اتجاهات: البحث العلمي بدول المجلس:بقلم- حسين محمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

إن واقع البحث العلمي الذي تعيشه دول مجلس التعاون بحاجة ماسة جدا إلى مراجعة شاملة لمنظومة العلوم التقنية والمدخلات والمخرجات والعمليات والمؤسسات والبيئة المحيطة في هذه الدول. ولا شك ان هذه المراجعة يجب أن تركز على تحقيق عدة أمور هي : توضيح المستوى الذي وصلت إليه هذه المنظومة من ناحية البناء والقدرات وطبيعة المدخلات والمخرجات, كذلك توضيح الدور الفعال الذي تساهم به مكونات هذه المنظومة في تقدم وتطور المجتمع وجهود التطوير المطلوب تحقيقها كي تتمكن هذه المنظومة من تحقيق الأهداف المستقبلية. وكما يقول الدكتور فؤاد الرميحي فإن العلم والنشاط العلمي بطبيعته عالمي النزعة, وباتت المعرفة تمثل جزءا مهما من الحضارة الانسانية عامة. ولكن مع تغير دور العلوم كعامل رئيسي في سباق السيادة العسكرية والاقتصادية, تزايدت درجة السرية والخصوصية كما هو واضح بنسب كبيرة فيما يستجد من المعلومات العلمية. وفي الوقت الحاضر, أصبح ينظر إلى الانجازات العلمية كمصدر للقوة والسلطة وبسط للنفوذ والسيادة, وعلى اثر ذلك غدا كثير من الحقول التقنية, ولاعتبارات عسكرية وتجارية, ممتلكات ومقتنيات استئتارية للمنتجين. كما انه لا يوجد في عالمنا اليوم ما يسمى بالمشاركة (التلقائية) في المعلومات العلمية والتقنية بشكل خاص. وهناك في وقتنا الحاضر ابتعاد عن اعتبار المعارف (بضاعة مجانية) , واتجاه نحو مفهوم (الملكية الفكرية) التي تخضع للامتلاك والمتاجرة والتوزيع بصور غير متساوية. ولكن مع هذا كله فإن مقدارا ـ وان كان يسيرا ــ من المعلومات العلمية والتقنية لا يزال متوافرا دون مقابل وجاهزا للمشاركة, هذا ان توافرت للدولة الرغبة والقدرة الكافية على الحصول على مثل هذه المعلومات من خلال التعاون العلمي. وفيما يخص آفاق التعاون العلمي والتقني بين دول المجلس, فإن هناك أمرا يؤكده العديد من الباحثين, وهو ان معيار القوة خلال السنوات المقبلة هو ما تمتلكه الأمم من انجازات تقنية تستطيع من خلالها مواجهة التحديات الداخلية والخارجية, ومن الطبيعي ان القوة التقنية لن تحقق بالأمنيات. فهذه الانجازات مصدرها العقل البشري صاحب التخيلات الواسعة والقادر على نقلها إلى عالم الواقع والتطبيق. فالتقنية تؤثر بشكل عميق في سيادة الحكومات والاقتصاد العالمي والاستراتيجيات العسكرية. ويواجه العالم اليوم موجة (عارمة) من التطورات التقنية التي تشكل بدورها تحديا كبيرا جدا بالنسبة إلى الدول (النامية) . والسؤال: كيف تستطيع الدول حديثة العهد بالتصنيع أن تتبع خطى الدول الصناعية, ناهيك عن اللحاق بها؟ هذا إذا علمنا ان ميزانية البحث والتطوير لشركة واحدة مثل جنرال موتورز أو اي. بي. ام تفوق كثيرا ميزانية كوريا الجنوبية أو الصين أو الهند في هذا المجال, علما بأن دول منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي تنفق سنويا 400 مليار دولار, مقابل 15 مليار دولار تنفقها أكبر 15 دولة من الدول النامية. هذه المعضلة تؤكد ضرورة التعاون في مجال البحوث التقنية, واقامة المشروعات المشتركة داخل دول الجنوب.

Email