اتجاهات: المستثمر والبورصة، بقلم حسين محمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

ان المتتبع للتداول في اسواق الاسهم الخليجية خلال الاشهر الماضية قد لاحظ الدور الرئيس الذي يلعبه الاستعداد النفسي للمستثمرين في تحديد اتجاهات هذا التداول من حيث الكمية والقيمة والاسعار, ونشير ابتداء الى هذا العامل لنستبعد ضمنا اهمية عاملين رئيسيين اخرين هما الحالة العامة للنشاط الاقتصادي والمالي والاداء المالي والربحي للشركات المساهمة فعلى الرغم من اهمية هذين العاملين الا ان حركة اسواق الاسهم الخليجية اظهرت ضعف ارتباطها بهما. لذلك ترانا منساقين للتركيز على موقف المستثمرين انفسهم ومدى استعدادهم للتعامل بروح ايجابية مع اسواق الاسهم كعامل رئيسي في تحديد اتجاهات التداول في هذه الاسواق واولى الملاحظات التي نود تسجيلها حول هذا العامل هو قصر نفس المستثمرين, فنلاحظ انه حالما تحقق السوق اي ارتفاع مهم في اسعار الشركات المدرجة, يسارع اغلب المستثمرين لجني الارباح وبالتالي فإن مواقفهم تبنى على اساس المضاربات بالدرجة الاولى وليس الاستثمار او حتى المتاجرة بمفهومها الصحيح في الاسهم وصحيح ان تبنى موقف مضارب او متاجر او مستثمر يعتمد على حالة السوق, وحالة الشركة صاحبة السهم وحالة الاقتصاد ككل ـ وهي العوامل الثلاثة التي ذكرناها في البداية ـ الا انه للأسف ايضاً ان مواقف المستثمرين ـ في الغالب ـ اظهرت ضعف ارتباطها بهذه العوامل, وقد ارتبطت بشكل اقوى بالعوامل النفسية او ما اسميناه في البداية الاستعداد النفسي لاتخاذ موقف دون غيره. والملاحظة الثانية التي نود ان نبديها وهي حصيلة طبيعية لما ورد في الملاحظة الاولى ان المستثمرين بدوا وكأنهم يريدون غراماً من طرف واحد مع اسواق الاسهم, فهم يريدون من السوق ان تحبهم وتكرمهم, ولكنهم ليسوا مستعدين ان يبادلونها الحب والتكريم انهم يريدون تحقيق الارباح ولكن ليسوا مستعدين لتحمل اي خسائر ومستعدين للدخول في السوق ولكن ليسوا مستعدين ان يدافعوا عن اساسياتها على الرغم من قناعتهم بتدني معظم اسعار الاسهم في الوقت الحاضر وان اغلب هذه الاسعار ما دون قيمها الحقيقية. والملاحظة الثالثة وهي نتيجة ترتب على ما ورد في الملاحظتين السابقتين ان المستثمرين الرئيسيين اصبحوا اكثر انتقائية واكثر ميلاً لممارسة هواية الغطس ومن ثم الخروج السريع من قاعة التداول مما افقد السوق اتجاهاً واضحاً للحركة, فهي يوم في ارتفاع ويوم آخر في انخفاض, كما افقد المستثمرين الصغار الثقة, خاصة هؤلاء المستثمرين الذين اعتادوا ان يبنوا مواقفهم اتجاه شراء او بيع بعض الاسهم على اساس حركة السوق (اي مواقف المستثمرين الكبار) ويحاول بعض المستثمرين الصغار الاجتهاد بصورة صحيحة الا ان حجم تداولهم يبقى عاجزا عن التأثير على حركة السوق ككل. والملاحظة الرابعة, والتي برأينا تنطوي على مضامين ذات دلالات سلبية للغاية وهي المشكلة التي يعاني منها الكثير من اسواق الاسهم ليس في ضآلة قاعدة المتعاملين واقتصارها على عدد محدود من المستثمرين الكبار الذين يتحكمون في السوق, فهذه الظاهرة ليست مشكلة في حد ذاتها, ولكنها تتحول الى مشكلة ـ ومشكلة خطيرة ـ اذا ما بدأ هؤلاء المستثمرون الكبار يضعون حساباتهم الخاصة بالتداول في سوق الاسهم على اساس خاطئ واحادي الجانب لا يأخذ بالاعتبار سوى تحقيق الربح السريع والسريع جداً, ان هذه الحسابات تغيب عن بالها عوامل الوضع الاقتصادي والمالي واداء الشركات المساهمة والمستويات المنخفضة للاسعار وهنا يبرز الافتراق ولن نقول بين حسابات المصلحة الشخصية وحسابات المصلحة العامة حتى لا يعتقد البعض ان المطلوب منه التضحية بالاولى لحساب الثانية بل وبين حسابات المصلحة الشخصية المتعجلة والقصيرة الاجل والمصلحة الاستثمارية الطويلة الاجل. وبعد ابداء هذه الملاحظات قد يتساءل البعض عن اسباب وجود او غياب الاستعداد النفسي للمستثمرين في السوق, طالما ان العوامل الرئيسية الاخرى لا تلعب دورها المطلوب, اننا نعتقد بحق ان الاسباب في غالبها ليست اسباباً مادية حقيقية, فعلى سبيل المثال لا يمكن القول انها تعود الى الخشية من تدهور الوضع الاقتصادي او المالي, كما ان عامل التضخم ليس له تأثير واضح ولا اسعار الفائدة, وكذلك الحال بالنسبة للسيولة المحلية, ومن ثم تبقى معظم الاسباب وراء وجود او غياب الاستعداد النفسي كامن في النفس البشرية ذاتها واقبالها او ادبارها عن الاشياء وهي وجهة نظر نخال ان العديد من المستثمرين لن يتفق معها.

Email