منطقة تجارة عربية حرة.. حلم كبير لم يكتمل بعد، فرص كبيرة للنجاح بعد توجه معظم الدول العربية لمبدأ الاقتصاد الحر

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يعد هناك وقت, الاحداث تتسارع, والتكتلات الاقتصادية الدولية, تزداد تماسكاً وقوة لتعلن عن بداية زمن التكتلات, حيث لا مجال لنشاط اقتصادي بعيد عن الاتفاقيات الدولية واهمها الجات, ومازال مشروع منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى يتعثر, رغم ان الواقع العربي يؤكد ان هناك الف فرصة لنجاح المشروع والذي اعتمد البرنامج التنفيذي للأحكام التي وردت في اتفاقية الجات واللوائح الخاصة بالتبادل التجاري . امام الدول العربية اذن ألف سبب للإسراع بإنهاء مشروع منطقة التجارة الحرة العربية, ففرص النجاح لا حصر لها ومنها هذا التقارب الواضح بين الهياكل الاقتصادية واعتناق معظم الدول العربية لمبدأ الاقتصاد الحر, وتنفيذ بعضها لبرامج اصلاح اقتصادي ناجحة مما ساهم في تحقيق استقرار في السياسات النقدية العربية. وبالرغم من كل هذه الايجابيات, الا ان هناك عدداً كبيراً من العقبات التي تواجه تنفيذ هذه الاتفاقية يقول حسن ابراهيم رئيس مجلس الوحدة الاقتصادية عن هذه العقبات: من الصعب الوصول بسرعة الى صيغة تفاهم, المسألة تحتاج الى وقت وجهد, نتيجة للتفاوت في الفكر والقدرات والهياكل الاقتصادية, بين الدول العربية, هنالك نقص في التكنولوجيا والكوادر الفنية, ونقص في امكانيات الاستثمار, كلها عوامل معوقة ايضاً الارادة العربية للعمل المشترك هي نفسها متفاوتة بين قطر وآخر وفي هذا المناخ لا يمكن الوصول الى تنسيق سريع وتحقيق انجازات. واضاف: ان هناك خلافات متزامنة مع النقص التكنولوجي والتخطيطي فعندما تقيم مشروعاً فأنت تحتاج الى عدد معين من الفنيين والمهندسين, واذا لم توفر العدد المطلوب حسب دراسة الجدوى ستضطر الى تأجيل المشروع, وهكذا سلبيات كثيرة, يراها المواطن مثلاً, وجود طائرة تقل الفرد من هنا لأمريكا خلال ساعات لا يعني ابداً انه اصبح امريكياً والمعنى ان المجتمعات النامية لا يمكن ان تحقق انجازات المجتمعات المتقدمة في الوقت نفسه او بنفس الاسلوب وستظل الدول النامية في حاجة الى برامج اصلاح اقتصادي وقد انجزت بعض الدول العربية الكثير في هذا الاتجاه رغم المصاعب ايضاً الاستثمارات تزايدت في بلاد عربية كثيرة وان كانت بشكل متفاوت من بلد لآخر, لكن كل ذلك لم يحقق بعضاً مما نحلم به.. وليس امامنا الا مواصلة العمل والافكار المطروحة في معظمها متماسكة. حداثة التجربة ويشير د. برهان الدجاني الأمين العام للغرف التجارية العربية الى أن منطقة التجارة العربية الحرة حديثة العهد, وبالتالي فإن تجربتها لم تتجاوز سنة بالكاد, فهل في هذه السنة تطابقت التصورات مع التنفيذ؟ الملاحظ ان هناك خمس عشرة دولة دخلت في اطار منطقة التجارة العربية الحرة, وهذه الدول تشكل فيما بينها ما لا يقل عن 80-90% من التجارة العربية. ومن مجموع الناتج القومي العربي, وهي بذلك تعد البداية الحقيقية للتكتل الاقتصادي العربي, هذه المنطقة تطبق تحريراً كاملاً للتجارة البينية العربية خلال فترة عشر سنوات, على ان يجري التطبيق بمعدل 10% تخفيض كل سنة, وفي السنة الثانية (السنة الحالية) ابلغت عدد من هذه الدول المنافذ الجمركية بالتخفيض. يضيف د. برهان: هناك الآن مطلب, وأعتقد أنه لا بد ان يتحقق هذا العام, وهو ان يتم الابلاغ بالتخفيض بصورة تلقائية الى المنافذ الجمركية من دون الحاجة الى التذكير والتبليغ كل سنة, اختصاراً للبيروقراطية, بالنسبة لهذا العقد, هنالك بعض الاستثناءات التي وضعتها بعض الدول ربما يرجع هذا الى تباين الانظمة العربية فبعضها شبه اشتراكي كما هو الحال بالنسبة لسوريا والعراق وليبيا, وبعضها قد تحرر, فالدول التي لا تزال تطبق نظاماً منغلقا, تريد ان تتدرج خطوة خطوة, وهناك الآن محاولة للتقليل من هذه الاستثناءات واتفاق على ألا تتجاوز مرحلة الاستثناء أربع سنوات, بمعنى انه بنهاية العام الرابع لا تكون هناك استثناءات ابداً, وتكون كل السلع خاضعة لـ10% والاعفاء يتم في الاول من يناير 2007م, حيث سيكون التخفيض قد اكتمل, ووصل الى حد الاعفاء, والآن التحرك يجب ان يكون باتجاه الغاء القيود غير الجمركية, وبصورة خاصة تراخيص الاستيراد والتصدير وتراخيص تحويل النقد. هناك ايضاً مشاكل اخرى, فبعض الدول قد تطبق رسوما لا تسميها رسوماً جمركية, ولكن هي في الحقيقة نوعا من الضرائب وهذه النقطة ايضاً يجب ازالتها وهناك دراسة حول هذه الرسوم بالنسبة للدول التي تلتزم بها, وحتى اكتمال هذه الدراسة سيتم اتخاذ قرار بالغاء الرسوم. ايضاً بعض الدول العربية فيها مناطق حرة, كما هو الحال بالنسبة لجبل علي في دبي بدولة الامارات العربية المتحدة, وفي مصر وتونس ايضاً, فكيف نعامل منتجات المناطق الحرة التي لها امتيازات عن المنشآت الوطنية؟ وهنا يأتي موضوع المنشأة ـ ومازال الحديث للدكتور برهان الدجاني ـ الدول العربية عرفت ان السلع العربية هي التي تكون 40% من مكوناتها محلية, ولكن لا بد من تعريف المكونات بالنسبة لكل سلعة, وما هو الذي يعتبر مكوناً عربياً او العكس, هذه العملية رأينا انها تحتاج الى عامين حتى يكتمل تحديد السلع التي يشملها التعريف. قواعد المنشأ ويقول السفير جمال بيومي مساعد وزير الخارجية المصري بهذا الخصوص: انه تم الاتفاق على دعم جهود مجموعة الخبراء التي ستبدأ في وضع قواعد المنشأ العربية التي تم الاتفاق على تنفيذها في يناير 1998م وقد بدأت دون الاتفاق على قواعد المنشأ, ولذلك تم تكوين مجموعة من الخبراء في الجامعة العربية لبحث وضع قواعد منشأ عربية موحدة. واوضح انه تقدم باقتراح الى وزراء الصناعة العرب مؤداه انه من الأفضل ومن مصلحة العالم العربي ان تكون كل قواعده في التجارة الخارجية بما في ذلك قواعد المنشأ, قريبة من القواعد التي يطبقها الاتحاد الاوروبي, ومن ثم ستضع مجموعة الخبراء قواعد المنشأ الاوروبية كمدن, وستضع الوضع العربي الراهن كنقطة انطلاق وهو مهدد سيستغرق اكثر من عام. وأكد السفير جمال بيومي انه تمت الموافقة على هذا الاقتراح, واضاف انه ليس من الممكن ان يتم تطبيق فوري لقواعد المنشأ الاوروبية, نظراً لأن بعض الصناعات غير مستوفية للشروط الاوروبية, لكن تمت الموافقة على أن يكون اجتماع رؤساء اجهزة التفاوض بمثابة الآلية العربية للتنسيق بين الدول العربية المتوسطية لكن بصفة عامة اذا لم يكتمل مشروع المنطقة الحرة العربية, ستضطر كل دولة ان تتفاوض مع الاتحاد الاوروبي بشكل فردي, ولن تكون هناك جهة عربية لديها القدرة على التخاطب مع الاتحاد الاوروبي. قيود كما يؤكد د. سعيد عبدالخالق مدير التشريعات الاقتصادية بوزارة الاقتصاد المصرية ان منطقة التجارة الحرة العربية توفر سوقاً أوسع للبلدان المشتركة فيها, الا ان هذه الاتفاقية تعاني من بعض القيود أهمها أن الغاء الرسوم الجمركية داخل منطقة التجارة الحرة قد يصطدم بعقبتين الاولى حرمان هذه البلاد من بعض ايراداتها الجمركية باعتبارها احد مصادر الايرادات العامة, فضلاً عن ان ما تعانيه بعض الدول من قصور فيما هو متاح لديها من العملات الاجنبية القابلة للتحويل قد يعد سبباً كافياً, كما تحجم هذه البلاد عن الاسراع في تحرير تجارتها الخارجية. العقبة الثانية كما يشير د. سعيد, تتمثل في تأثير عملية وضع الجمارك على درجة الحماية المفروضة على الصناعات الناشئة, كما ان اختلاف مستويات التعريفة الجمركية قد يؤثر في درجة الحماية التي تمنحها منطقة التجارة الحرة لسوق المنطقة ككل اذ قد يتم تسريب او تهريب السلع الاجنبية الى المنطقة كلها عن طريق البلاد الاطراف ذات التعريفة الجمركية الاقل, الامر الذي يتطلب وضع الضوابط اللازمة لذلك. ويضيف قائلاً: وفي تقديري تعد ازالة مختلف القيود الجمركية على حركة التجارة السلعية غير كافية وحدها لتنشيط التجارة المتبادلة بين مجموعة من الدول فالأمر يستلزم توافر قواعد انتاجية متنوعة الانشطة وفيرة المنتجات كما ونوعا بما يكفل تحقيق تيارات سلعية متدفقة للتجارة المتبادلة داخل نطاق منطقة التجارة الحرة وفي جميع الاتجاهات كما ان عامل التقارب الجغرافي ليس كافياً بمفرده كأساس لتنشيط التجارة البينية اذ يتعين على الباحث ان يلمس الفرق بين المسافة الجغرافية وما يمكن ان يطلق عليه المسافة الاقتصادية, فاذا كان طول أو قصر المسافة بين بلد وآخر هو ما يعبر عنه بالمسافة الجغرافية, فإن المسافة الاقتصادية تتمثل فيما تتحمله المنتجات المتبادلة من اعباء اضافية تنتج عن انتقالها بينهما. ويرى نبيل منصور الوزير المفوض ومدير ادارة الدول العربية بجهاز التمثيل التجاري: ان الاعلان عن اقامة منطقة تجارية حرة يعد نقطة انطلاق نحو بناء كيان اقتصادي عربي قوي في عالم يموج بالتكتلات الضخمة, ولكن بجب ان نعلم ان هناك عددا من المعوقات التي تقف حائلا أمام تفعيل العمل الاقتصادي العربي المشترك رغم كثرة الاتفاقات المبرمة بين البلاد العربية, أهمها ان التاريخ العربي يؤكد عدم استقرار الأوضاع والعلاقات السياسية بين العرب خاصة مع هذا الخلط في العلاقات بين السياسة والاقتصاد, هذا الى جانب الاختلافات القائمة بين الانظمة العريبة والقصور الواضح في اتخاذ موقف عربي موحد, وعدم توافر الصيغة الجماعية في التعاون العربي, أضف الى ذلك التفاوت في مستويات النمو الاقتصادي للدول العربية. ويؤكد الرأي نفسه د. مصطفى محمد عز العرب وكيل كلية التجارة وادارة الاعمال بجامعة حلوان فيقول: الاختلاف في مستويات التنمية الاقتصادية بين الدول العربية, والثروة الهائلة التي يمتلكها العرب عموما وعدم الاستغلال الامثل لهذه الثروة كان عاملا رئيسيا في عدم استكمال أية اتفاقية تعاون اقتصادي عربي, بشكل نهائي. كما ان محدودية القاعدة الانتاجية وضعف أداء الخدمات المعاونة للتجارة كالنقل والمواصلات واختلاف النظم الاقتصادية بين الاقطار العربية, وعدم وجود آلية منتظمة لمراقبة تنفيذ الوحدة الاقتصادية الكاملة كل هذا يشكل مجموعة من اسباب اعاقة استكمال السوق العربية, ان أوروبا نجحت بشكل كبير في انشاء السوق الاوروبية المشتركة, حيث تصل هناك التجارة البينية بين الدول الى 70% وتصل بين أقطار الوطن العربي الى 8%, وتصل الى أعلى معدلات بين دول شرق آسيا.. وأفاد انه لا يوجد تعارض بين التعاون الشرق أوسطي وقيام السوق العربية المشتركة التي أصبحت أكثر أهمية الآن, حتى يكون للأمة العربية كيان اقتصادي عربي قادر على التعامل مع التطورات الاقليمية والعالمية. آراء متباينة وهناك آراء اخرى متفائلة ترى ان الـ 12 دولة نواة لباقي الدول العربية للانطلاق لسوق عربية مشتركة فيرى د. عصمت عبدالمجيد الأمين العام بجامعة الدول العربية ان ما تم هو خطوات جادة في طريق التكامل العربي, فالدول العربية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي أقر هذه الاتفاقية ووافقت الدول العربية ولكن هناك بعض الدول العربية التي مازالت تدرس مواقفها ولكن حتى الآن بدأت بالفعل الدول العربية التنفيذ وأبلغت منافذها الجمركية. فدولة الكويت أبلغت منافذها في 1/1/98 مع بدء تطبيق الاتفاق, والمملكة المغربية في 13/1/98 والجمهورية التونسية في 6/2/,98 ثم دولة البحرين في 9/2/98 والعراق في 9/2/,98 ثم المملكة العربية السعودية وبدأت التنفيذ في 2/3/98 ثم المملكة الاردنية الهاشمية في 9/3/,98 ثم دولة الامارات في 16/3/98 وسلطنة عمان في 9/5/98 ودولة قطر في 1/7/,98 وأخيرا الجمهورية العربية السورية في 1/9/1998.. وهناك بعض الدول الاخرى في الطريق. أما الشيخ عبدالرحمن السحيباني الامين العام المساعد للشؤون الاقتصادية بجامعة الدول العربية فيقول: بعد أكثر من عام ونصف من تطبيق الاتفاقية فإن الدول العربية التي تمتلك امكانية الدخول الى منطقة التجارة الحرة, العربية, قد دخلت منذ البداية حتى تستطيع الاستفادة منها ومن ثم لا يتوقع ان يحدث تطور كبير على الدول العربية التي ستلحق بمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى. وقال: ان لبنان وقطر قد انضمتا مؤخرا الى الدول التي أبلغت منافذها الجمركية باجراء التخفيض المتدرج بنسبة 10%.. وبذلك وصل العدد الى 14 وزنها النسبي في التجارة الخارجية العربية يصل الى حوالي 29% وفقا لبيانات التجارة الخارجية لعام 1997 وفي التجارة العربية البينية حوالي 29% للسنة نفسها, ومن المتوقع ان يزداد نصيبها في التجارة البينية خلال السنوات المقبلة مع التقدم في تنفيذ منطقة التجارة الحرة العربية, واجراء مزيد من التخفيضات الجمركية فيما بينها في اطار منطقة التجارة الحرة العربية. أما عن المشاكل الموجودة فقال انها متوقعة منذ التفكير في الاتفاق, وهذا طبيعي بين تكتل مقام من دول نامية, ولكن لابد ان تستكمل المسيرة وان نؤمن بأن هناك اجتهادات, يجب كذلك ألا نتسرع في اللجوء الى الممارسات الثأرية, بل نخضع جميع هذه الامور في النهاية الى مناقشات هادفة علمية ليتم التنفيذ بالشكل المطلوب لكن دائما في البدايات تكون هناك مشاكل فمثلا 60% من القرارات والاتفاقات الاوروبية لم يتم التصديق عليها حتى الآن. كما أكد ابراهيم فوزي رئيس الهيئة المصرية للاستثمار: ان منطقة التجارة الحرة من شأنها ان تدفع التجارة البينية العربية, ولا شك ان مرور أكثر من عام على التجربة أكد نجاح الاتفاقية حتى الآن, وأي تقارب اقتصادي عربي من شأنه زيادة الاستثمارات بين الدول العربية جميعها. الرؤية المتفائلة نفسها لمسناها مع د. علي لطفي رئيس الوزراء المصري الاسبق الذي أكد انه متفائل باقامة منطقة التجارة العربية الحرة الكبرى لأن ما تم خلال هذه الفترة أفضل مما تم خلال 30 عاما من اتفاقيات عربية اخرى, ولا شك ان اتفاق التجارة العربية زاد من التجارة البينية وخلق ـ ولو جزئيا ـ ميزة تفضيلية للسلع العربية, ولكن كثيرا من الدول لم تطبق ولم تنفذ وعلينا الاستفادة من تجاربنا السابقة عند تطبيق هذه التجربة. كتب خالد غازي

Email