على الأرجح من الطلب على الكثير من المنتجات الأخرى غير المشمولة في التقدير, بما في ذلك منتجات الألبان كالجبن والأطعمة الخفيفة ومواد البقالة والنبيذ ولحم البقر والمشروبات والتبغ. وبالمقابل, فان ادارة كلينتون تسعى إلى اعطاء وضع علاقات تجارية طبيعية دائمة للصين من الكونجرس الذي يتوقع أن يصوت على وضعية التجارة في يونيو أو يوليو المقبلين. والسؤال الأكبر الذي من المتوقع أن يطرح لدى مناقشة القضية هو ما إذا كانت تجارة الصين ستفعل أي شيء هام لتقليل العجز الأمريكي, والمشكلة هي أن الجانب الأكبر من تجارة التصدير الأمريكية مؤلف من مواد متجهة لمصانع التجميع التي تقوم بدورها بإعادة السلع المصنعة إلى أمريكا على شكل واردات استهلاكية. إن مظهر العجز التجاري يعد مشكلة هيكلية متأصلة في النموذج الحديث للتجارة العالمية وهناك عدد قليل من خبراء الاقتصاد الذين لديهم اقتراحات للتعامل معه.

Email