اتجاهات: العولمة ودور الدولة:بقلم- حسين محمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

ان جميع الاصلاحات التي تطالب المؤسسات الدولية البلدان العربية ودول العالم الثالث بتطبيقها فيما يخص تقليص دور الدولة لا يمكن نظريا معارضتها بافتراض ان اقتصاديات هذه البلدان والدول قد قطعت مراحل متقدمة من التطور الاقتصادي, ولكن ـ وكما هو معروف فإن هذه الدول تعاني مجتمعاتها واقتصادياتها من الكثير من التشوهات مما يجعل تطبيق تلك الاصلاحات يؤدي الى آثار سلبية وليس ايجابية وهذا ما اتضح من تجارب التحول نحو اقتصاديات السوق بسرعة قياسية في العديد من دول شرق آسيا, وبالعكس فإن الدرس الاول الذي تعلمناه من تجارب الدول الاسيوية ان تجاربها التنموية قد نجحت استنادا الى سياسات مزجت بين تدخل الدولة واقتصاديات السوق, بل ان الدولة لعبت دورا مركزيا في ادارة وتنفيذ برامج التنمية. واذا ما اخذنا بالاعتبار عامل تاريخي هام هو واقع وتطور القطاع الخاص في العديد من البلدان العربية بما فيها الدول الخليجية, فإن الحديث المطلوب عن اطلاق قوى السوق في المجتمع يصبح اكثر صعوبة ومثالية, ان القطاع الخاص في العديد من هذه البلدان قد اتسم دوره بالضعف سواء من جراء تبني توجهات التخطيط المركزي في بعض البلدان العربية او من جراء سيطرة الدولة على الموارد الرئيسية كما هو الحال في الدول الخليجية, كما تركز دور القطاع الخاص ايضا في الانشطة الانتاجية غير الرئيسية, ان هذا الواقع يتطلب وجود مرحلة انتقالية اطول للتحول الى اقتصاديات السوق يجب ان تلعب الدولة خلالها دورا تنظيميا واشرافيا رئيسيا. نضيف على ذلك ان تجارب العديد من دول المعسكر الاشتراكي السابق بعد اطلاق قوى السوق قد جاءت محبطة لشعوبها, وهي تقدم دليلا آخر على ان تبني نهج الاقتصاديات الحرة بصورة عشوائية وحرفية دون الاخذ بالاعتبار وجود دور محوري للدولة ينفذ وينظم هذا النهج ويبرمجه وفقا للحالة الخاصة لكل بلد سوف يؤدي الى نتائج وخيمة, بينما تقدم الصين نموذجا ناجحا للجهود المبذولة للتحول الى اقتصاديات السوق مع استمرار وجود دور محوري للدولة في ادارة الاقتصاد. لقد جعلت برامج الاصلاح الاقتصادي دور الدولة في النشاط الاقتصادي هدفا رئيسيا لهجومها, وقد رفعت هذه البرامج شعار هو تقليص هذا الدور الى ادنى حد ممكن سواء من خلال تجنيب دخول الدولة في المشروعات الاقتصادية الجديدة وفي تسيير عملية الاقتصاد او من خلال برامج التخصيص, ونفاجأ بعد هذه السنوات الطويلة من تبني هذا الشعار ان الكثير من الكتاب الاقتصاديين يرجعون اسباب فشل برامج الاصلاح الاقتصادي والمالي في عدد من الدول النامية الى الغياب الكامل لدور الدولة الاشرافي والرقابي والتوجيهي على هذه البرامج, ومن ثم فإنهم يطالبون بدور متوازن للدولة يتماشى مع سياسات التحرير والتكييف الاقتصادي, ومن هنا فإن المطالبة تتركز على تفعيل دور الدولة وليس تعظيمه. وهناك فارق جوهري بين تعظيم دور الدولة وتفعيل هذا الدور, اي ان المطالبة بأن تلعب الدولة اكبر دور ممكن, وانما ان تلعب الدولة اكثر الادوار فاعلية, وهذا يعني في الواقع بدءا من النقطة الحالية اعادة هيكلة دور الدولة بتقليص تدخل الدولة في مجالات لانه معوق وزيادة دور الدولة في مجالات اخرى لانه غائب بل وخلق دور للدولة في مجالات يغيب عنها دور الدولة تماما هذه الايام. وباختصار فإن المطلوب هو اعادة هيكلة دور الدولة في النشاط الاقتصادي كي يكون اكثر فاعلية وقدرة على الحفاظ على المصالح الوطنية لدى تعامله مع التطورات المستجدة التي تفرضها تحديات العولمة وتياراتها وافكارها المتلاطمة وسط عالم هائج بالمتغيرات والتحولات.

Email