رؤية: القرن الواحد والعشرون ومستقبل الغذاء في القارة السمراء، بقلم البروفيسور كارل ايتشر

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ ان بدأت حركة الاستقلال في الانتشار عبر ارجاء الجزء الجنوبي من القارة الافريقية مع نهاية عقد الخمسينات اصبح هناك حلم يراود دول هذه المنطقة للحاق بركب التقدم والدول التي سبقتها في هذا الاطار بما أنجزته من نجاحات اقتصادية وكانت الصناعة هي ركيزتها الاولى للوصول الى هذا النجاح اما في دول الجنوب فالأمر يختلف بعد سنوات طويلة من الاستعمار لم تجد هذه الدول من وسيلة لارتقاء سلم التنمية الا الزراعة فأصبحت هي ركيزتها في محاولة الانضمام الى مصاف الدول المتقدمة مع اقتراب الألفية الثالثة التي لم يبق عليها الكثير. وفي ظل برامج التحول الصناعي التي لم تنل بعد القدر الوافر من النضوج لم يكن من الممكن تحقيق النمو الاقتصادي المطلوب علاوة على بقاء معدلات البطالة على حالها بسبب انعدام فرص العمل التي فشلت هذه البرامج في توفيرها. وظل مستقبل القارة السياسي والاقتصادي رهناً على امكانية تحريك الطاقة الكامنة في المزارع الصغيرة المنتشرة عبر ارجائها والتي يقدر عددها بنحو 50 مليون مزرعة. ويمثل القطاع الزراعي اليوم عنصراً هاماً للقارة الافريقية فهو المسؤول عن 30% من معدل الناتج المحلي و40% من الصادرات بينما تشكل العمالة في هذا القطاع نحو 70% من القوى العاملة في دول القارة المختلفة. وعلى الرغم من أهمية هذا القطاع إلا أنه بسبب الانخفاض في قدرة الانتاج الزراعي فإنه لا يحقق النتائج المرجوة من ورائه في دفع عجلة التنمية الاقتصادية وفتح قنوات تدفق رؤوس الاموال الاجنبية الى القارة وتوفير المزيد من فرص العمل امام ابنائها والاهم من ذلك كله توفير الغذاء لسكان القارة الذين يتزايد عددهم باطراد مستمر عام بعد عام. ومما تقدم نجد ان الشغل الشاغل لافريقيا على مدار الخمسة والعشرين عاماً المقبلة هو توفير وانماء حجم الانتاج الزراعي وهو الامرالذي سيشكل تحدياً جوهرياً وخطيراً وذلك لضرورة الارتقاء بمستويات هذا الانتاج لتوفير هامش من الزيادة يضمن الامن الغذائي لهذه القارة من خلال الانتاج الزراعي المحلي بالاضافة الى الاستعانة الى حد ما بالاستيراد. وعلى الرغم من برامج التنمية التي تبنتها حكومات العديد من دول الجنوب الافريقي والتي امتد بعضها الى اكثر من خمسة عشر عاماً فإن معدلات الانتاج الزراعي في العديد من هذه الدول قد تجمدت ولم تنعكس هذه المشروعات بأي صورة ايجابية على القطاع الزراعي بها. وقد اجمعت العديد من المنظمات وهيئات الغذاء العالمية من خلال دراستها الميدانية المتوسعة ان احجم استيراد المنتجات الغذائية سيشهد ارتفاعاً مطرداً في افريقيا على مدار الخمسة والعشرين عاماً المقبلة وذلك لمواجهة احتياجات السكان التي لا يستطيع الانتاج المحلي الوفاء بها. وعندما ننظر الى أزمة الغذاء في افريقيا بالمقارنة بالأزمة المماثلة التي ضربت اسيا خلال حقبة الستينات نجد ان المشكلة التي تواجهها افريقيا الآن ـ والتي من المتوقع ان تشتد وطأتها خلال السنوات المقبلة ـ أشد تعقيداً وأطول امداً. والسؤال الذي لا بد ان يطرح نفسه الآن هو (كيف ستتمكن القارة من اطعام ابنائها خلال القرن الحادي والعشرين؟) بدلاً من ان يكون السؤال (من سيتولى مهمة اطعام ابناء افريقيا خلال القرن الواحد والعشرين؟) والاجابة بسيطة وتكمن في اطلاق الطاقات الكامنة واستغلال اراضي القارة الخصبة ووضع السياسات الزراعية الملائمة لظروف كل بلد من بلدان القارة والاستعانة بالخبرات الاجنبية صاحبة التجارب الناجحة وتطوير اساليب الزراعة واستحداث المعدات المستخدمة لتحقق الانفراجة المطلوبة وتوفير الغذاء محلياً بدلاً من اللجوء الى استيراده من الخارج. وأصبح من الضروري رسم الخطط ووضع البرامج التي من شأنها تضييق الهوة الغذائية داخل حدود القارة والاعتماد على العلم في تطوير اساليب الزراعة واستيعاب التكنولوجيا الحديثة في هذا الاطار. وقد اظهرت التجارب الاقتصادية للدول النامية على مدار الاربعين عاماً الماضية اهمية دور القطاع الزراعي في دعم مسيرة التنمية وكسر دائرة الفقر والجوع ويبقى في النهاية انه يجب اطلاق الطاقات المبدعة والكامنة داخل القارة الافريقية وتوظيفها كمحرك وقوة اساسية ايجابية دافعة تعمل على رفع معدلات النمو وقهر الجوع والفقر بشتى اشكاله وصوره. استاذ الاقتصاد بجامعة ميتشجان

Email