مشروعات التنقيب مستمرة، هل يستعيد الذهب مكانتة أم فقد دوره كمخزن للقيمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل يخرج الذهب من احدى أزماته الحالكة؟ وهل يؤثر قرار صندوق النقد الدولي ايجاباً على الأسواق, وذلك بعد ان أصبحت هيبة المعدن الأصفر مهددة في الأسواق العالمية. وقد ارتبط ضياع هيبة هذا المعدن بانخفاض معدلات التضخم في معظم مناطق العالم, بعد ظهور وانتعاش سياسات الباب المفتوح والسوق الحرة, ووجود بدائل استثمارية ضخمة . لقد ظل الذهب على مر الأزمنة, المعدن الذي يلهث وراءه الأفراد والحكومات بغرض اقتنائه, ومن وجهة نظر العديد من هذه الحكومات, فمازالت للذهب قميته إذ يعتبر بالنسبة لها الغطاء الذي يسترها اقتصاديا عند مرورها بضائقة مالية, لكن واقع الحال الاقتصادي العالمي يقول غير ذلك, فقد بدأت فصول كارثة انهيار أسعار الذهب منذ اعلان معظم البنوك المركزية في العالم عن تخطيطها لبيع كميات أو حصص من احتياطياتها الضخمة من سبائك, وكان ذلك عام ,1997 وكانت نتيجة هذا الإعلان, إنخفاضا وصل الى 30% في أسعار المعدن وباعت تلك البنوك أكثر من 3100 طن منه, وفي نفس الوقت نجحت في تخفيض معدلات التضخم التي ترتبط ارتباطا وثيقا بسعر الذهب, فالانخفاض المستمر لمعدلات التضخم يحول الذهب الى نوع من أنواع الاستثمار غير المجدي, كل هذه المقدمات تشى بأن الذهب فقد بريقه الاقتصادي فهل تمت الإطاحة بهيبة الذهب تماماً؟ رصيد معطل الذهب فعلا فقد هيبته, ولم يعد غطاءً مضمونا, هذا ما أكده د. حمدي عبدالعظيم رئيس مركز البحوث الاقتصادية بأكاديمية السادات للعلوم الادارية بالقاهرة قائلا: كان الذهب في الماضي يمثل احتياطيا عالميا يمنح الإحساس بالقوة والضمان, لكن وبعد التوسعات العسكرية والحروب العالمية الأخيرة وما تبعها من زيادة هائلة في الإنفاق وفي إصدار النقود, لم تعد كميات الذهب كافية لكل هذا الإصدار, الذي أصبح رصيدا معطلا لايدر عائدا, وليست له قوة الثبات ولاتزداد قيمته, لنقص السيولة التي تؤدي بدورها لضعف الطلب.. وعلى هذا الأساس بدأ تفكير الدول يتجه نحو تجديد عملتها حسب العرض والطلب مع ربطها بعملات أخرى قوية كالدولار أو الاسترليني أو ربطها بحقوق السحب الخاصة. البورصة أفضل ويرى د. حسن محمد كمال الاستاذ بكلية التجارة جامعة عين شمس أن أسعار الذهب مرتبطة بحركة السوق العالمية, ولذلك فقد تأثر السعر المحلي بالسعر الدولي بسبب قيام الاتحاد الأوروبي ببيع كميات كبيرة من الذهب لتغطية العملة الأوروبية (اليورو), كما أن معظم الدول المشتركة في هذا الاتحاد قامت بدفع حصتها من معدن الذهب للمساهمة في العملة الموحدة لتداولها مع بداية عام ,2000 بالإضافة الى تحول الأفراد الى أنشطة أكثر ربحية مثل المضاربة في البورصة أو الاستثمار داخل صناديق الاستثمار المنشأة عن طريق البنوك أو الاستثمار في المضاربات العقارية التي تحقق أرباحا طائلة, والأسباب التي ساعدت على البعد عن مغامرة تخزين الذهب هي انخفاض سعره المستمر مع خسارة تكاليف تصنيعه, في الوقت الذي تواصل فيه الأسهم والسندات ارتفاعها لدرجة مضاعفتها ست مرات خلال فترات زمنية بسيطة, وهو ما لا يتحقق مع نشاط الذهب. ما حدث ليس غريبا فالذهب منذ فترات طويلة يتعرض للرواج والكساد, هذا ما يؤكده رزق أحمد رزق الخبير المالي قائلا: لايزال الذهب غطاء لكل عملات العالم سواء الدول المتقدمة أو النامية, وهو العملة التي يتفق عليها العالم في التبادل كنقود, ولذلك يرتبط الذهب بشكل مباشر بالنشاط الاقتصادي والسياسي والاجتماعي باعتباره وعاء إدخاريا ومقياسا للقيمة ومظهرا من مظاهر الثراء, أما عن فقدان الذهب لعرشه, فالثابت ان الذهب يتعرض لهزة عنيقة فقد انخفضت أسعاره بنسبة تصل الى 40% مما أثر على سوق الذهب بشكل مباشر.. هذا بالنسبة للسوق المحلية, اما على الصعيد الدولي فإن نكسة البورصات الآسيوية ادت الى تدهور اسواق الذهب العالمية مما اضطر العديد من دول آسيا على رأسها دول النمور الآسيوية لطرح كميات ضخمة من الذهب لدعم عملاتها وبورصاتها في محاولة للخروج من الكارثة الاقتصادية. الذهب المغشوش ويضيف احمد رزق قائلاً: لقد تأثرت اسواق الذهب المحلية في مصر بما حدث فضلاً عن وجود اسباب داخلية مثل خفض الرسوم الجمركية على الذهب المستورد من 5% الى 1%, وفرض ضرائب باهظة على مصنعي وتجار الذهب, واحجام المشترين عن الشراء لتفشي ظاهرة, الذهب المغشوش, وسادت حالة من القلق والتذمر بين مصنعي الذهب المصريين خلال الفترة الماضية لاصرار الحكومة على فرض ضريبة المبيعات والجمارك على استيراد الذهب, قبل بيعه, وفرض ارباح تجارية وصناعية قدرها 40% في حالة البيع في الوقت الذي لا تفرض فيه هذه الضرائب على الذهب القادم لمصر من بعض الدول المصنعة له, مما يؤدي الى تكبيد المصنعين المصريين خسائر كبيرة, بسبب انخفاض الطلب على المصوغات المصرية, وقد لخص التجار اسباب حالة الكساد التي يشهدها السوق المصري في نجاح سوق المال المصري في اجتذاب اموال الفئات المتوسطة الى الاستثمار في شراء الاسهم والسندات بديلاً عن انفاقها في شراء الذهب خاصة مع استمرار ثبات قيمة الجنيه المصري, ثم حالة الخوف التي تسيطر على المشترين نتيجة لما يتردد عن استمرار هذا الانخفاض في المستقبل, واخيراً زيادة الكميات المعروضة للبيع واحجام المشترين عنها. الخبراء اجمعوا على ان ما يحدث في سوق الذهب العالمي كارثة, فبعد ان وصلت اوقية الذهب في يناير 1980 الذروة هبطت الى 258 دولارا للاوقية وبدأ العد التنازلي لاسعار الذهب بعد عام 1980 بشكل متفاوت ولكن بعد ابريل 1996 لم يرتفع سعره على الاطلاق وبدأ التراجع والهبوط الحاد. الخبراء يؤكدون ايضاً انه لا أمل حالياً في زيادة سعر الذهب خاصة وان مشروعات التنقيب عن الذهب مستمرة مما يجعل الصورة قاتمة, وباختصار يمكن القول بأن الذهب لم يعد مناسباً كاستثمار او كادخار استثماري اذا قورن باستثمارات اخرى, وان كانت بطيئة الربح الا انها في ظل كارثة الذهب قد تكون اكثر فائدة, خاصة لو عاد الانتعاش للاقتصاد العالمي. القاهرة ـ أيمن عبدالرسول

Email