توقعات نمو الاقتصاد العالمي(5)، بعد انحسار الأزمة المالية الآسيوية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تحتاج منطقة جنوب آسيا التي تضم 1.2 مليار نسمة الى اسراع معدلات النمو الى اكثر من7%حتى يعيش هذا العدد الهائل من السكان مع القضاء على الفقر ورفع مستوى معيشتهم. فقد ارتفع النمو الى معدلات كبيرة في الفترة من1992حتى1996م , عقب تحرير التجارة والاستثمارات والانخفاض الكبير في اسعار العملات خاصة في الهند. وساعدت الظروف الاقتصادية العالمية المواتية على زيادة الصادرات وتدفقات رؤوس الأموال. لكن التحديات الجديدة لاحت في أفق المنطقة, بسبب آثار العقوبات الاقتصادية, مما لفت الانتباه الى الاصلاح وإثارة القلق بشأن انخفاض حجم التجارة في شرق آسيا مما أثر على جنوبها. برغم ان الهياكل الاقتصادية في جنوب شرق آسيا منعزلة نسبيا بسبب الانخفاض الفجائي في حجم التجارة الناتج عن الأزمة المالية العالمية, فإن الانخفاض الاقتصادي في تلك الدول كان نسبيا. فقد انخفض النمو من 7% عام 1996 الى 5% في العام التالي له. وسوف يؤثر الانخفاض الاقتصادي العالمي على النمو الاقليمي حيث ان تقلص اسواق الصادرات يجذب معدلات النمو للانخفاض حتى بلغ 4.6% عام 1998 وظل اقل من 5% في العام الجاري. وقد تسبب تغير السياسات وضعف الاداء الصناعي في بطء نمو الاقتصاد الهندي. وبعد فرض عقوبات امريكية وعقوبات مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى, انخفض الاحتياطي الأجنبي الباكستاني الى ما يكفي للواردات لمدة اسبوع ـ اسبوعين في صيف العام الماضي, وأصبح النظام المالي فيها هشا الى درجة كبيرة. كما وجه انخفاض حجم أسواق الصادرات في شرق آسيا واليابان ضربة قاسمة, لأن تلك الأسواق كانت تستقبل نصيب الأسد من صادرات جنوب آسيا. لقد ساهمت منافسة شرق آسيا في أسواق أخرى للتصدير في انخفاض نمو صادرات جنوب آسيا خاصة من الهند وباكستان, كما أثر انخفاض الاستثمارات الأجنبية المباشرة من شرق آسيا على جنوب آسيا خاصة بنجلاديش وسريلانكا. لكن هناك بعض العوامل الايجابية برغم كل ذلك, منها الانخفاض الكبير في أسعار البترول الذي كان نعمة على الدول المستوردة للبترول في جنوب آسيا, وتحسن الظروف التجارية الذي ساهم في رفع اجمالي الناتج المحلي الاقليمي بنسبة واحد في المئة. وانحسر الأثر المالي أو انعدم بسبب الهياكل الاقتصادية لدول جنوب آسيا في الوقت الذي شعرت فيه بآثار أزمة شرق آسيا من خلال الأوامر التجارية والاستثمارات الأجنبية المباشرة, فكانت فاجعة دول جنوب آسيا من الصدمات الخارجية, متمثلة في عجز الحسابات الجارية محدودة باستثناء باكستان. كما انه لم يسمح للبنوك بضخ كميات كبيرة من القروض المحلية, في ا لوقت الذي ادى فيه تخفيف القيود على رأس المال, الى تخفيف الضغوط الخارجية على البنوك (حيث كانت البنوك الهندية لا تعاني ديونا خارجية كبيرة). وآخر العناصر الايجابية ان الاسواق الخارجية للعملات ظلت بعيدة عن المضاربة, لكن العملات, منها الروبية الهندية انخفضت بنسبة 7.5% خلال الربع الأول من 1998, لكن هذا يرجع بشكل أساسي الى العقوبات التي أدت الى وقف المساعدات الأمريكية واليابانية. الاقتصاد الهندي انخفض الاقتصاد الهندي الى 5% من حيث معدل النمو في 97/1998, عقب ثلاث سنوات من نمو سريع بلغ 7.5%. وفي الوقت الذي كان فيه انخفاض الانتاج الزراعي من العوامل الهامة, بدأ النمو في القطاع غير الزراعي يتباطأ عام 96/1997. وانخفض نمو القطاع الصناعي من 12.5% عام 95/1996الى 6.4% عام 96/1997 وزاد الانخفاض الى 5.7% عام 97/1998. وساهم في هذا الانخفاض في معدلات النمو العجز الكبير في القطاع العام, وانخفاض الصادرات منذ 96/1997, وتقلص الاستثمارات بسبب غموض مستقبل الاصلاحات. وهناك انخفاض كبير في معدل نمو الصادرات الهندية مقومة بالدولار, رغم ان المعدلات كانت مستقرة من حيث حجم الصادرات. ويرجع ذلك الى انخفاض قيمة الصادرات, انخفض معدل نموها الى 4.6% عام 96/1997 وإلى 2.7% عام 97/1998. كما انخفض ايضا معدل نمو الواردات, فأدى ذلك الى ابطاء سرعة نمو العجز في الحساب الجاري الى 1.6% من اجمالي الناتج المحلي. وفي الوقت الذي يعادل فيه انخفاض الروبية بنسبة 16% امام الدولار الامريكي من آثار ضعف القدرة التنافسية للصادرات خاصة الى دول (الآسيان) , تظل القدرة التنافسية لصادرات جنوب آسيا الى دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا الشمالية أيضا ضعيفة لفترة من الزمن. نظرة على الاقتصاد الباكستاني ومستقبل الاقتصاد الباكستاني ليس أكثر اشراقا من ذلك. فقد انخفض معدل نمو اجمالي الناتج المحلي الى 4.6% في 95/1996 ثم الى 3.1% عام 96/1997 بعد ضعف تنفيذ برامج التعديل الهيكلي. وتشير الاحصاءات الى ارتفاع معدل النمو الى 5.4% عام 97/1998, لكن في ظل التطورات الأخيرة, تفترض المؤشرات هبوط النمو الى 3% عام 98/1999. وقد ساء وضع العجز في الحساب الجاري ليصل الى 6.8% من اجمالي الناتج القومي عام 95/1996 ثم الى 6.4% في 96/1997 وتشير الارقام الأولية الى بعض التحسن في معدل نمو عام 97/1998 بسبب نمو الواردات وارتفاع تحويلات العاملين في الخارج. واضطرت الحكومة الى تنفيذ اجراءات تقشفية, منها ضغط شديد في الانفاق ورفع أسعار البنزين بنسبة 25%. وحرمت العملة المحلية من القابلية للتحويل في الاسواق الخارجية (مع سحب نحو ثلث الاحتياطي بالعملة الاجنبية الذي كان 11 مليار دولار). وتم تطبيق قيود شديدة على رأس المال من اجل منع هروب الاموال للخارج والحفاظ على القدر اليسير من احتياطي العملة الصعبة على المدى القصير. لكن هذه الاجراءات ستزيد من تخوف العاملين بالخارج في الاستمرار في تحويلاتهم, كما أدت الى ندرة الاستثمارات المحلية والأجنبية, مما كان له أثر كبير على مستقبل النمو. وبافتراض عودة باكستان الى الطريق الطبيعية مع تخفيف العقوبات وتحسن السياسات, يمكن ان تتحسن التوقعات على المدى المتوسط, لكن هناك مخاطر كبيرة مازالت تلوح في الأفق. وقد يكون هذا أحد أسباب الانقلاب العسكري الذي قام مؤخرا في باكستان وأطاح برئيس الوزراء نواز شريف وتولي السلطات العسكرية السلطة في البلاد. وقد يكون التعثر الأخير في مشروعات الطاقة الكهربائية ومساهمة القطاع الخاص دليل على ان الاستثمارات الاجنبية الخارجية من غير المحتمل ان تعود لما كانت عليه, حتى بعد تخفيف العقوبات. توقعات اقتصادية حول بنجلاديش التوقعات بالنسبة لبنجلاديش أفضل من ذلك, فبرغم الفيضانات الأخيرة التي ضربت البلاد والتي خفضت معدلات النمو بشكل كبير عام 1998, فإن هذا الأثر مؤقت, فقد ارتفع معدل النمو الى 5.5% على مدى العامين الماضيين, وارتفع معدل نمو الصادرات لأكثر من 15% عام 97/1998, وارتفعت الاستثمارات الاجنبية المباشرة من 30 مليار دولار امريكي عام 1993 حتى 320 مليار دولار في المتوسط خلال الفترة من 1994 الى 1997. وتم اكتشاف احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي, وارتفع اهتمام المستثمرين الأجانب بالبلاد, ولكن ضعف تدفق الاستثمارات الاجنبية المباشرة وتقلص أسواق الصادرات عقب الازمة الآسيوية قد تكون عوامل غير مواتية. وهناك مشكلات هيكلية لابد لبنجلاديش من اصلاحها وحلها مثل معدل نمو المدخرات وتنويع قاعدة الصادرات وخصخصة المشروعات المملوكة للدولة التي تعاني خسائر كبيرة. سريلانكا ونيبال كما تحسن الأداء الاقتصادي السريلانكي في الفترة الأخيرة فوصل معدل النمو الى 5%, لكن الوضع في نيبال يبدو أكثر صعوبة, حيث انخفض معدل النمو الى أقل من 3% العام الماضي. ومن المتوقع للمنطقة ارتفاعا في النمو على مدى العقد المقبل الى نحو 5.4% عن طريق ارتفاع الاستثمارات وزيادة معدلات نمو الصادرات. ويتوقع ايضا انخفاض العجز في الميزانيات وان يظل العجز في الحسابات الجارية منخفضا مع تدفق رؤوس الأموال على المنطقة في أعقاب انحسار الأزمة الآسيوية. لكن شرط ان تحقق هذه التوقعات هو التعلم من دروس الأزمة بزيادة تحرير التجارة والاستثمارات من اجل تحسين الكفاءة والقدرة التنافسية للصادرات.

Email