هل يفرض نظام مالي ثلاثي هيمنته على العالم؟معدلات صرف الدولار واليورو والين تؤكد غياب الحد الأدنى من التنسيق العالمي

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعتبر البدء بتداول اليورو في الاول من يناير 1999 قفزة نوعية لنظام صرف العملات العالمي خاصة وان هناك فرصة كبيرة امام اليورو ليصبح وحده نقد عالية, ويوجد بالتالي نظام مالي ثلاثي يقوم على الدولار الامريكي والين الياباني واليورو , واذا اخذنا بعين الاعتبار هذا التطور الجديد والفوضى النقدية المحتدمة التي شهدها العالم مؤّخرا فإننا نلاحظ انه كثر الحديث في الاونة الاخيرة حول ضروة ايجاد صيغة تضمن التوزان والاستقرار في معدلات الصرف بين العملات الاساسية في العالم ولتحقيق مثل هذا الهدف تقدم الاكاديميون في مجالات الاقتصاد والسياسة بالاضافة الى صانعي القرار, بافكار ومقترحات تتراوح بين الدعوة الى تعاون يكتنفه الغموض لتحديد السياسة العامة لمعدلات الصرف والمناطق المستهدفة على وجه الخصوص لوضع هذه الاقتراحات في حيز التنفيذ العلمي, تعتمد الى حد كبير على معدلات صرف محددة. واوضحت نشرة ترندس في عددها الصادر مؤخرا ضرورة اجراء المزيد من التحليل لهذه الاقتراحات وادراك ان هناك حقيقة اساسية فيما يتعلق بانتهاج سياسة مقبولة لمعدلات الصرف العالمية وهي ان معدلات الصرف الثابتة لاتتوافق مع حرية انتقال رؤوس الاموال من ناحية, ولا ينسجم مع السياسة المالية الذاتية للدول المعنية بهذا الموضوع. فمن يريدون معدلات صرف ثابتة وسياسة نقدية مستقلة لابد وان يفرضوا قيودا صارمة على حركة رؤوس الاموال اما من يريدون معدلات صرف ثابتة وحرية انتقال رؤوس الاموال فانهم لايستطيعون الابقاء على سياسة نقدية تنبع من منطلق السلطة الذاتية, ولكن اولئك الذين يرغبون بالتخلص من هذين القيدين لابد لهم من قبول معدلات صرف مرنة وهذا يمثل في حقيقة الامر المثلث السحري الذي تقوم عليه سياسة معدلات الصرف العالمية. ان تطبيق القيود الصارمة على حركة رأس المال بين المناطق الاقتصادية الثلاث الرئيسة في العالم ليس امرا مقبولا من الناحية الاقتصادية ولايمكن تطبيقه بكفاءة لذلك يمكن القول ان الدعوة الى معدلات صرف عالية مستقرة تقوم اساسا على تقليص السلطة الذاتية النقدية في المناطق النقدية المشاركة الامر الذي يؤكد على ضروة المقارنة بين منافع معدلات الصرف المستقرة من ناحية ومساوىء تقليص السلطة الذاتية النقدية من الناحية الاخرى. ان حسنات ومنافع معدلات صرف اكثر استقرارا في (منطقة اليورو) تعتبر اقل بكثير من المنافع التي كانت تحصل عليها الدول الاعضاء قبل ان تنضم الى الاتحاد النقدي الاوروبي, ويعود السبب في ذلك الى ان الاتحاد النقدي الاوروبي سيحول العديد من الاقتصاديات المنفتحة والصغيرة والمتوسطة الى اقتصادات كبيرة, ولكنها منغلقة نسبيا, فاذا اخذنا المانيا على سبيل المثال فان معدل الانفتاح والذي يعرف بنصف قيمة الصادرات والواردات كنسبة من الاجمالي الناتج المحلي. يقدر الان بحوالي 24% بينما نرى ان معدلات الانفتاح في الدول الاصغر حجما في الاتحاد الاوروبي, مثل هولندا وبلجيكا (ليصل الى 53% و 73%) على التوالي. وبالمقارنة بذلك فان معدل الانفتاح في منطقة اليورو لن يزيد عن 12% وهو تقريبا المعدل نفسه الموجود حاليا في الولايات المتحدة واليابان وفي ظل وحدة النقد الاوروبية فان التجارة الخارجية لعدد كبير من الدول الاعضاء ستصبح تجارة محلية وبالتالي فان الاقتصادات المشاركة ستصبح اقل اعتمادا على معدلات الصرف مما يجعلها اقل تأثرا بالتقلبات الحادة التي تطرأ على معدلات الصرف, وما تفرزه من سلبيات على معدلات النمو وايجاد فرص عمل. غياب التنسيق الا انه لابد من الاشارة الى ان معدلات الصرف الثابتة تفقد مبررها المنطقي في غياب الترابط المتين بين الدورات الاقتصادية في الدول المعنية ولكن النمو في المناطق الاقتصادية الرئيسية في العالم لم يحدث في اوقات متزامنة خلال التسعينات فقد كان الترابط واضحا بين الدول الاوروبية اكثر من الترابط بين منطقة اليورو والولايات المتحدة ولكن عندما تشهد التوجهات الاقتصادية اختلافا كبيرا, يصبح من واجب الولايات المتحدة واليابان والاتحاد الاوروبي تبني سياسية مالية تركز على القيمة المحلية للنقد اكثر من قيمته في الاسواق الخارجية. ان المسار الفعلي لمعدلات الصرف بين مناطق النقد الاساسية الثلاث يؤكد غياب التنسيق فيما بينها فالعلاقة الثنائية لمعدلات الصرف بين المارك الالماني والين والدولار تقلبت كثيرا في السنوات القليلة الماضية الامر الذي جعل تحديد منطقة مستهدفة لمعدلات معينة للصرف او التوصل الى معدلات صرف ثابتة شيئا اشبه بالمستحيل. فما حدث في اليابان على سبيل المثال يبين الى اي حد تتأثر معدلات الصرف الاسمية بالمشكلات الاقتصادية والهيكلية التي تطرأ على القطر فالازمة المصرفية والركود الاقتصادي في اليابان اديا الى خفض قيمة الين مقابل الدولار والعملات الاوروبية الاخرى خلال السنوات القليلة الماضية, من اجل المحافظة على معدل صرف في منطقة من المناطق الثلاث, كان من الممكن ان تتدخل المصارف المركزية الاوروبية والمؤسسات المالية الرسمية الامريكية لدعم الين, الا ان انحدار الين يعتبر من حيث المبدأ, طريقة منطقية للتعامل مع الظروف الخاصة في اليابان لذلك فان سياسة التدخل الامريكية لصالح الين والتي بدأت عام 1995 لن تكون مناسبة وخصوصا اذا اخذنا التوجه الاقتصادي العام بعين الاعتبار كما انه في هذه المرحلة بالذات هناك خطر قائم بان تتعرض العملات الى ضغوط المضاربات المالية من ناحية, وان تأخذ السياسة المالية منحى خاطئا قد تنتهي بكارثة حتمية من ناحية اخرى. بالاضافة الى ماتقدم, هناك عدد من المشكلات المحددة التي تنشأ نتيجة لاتباع سياسة معدلات صرف ثابتة بين اليورو والدولار والين فالسؤال الصعب حول معدل الصرف الصحيح بين عملتين لايزال يبحث عن اجابة صحية خاصة وان اليورو لايزال في مراحله التجريبية فدخول اليورو الى سوق المال العالمية يحمل في طياته (شرخا هيكليا) قد يؤدي الى تغيرات لاحدود لها في تصرفات رجال المال والاعمال فاليورو على سبيل المثال قد يصبح عملة تحتل مكانا مرموقا في الاستثمارات العالمية والاحتياجات النقدية وسيصاحب هذا التطور تحولات في المحافظ الاستثمارية وخصوصا من الدولار الى العملة الجديدة الامر الذي سيدعم موقعها في سوق المال العالمية, وتحقق مكاسب جديدة على حساب الدولار ومن المتعذر الآن التنبؤ بموعد حدوث هذا التحول وحجمه, ولذلك فإنه سيكون من الصعب في السنوات القليلة الأولى اقامة نوع من التوازن في معدلات الصرف بين اليورو من ناحية والدولار والين من الناحية الاخرى. يقدر حجم معدلات الصرف والتمويل في السوق الخارجية العالمية بحوالي 5.1 تريليون دولار أمريكي في اليوم الواحد ان هذا المبلغ يساوي اضعاف المبالغ التي كان يتم تداولها في الاسواق, عندما وضعت بريتون وودز نظام معدلات الصرف الثابتة قيد العمل, اضف الى ذلك ان الاحتياطيات النقدية للمصارف والتي تستخدم عادة للتدخل لايجاد حالة من التوازن في معدلات الصرف, تعتبر ضئيلة جدا مقارنة بهذه المبالغ, وقد أظهرت تجارب السنوات القليلة الماضية ان معدلات الصرف المتفق عليها لا يمكن المحافظة عليها بواسطة التدخل المباشر أو حتى بواسطة الاجراءات المتعلقة بسعر الفائدة, ولذلك وفي ضوء المشكلات آنفة الذكر, فإن المناطق النقدية الثلاث الرئيسية ليست مرشحة للتوصل الى ترتيبات فيما بينها, ولكن اذا ما اهتزت مصداقية معدلات الصرف, فإن معدلات الصرف الثابتة ستصبح بمثابة دعوة مفتوحة للمضاربة كما حدث في الأزمة التي تعرض لها نظام معدلات الصرف في 92/1993. مرساة السفينة النقدية تحتاج أنظمة معدلات الصرف الثابتة الى عملية أساسية تقوم بدور المرساة في السفينة, والمعروف انه في نظام بريتون وودز يقوم الدولار بهذه المهمة, بينما يتولى المارك الألماني, ولو بصورة غير رسمية, القيام بهذا الدور, ولكنه تحول الآن الى اليورو. ولكن أي العملات ستقوم بدور (المرساة) في (بريتون وودز الثانية) ؟ من الواضح ان الين لا يقدر على لعب هذا الدور لأن المنطقة الاقتصادية التي يمثلها صغيرة جدا. أما الولايات المتحدة ومنطقة اليورو فيمثلان منطقتين متساويتين في معظم النواحي, وبالتالي فإنه لا توجد الآن (العملة المرساة) (الطبيعية) . ان من شأن هذا التوازن ان يزيد من صعوبة ان تخضع احدى هذه المناطق الى السياسة النقدية ومعدلات الصرف المعتمدة في المنطقة الاخرى. ويبدو من الصعوبة بمكان ان نتخيل ان تقوم الولايات المتحدة بربط الدولار باليورو. ان المعيار نفسه ينطبق على الاوروبيين, لأنهم ليسوا على استعداد لربط اليورو بالدولار والتخلي عن سيادتهم النقدية التي حققوها من خلال اصدار العملة الموحدة. وهناك دواع نقدية تستلزم (تجميد اجراءات التدخل) التي تهدف الى دعم معدل صرف ثابت في منطقة من المناطق. ولكن عملية التجميد في حقيقة الأمر, تبقى محفوفة بالعديد من المخاطر, وتؤدي الى نشوء مشكلات مستعصية, فمن الوهم الاعتقاد بأن بامكان أحد البنوك المركزية القيام بذلك بشكل فوري من دون التأثير على معدلات الفائدة. ان من شأن هذا ألا يؤثر على كفاءة السياسة النقدية وحسب, ولكن على مجمل الاقتصاد ايضا. الاستراتيجية الأكثر ملاءمة ولذلك حرص المجلس الاوروبي في لوكسمبورج على التأكيد في ديسمبر 1997 على ان الخطوط العريضة لسياسة معدلات الصرف لا يمكن اعتمادها الا (في ظروف استثنائية مثل حدوث تلاعب واضح في معدلات الصرف) . قد يبدو ان السياسة النقدية هذه ستفرض الكثير من القيود تمليها المصالح السياسية وصناع القرار في الدوائر السياسية العليا. لهذه الاسباب مجتمعة يمكن القول ان المحافظة على معدلات صرف مقبولة بين اليورو والعملات الاخرى في المناطق الاقتصادية المعنية لا تبدو (مناسبة) للمساعدة في استقرار معدلات الصرف على المدى البعيد, ولذلك فإن الاستراتيجية الاكثر ملاءمة لاقامة توازن نسبي في معدلات الصرف بين اليورو والدولار والين ومنع تقلبات لا ضرورة لها, لاتزال هي انتهاج سياسة نقدية ومالية واقتصادية سليمة تستهدف تحقيق الاستقرار في مناطق العملات الرئيسية الثلاث في العالم. ان من شأن هذا ان يؤدي الى استقرار الاسواق وخفض التقلبات في معدلات الصرف, ولكن اذا كانت سياسات هذه المناطق تفتقر الى المنهجية ولم تأخذ ضرورة التوصل الى استقرار لأسواق بعين الاعتبار فإنه لن يكون بامكان هذه المناطق تقديم ما يكفي من دعم لمنع حدوث تقلبات حادة في الاسواق. ولتجنب ارتكاب أخطاء فادحة, لا يبدو انه من الضروري ايجاد نظام رسمي جديد, مثل (بريتون وودز 2) بمعدلات صرف أساسية للعملات المشاركة, أو حتى الزام المصارف بالتدخل, عند الحاجة للمحافظة على معدل صرف ثابت نسبيا, كما أثبتت التجارب السابقة, فإن هذا سيكون بمثابة دعوة للاسواق لاختبار معدلات الصرف الثابتة, وبدلا من وضع حد للمضاربات في أسواق المال, فإنه سيعمل على تأجيجها والتشجيع عليها. أضف الى ذلك ان التدخل الكبير للمصارف المركزية سيفرض ضغوطا حادة على السياسة النقدية, وسيكون الثمن الذي ستدفعه اوروبا والولايات المتحدة واليابان باهظا للغاية. ليس المقصود القول في هذا المقام ان التعاون في مجال معدلات الصرف وابقائها تحت السيطرة لن يكون مجديا, ولكن ايجاد نوع من التعاون الخاص في اطار الدول الصناعية السبع الكبرى قد يكون كافيا لتوجيه رسالة واضحة الى الاسواق بأن التدخل سيبقى قائما اذا ما دعت الحاجة. والجدير بالذكر ان اتفاقيات (بلازا) و(اللوفر) التي حددت معدلات صرف الدولار في الثمانينات تعتبر أمثلة على تعاون ناجح لتحديد معدلات الصرف في مثل هذا الاطار العام. والأهم من ذلك التعاون المباشر بين جميع الاطراف المعنية وخصوصا ان طرح اليورو سيجعل الاوروبيين يتحملون مسؤولية اقتصادية لم يعتادوا عليها حتى الآن, فاذا أصبح اليورو عملة مهمة, مثل الدولار, فإنه سيتوجب على الاوروبيين القيام بتحمل مسؤولياتهم لضمان استقرار النظام الاقتصادي والنقدي في العالم. ان الحاجة تزداد باضطراد لايجاد نوع من التعاون والتنسيق في جميع المجالات الاقتصادية والنقدية بين جميع الاطراف الرئيسية المشاركة. وفي حال نجاح مثل هذه الصيغة من التعاون, فإن معدلات الصرف الثابتة ستصبح أمرا لا ضرورة له, ولكن اذا لم تنجح هذه الصيغة, فإن معدلات الصرف الثابتة ستوجد مشكلات أكثر بكثير من معدلات الصرف التي تتسم بالمرونة. (أ): 1ــ القيمة الخارجية للمارك الالماني مقابل الدولار والين 2ــ المارك الالماني مقابل الين 3ــ المارك الألماني مقابل الدولار 4ــ المصدر: داتا ستريم (ب): 1ــ القيمة الخارجية للدولار مقابل الين 2ــ الين مقابل الدولار 3ــ المصدر: داتا ستريم اعداد: سليمان عوض

Email