اتجاهات: ضوابط، بقلم حسين محمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

تحتاج دول المنطقة لرأس المال الاجنبي لأسباب عدة اهمها عدم مقدرة الحكومات على المحافظة على وتيرة التوسع في الانفاق الحكومي كما حدث في العقود الماضية. كما ان محدودية الانفاق العام تؤدي بدورها الى انحسار الايرادات ومبيعات القطاع الخاص وبالتالي تباطؤ معدلات النمو في الاستثمار الكلي (العام والخاص), الأمر الذي يؤثر وبشكل مضاعف على حجم الانشطة الاقتصادية والدخل القومي والاستهلاك وميزان المدفوعات. الا ان الخلاف بين دول المجلس وأصحاب الاستثمارات الاجنبية يدور حول شرط الملكية حيث تشترط معظم قوانين هذه الدول ان تقل نسبة ملكية الشريك الاجنبي عن 51%. الا انه ومع تعزز اتجاهات التحرير الاقتصادي وفتح الاسواق, اعاد العديد بين دول المجلس نظرته الى موضوع الاستثمارات الاجنبية حيث باتت بعض هذه الدول تسمح بتملك نسبة تصل الى 100% في حين اعاد البعض الآخر صياغة قوانين اكثر مرونة للاستثمار الاجنبي. وباعتقادنا فإن العامل الاكثر حيوية من تحديد نسبة تملك رؤوس الاموال الاجنبية للمشروعات المحلية هو التفكير جديا وبصورة عملية في وضع استراتيجية واضحة للتعامل مع هذا الموضوع. ويرى بعض الخبراء الاقتصاديين الخليجيين ان هناك ثلاثة محددات اساسية لابد من التفكير فيها ودراستها قبل اجراء اي تعديلات في التشريعات نحو ايجاد نوع من المرونة في القوانين الخاصة بنسب مشاركة رؤوس الاموال الاجنبية في المشروعات الوطنية الخليجية بمختلف اوجهها. وهذه المحددات هي: اولا: دراسة متكاملة عن مستقبل التنمية في المنطقة وماهية القطاعات التي يجب ان تكون قيادية في عملية التنمية مستقبلا. ثانيا: تحديد ماهية الصناعات الاستراتيجية في كل قطاع من القطاعات الاقتصادية التي تجب حمايتها من المنافسة الاجنبية. ثالثا: ضرورة مراعاة عدم السماح لرؤوس الاموال الاجنبية التي تستهدف في الاساس المضاربة في الاسواق الصغيرة لتحقيق مكاسب سريعة (وتجربة دول جنوب شرقي آسيا خير مثال على ذلك). ان كل هذه الامور لابد من النظر فيها بسرعة لأن التطورات الاقتصادية متلاحقة, خصوصا بعد التوقيع على اتفاقية الجات, والاتفاقية العامة لتحرير الخدمات, واتفاقية حقوق الملكية الفكرية, ناهيك عن ان المرحلة المقبلة حاسمة وتستدعي دورا مؤثرا لدول مجلس التعاون الخليجي التي كانت خارج مباحثات جولة اوروجواي التي مهدت لمولد منظمة التجارة العالمية, حيث كانت هذه الدول خارج اطار المفاوضات التي جرت حول اتفاقية صناعة المنسوجات, وكذلك اتفاقية تحرير الخدمات المالية والمصرفية والتأمينية, كما ان النفط ظل خارج اتفاقية الجات. ويجب على دول مجلس التعاون التي دخل معظمها في منطقة التجارة العالمية ان تنسق فيما بينها للحصول على مكاسب متعاظمة. ان مراجعة التشريعات الاقتصادية في دول مجلس التعاون الخليجي, مطلب محلي وخارجي. ومن ناحية كونه مطلبا داخليا فإن دول المجلس لم تعد لديها الوفورات الهائلة التي كانت تتدفق في السابق نتيجة لانهيارات اسعار النفط التي لم تعد انخفاضات وقتية, بل ترتكز على اساس اقتصادي واضح ومعروف, وهو العرض والطلب. ان الاستثمار الاجنبي لن يجيء اذا لم يجد هناك استراتيجية واضحة للتعامل معه. فدول الخليج ليست بحاجة الى الاستثمار الاجنبي المحصور في شكل التدفقات المالية, لأن لدى الدول الخليجية اموالا كافية واموالا مهاجرة تقدرها بعض الاحصاءات بنحو 600 مليار دولار. لكن نحن بحاجة الى الاستثمار الاجنبي الذي يجلب معه التقنية وتدريب الايدي العاملة المواطنة وتطوير الافكار والمعلومات, فنحن لا نريد اموالا بقدر ما نريد تقنية ومعلومات, كما اننا لا نريد استثمارا اجنبيا للمضاربة في الاسهم والعقارات بقدر ما نريد استثمارا اجنبيا لتنمية البلاد وتطويرها. ومن هنا عندما يتم فتح الباب للاستثمار الاجنبي لابد من تحديد الهدف من هذا الاستثمار, وبناء على ذلك يحدد شرط الملكية التي من الممكن ان تكون 100% للاجنبي في حال قيام مصنع ضخم متطور يدخل تقنية ويحدث تقدما هائلا, ويمكن ان يكون اقل من ذلك بكثير اذا كان المشروع ثانويا أو ربما تكون له محاذير ثانوية على الاقتصاد كمحاذير المضاربات او المنافسات الضارة للمنتج الوطني أو غيره. كما وانه في كثير من الاحيان يؤدي تدفق رأس المال الاجنبي المدروس والمنتج الى جذب رأس المال المحلي المستثمر خارج الدولة الى العودة الى السوق المحلية للعمل معا في انشطة انتاجية قد تستهدف احلال الواردات او التوسع في الصادرات. ان جملة التطورات الاقتصادية الاقليمية والعالمية تدعو الى ضرورة اعادة النظر ليس في شرط الملكية فقط, بل في مجمل التشريعات والقوانين الاقتصادية لاجتذاب الاستثمارات الاجنبية, ولكن ما هو مطلوب بالفعل هو ان تتم اعادة النظر هذه في اطار استراتيجية واضحة لاستثمار رؤوس الاموال الاجنبية استثمارا امثل في خدمة برامج التنمية وتجنب توجيه تلك الاموال في احداث المضاربات وعدم الاستقرار المالي والاقتصادي كما حدث في العديد من دول امريكا اللاتينية وآسيا وشرق أوروبا.

Email