رغم اتفاقية التجارة الحرة،التبادل التجاري العربي يتوقف عند حدود10%معوقات سياسية واجرائية وتقنية وراء محدودية التجارة البينية

ت + ت - الحجم الطبيعي

على العكس من الصورة المتفائلة التي يظهرها الكثير من الاقتصاديين الرسميين بالدول العربية حول دعم وتنشيط التعاون التجاري العربي, والالتزام بتطبيق المرحلة الأولى من اتفاقية منظمة التجارة الحرة فإن التقارير الاقتصادية حول التبادل التجاري العربي تؤكد وجود معوقات كثيرة تقف في وجه هذا التبادل , فما زالت التجارة بين الدول تعاني من حالة انكماش شديد ولم تتعد نسبة الـ 10% من اجمالي التجارة العربية مع العالم. وقد أعد مركز الدراسات الاقتصادية بقطاع التجارة الخارجية بوزارة التجارة والتموين المصرية تقريراً يتناول العديد من المشكلات التي يعاني منها التبادل التجاري العربي, فأوضح ان الطرق البرية بالدول العربية غير ممهدة, والشاحنات التي تنقل البضائع, تعود غالبا فارغة إلى دولها, كما ان بعض الدول العربية ما زالت تستخدم طرقا بدائية في شحن البضائع وتفريغها وهو ما يسبب فاقدا كبيرا, ولكن كل ما سبق لا يمنع وجود خطى ايجابية على الطريق يأتي في مقدمتها الاتفاق المصري التونسي بتبادل شحن البضائع, أي ان تقوم تونس بتوصيل البضائع المصرية لافريقيا على أن تقوم مصر بتوصيل بضائع تونس لدول الخليج. تغيرات سياسية ويؤكد التقرير ان التغيرات في العلاقات السياسية تتحكم في سير العمليات الاقتصادية, بدليل توقف التبادل التجاري العربي عند حدود ثابتة أدنى من 10% من قيمة التجارة الخارجية العربية حيث لم يتجاوز 14 مليار دولار من اجمالي الصادرات التي بلغت 143 مليارا أي بنسبة 8.9% تقريبا, في حين بلغت قيمة المدفوعات العربية مقابل واردات سلعية عالمية حوالي 8.511 مليار دولار وقد مثلت الواردات العربية البينية حوالي 11 مليارا من اجمالي الواردات العربية البالغة 125 مليارا دولار بنسبة 8.8%. ويرصد تقرير مركز الدراسات الاقتصادية معوقات النقل والشحن بين الدول العربية والتي تؤثر بدورها على حجم التبادل التجاري العربي, كما يحدد التقرير كيفية علاج تلك المعوقات. ويوضح التقرير ان تحسين مستوى خدمة النقل بين الدول العربية خطوة لابد منها, وهي تحسين مستوى خدمة النقل البري من خلال اكمال الوصلات الترابية على الطرق الممهدة التي تربط بين البلاد العربية, وتوسيع الشبكات الحالية, اضافة إلى توحيد المواصفات الفنية للطرق الرئيسية وتأمين الخدمات الضرورية على الطرق كالاستراحات ومحطات الوقود وورش الاصلاح, ووضع اشارات وعلامات الطرق, وتأمين صيانة دائمة للطرق من جانب عمالة متخصصة وتوفير معلومات حديثة عن قطاع النقل, ورسم الخرائط الدقيقة. خدمات النقل وكذلك الاتفاق على الأسس والمبادئ العامة لسياسة تسعير خدمات النقل بين الدول العربية لضمان تكافؤ المنافسة واستمرارية النشاط والسماح للشاحنات بالعودة محملة مما يزيد من كفاءة التشغيل, ورفع نسبة المسافة المحملة للحد من الرحلات الفارغة والعمل على تسهيل حصول السائقين العرب على تأشيرات الدخول إلى كافة البلاد العربية على أساس المعاملة بالمثل. وطالب التقرير بتطبيق قوانين الأوزان المحورية والاجمالية تدريجيا مما يؤمن حماية الطرق, وتوحيد اجراءات التعاملات الادارية في مراكز الحدود. إن المنافسة غير المتكافئة من دول إلى أخرى ترجع للاختناقات في عناصر تكلفة التشغيل, فتأتي تكلفة مرتفعة في مصر والأردن وسوريا في حين تتسم بانخفاضها في دول الخليج. وأشار إلى عدم ثبات تعريفات النقل التي تخضع عادة إلى أحوال العرض والطلب, وكذلك فرض القيود على انتقال البضائع بدعوى القضاء على التهريب والدواعي الأمنية. يضاف إلى ذلك الاجراءات الأمنية المشددة والتي تجعل بعض الدول العربية تقوم بفرض نظام القافلة والتفتيش المستمر بافراغ الحمولات على الحدود وعرضها على الكلاب البوليسية بدعوى القضاء على أي محاولات لتسريب مواد أو سلع ضارة بالأمن والصحة العامة مع اعادة الشحن على شاحنات خاصة بهذه الدول وكثيرا ما يستغرق هذا الاجراء التعسفي وقتا طويلا يعرض المشحونات للتلف ويزيد من التكلفة. ويكشف التقرير ان قطاع النقل البري يعتمد على المزاج السياسي بين الدول العربية بعضها البعض, فالخلافات السياسية تؤثر على العلاقات الاقتصادية حيث تنقطع العلاقات التجارية, ذلك بالرغم من اتفاق الدول العربية على مبدأ تحييد العمل الاقتصادي العربي المشترك عن الخلافات العربية وابعاده عن الخلافات السياسية الطارئة, والسعي لتحقيق أقصى حد من الاستقرار والتطوير للعلاقات الاقتصادية العربية ومن ثم لا تقطع العلاقات العربية أو تقلص إلا بموجب قرار يصدره المجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي. هدم الاتفاقات وأوضح التقرير ان الدول العربية لا تتقيد بالاتفاقيات الثنائية الموقعة بينها فالاعتبارات السياسية تتقدم على الاعتبارات التجارية, وما زال بعض الدول العربية تشكو من عدم تطبيق الاتفاقيات التجارية, وعادة ما تكون الممارسات الواقعة فعلا, بخلاف الاتفاقيات الموقعة, وغالبا ما تفرض ضرائب غير منصوص عليها كالضرائب على البضائع المنقولة برسم الترانزيت. ويركز التقرير على ان شبكة الطرق البرية ما زالت تعاني من نقص في الوصلات واختناقات حول المدن الكبرى ووجود أجزاء ومقاطع دون المستوى الفني, الأمر الذي يعيق حركة الشاحنات ويزيد من وقت الرحلة, يضاف إلى ذلك ضعف صيانة الشبكة مع وجود نقص في الخدمات الضرورية على الطرق كالانارة والاستراحات والفنادق والمطاعم ومحطات الوقود وورش الاصلاح. ويؤكد الخبراء على ضرورة تفعيل الاتفاقيات القائمة في مجال النقل بين الدول العربية والتي تحكمها الاتفاقيات الدولية التي تنظم النقل الدولي على الطرق وكذا اتفاقية تيسير تجارة الترانزيت بين الدول العربية وغيرها من الاتفاقيات.. وانه لابد من اعتماد شهادة منشأ واحدة بين جميع الدول العربية مع العمل على تحسين عمل الأجهزة الجمركية على النقاط الحدودية واعادة تقييم الممارسات الجمركية القائمة ووضع برنامج لاصلاح الاجراءات التي تبين عدم كفاءتها. وطالب التقرير بالاسراع بالغاء الرسوم (غير المقننة) التي تحصلها السلطات في المطارات العربية على الطائرات وذلك على أساس مبدأ المعاملة بالمثل.. والعمل على ضرورة التنسيق في مجالات النقل الجوي والبحري من خلال عقد اتفاقيات مشاركة بين الدول العربية بحيث تغطي احتياجات النقل على الخطوط الملاحية العربية بدلا من الشحن على السفن الأجنبية, وقد نجحت مصر في عقد بعض الاتفاقيات مع دول الشمال الافريقي يتم بموجبها نقل المنتجات المصرية إلى دول غرب افريقيا على متن السفن التونسية إلى دول الخليج. خلل هيكلي وأشار التقرير إلى انه من أبرز معوقات تنمية التجارة البينية العربية الخلل الهيكلي في عرض المنتجات والسلع العربية نظرا لافتقاره إلى المرورنة الكافية لمقابلة الطلب المفاجئ, بالاضافة إلى ان هناك تركيزا من جانب غالبية الدول العربية في انتاج السلع الأساسية والصناعات التحويلية مثل الصناعات البتروكيماوية والأسمدة ويتم هذا دون تنسيق بين الدول, بل انه لا يوجد أدنى حد من التكامل فيما بينها كما يأتي ضعف الاستثمارات العربية المشتركة خاصة في مجالات انتاج السلع المتداولة القابلة للتجارة وتوجهها إلى انتاج غير قابل للتبادل كالسياحة والعقارات والأوراق المالية من أهم عوامل تدني التجارة العربية. وانه عندما تكون هناك علاقات ثنائية طبيعية يزيد حجم التبادل التجاري في حين يتأثر بتدهور العلاقات السياسية, وبعيدا عن هذا كله فإن هناك دور النقل بين الدول العربية والذي يعد أحد العناصر الفعالة في مستويات حركة التجارة البينية. كما أشار التقرير إلى افتقار معظم الموانئ العربية للمعدات والتقنيات العالمية المستخدمة في الشحن والتفريغ مما يعيق من سرعة تداول البضائع في الموانئ مع عدم كفاية الخطوط الملاحية العاملة بين الموانئ العربية كنتيجة لانخفاض حجم التجارة البينية بين الدول العربية, بجانب ارتفاع تكاليف الشحن الجوي بين الدول العربية وفرض بعض الدول العربية اتاوات على الشحنات التي تتم على طائرات خلاف طائراتها. مفاجآت سلبية وفي السياق نفسه صدر تقرير عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي لجامعة الدول العربية يكشف عن الكثير من المشكلات والعقبات التي تواجه المرحلة الأولى من تطبيق التجارة العربية الحرة. وأولى المفاجآت السلبية التي كشف عنها التقرير ان عشر دول فقط هي التي التزمت بشكل عملي بالاعفاء الجمركي بنسبة 10% على السلع المستوردة من البلدان العربية وهذه الدول هي: مصر والأردن والبحرين وتونس والعراق وسلطنة عمان والكويت والمغرب والامارات. ولاحظ التقرير ان الجماهيرية الليبية هي الدولة الوحيدة التي قررت تطبيق الاعفاء الكامل من الرسوم الجمركية على جميع السلع العربية, وكشف التقرير عن المبررات التي تستند إليها الدول التي لم تطبق الاعفاء الجمركي بنسبة 10% (ثماني دول) ومنها: 1 - انه لم يتم الاتفاق على المواد المستثناة من التخفيض حيث يعتبر مثل هذا الاتفاق شرطا مسبقا للشروع في العملية. 2 - لا يوجد لدى بعض الدول حافز لتطبيق اعفاء 10% لان اتفاقيات ثنائية مع دول الجوار التي تتبادل معها تعطيها اعفاءات أكبر في معظم الأحوال من تلك التي تعطيها المرحلة الأولى من منطقة التجارة العربية الحرة, ومن ثم ربما تظل هذه الدول في حالة انتظار إلى أن يصل مدى الاعفاء الجمركي نسبة أعلى من نسبة الاتفاقيات الثنائية. 3 - بعض الدول العربية - أو ربما معظمها - درجت على الاعتقاد بأن التبادل التجاري لابد وأن يكون في اتجاه واحد هو التصدير إلى أعلى حد مقابل أدنى حد من الاستيراد. 4 - لا يزال لوزراء المالية بالدول العربية تأثير كبير ومتنام في التهويل من خطر انخفاض ايرادات الخزينة. 5 - هناك مصالح كثيرة تعارض النظام الجديد لان عقيدة القيود هي المسيطرة في الدول العربية والتعقيدات الروتينية وحسابات سياسية ترى البقاء على الوضع الجمركي السائد حاليا. ويرصد التقرير عدم وجود مرجعية للشكوى من الصعوبات والعراقيل في عملية التجارة العربية البينية.. والظاهرة السلبية اللافتة للأنظار في هذا التقرير ان لدى جميع الدول العربية اشتراطاتها الاضافية للتجارة, وهذا أمر طبيعي ولكن العبرة في أسلوب التنفيذ, فعلى سبيل المثال فإن المملكة السعودية تفرض على السلع الأردنية شروطا تتعلق بضرورة حصولها على المواصفة السعودية (SASO) بينما الحصول على هذه المواصفة يحتاج وقتا طويلا, ورسوما عالية, علما بأن احكام منظمة التجارة العربية الحرة هي ان تتم معاملة سلع الدول الموقعة معاملة السلع الوطنية من حيث قواعد المنشأ والمواصفات الفنية والرسوم والضرائب, وهو أمر يزيد التكلفة.. ثم هناك بطاقة البيان التي يجب أن توضع على كل سلعة بل وعلى أجزاء السلعة, وعلى الصندوق, والا تعاد البضاعة وهو ما يعد عقبة أخرى تواجه تيسير التجارة البينية. وكذلك ترفض الدوائر السعودية أي بيان جمركي بغير اللغة العربية, وهناك شكوى من وقفات الحدود التي تأخذ وقتا طويلا, وكذلك مزاجية المواطنين الذين يمتلكون التسهيل والتصعيب, أما في الأردن فهناك مشكلة تتمثل في تعدد الجهات والمختبرات التي تتأكد من مطابقة البضاعة للمواصفات المطلوبة. وبالنسبة لليبيا فإن السيارات تتأخر على الحدود الليبية لمدد تتراوح بين عشرة أيام و25 يوما من أجل احضار المواصفات من طرابلس علما بأن السائق يحمل في حوزته كل الأوراق الرسمية من فواتير وشهادات منشأ وخلافه. بهذا الرصد يوضح التقرير ان مدى صعوبة ايجاد تبادل تجاري عربي سليم هو أمر يتطلب مزيدا من الجهد.. ومزيدا من المرونة السياسية. القاهرة - مكتب (البيان) - أيمن عبدالرسول

Email