هولندا وفرص واسعة للاستثمار الخليجي: اعفاءات ضريبية خمسة أعوام للمشروعات الجديدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

توجد في بعض الدول الأوروبية فرص استثمار واسعة للعرب خاصة رؤوس الأموال الخليجية والتي لها سيولة متميزة واتجاهات خاصة بالاستثمار , وفي مقدمة تلك الدول هولندا التي تمنح تيسيرات وتسهيلات واسعة لرؤوس الأموال الأجنبية فيها وامتيازات للمستثمرين تجعل منها مجالا خصبا لتشغيل الأموال دون مغامرات حقيقية في الخسارة, المهم هو معرفة قوانين الاستثمار في هولندا وتحديد المداخل والأبواب لضمان الحصول على هذه التيسيرات والامتيازات المتاحة. وقد التقت (البيان) البروفيسور فيتتير خبير الاستثمارات والتمويل والعلوم الاقتصادية للتعرف على الامكانات المتاحة للاستثمار في هولندا وجدوى هذه الفرص. ما هو المدى الذي تتيحه القوانين الاقتصادية في هولندا للاستثمار الأجنبي؟ ــ في البداية أشير الى مستوى التقدم الاقتصادي بهولندا, وهو الأمر الذي تعول عليه رؤوس الأموال الأجنبية مدى توجهها لبلد بعينه دون الآخر, ففي الفترة من 94 وحتى 96 أصبح النمو الاقتصادي الهولندي يتفوق على متوسط معدلات النمو الأوروبية كاملة (بلغ معدل النمو الهولندي 2.7% سنويا, في حين ان معدل النمو الأوروبي 2.3% سنويا), وهولندا تحتفظ حتى الآن بهذا التفوق في نسبة النمو الاقتصادي بها, وهو الأمر الذي يبعث على الطمأنينة في نفوس المستثمرين بالدرجة الأولى لتلاشي الخسائر التي يسببها الركود الاقتصادي أو التراجع في النمو, وهولندا لها تاريخ قديم في سياسة الاقتصاد المفتوح والتجارة الحرة, وهو الأمر الذي يتيح الفرص لرؤوس الأموال ان تعمل في كافة المجالات دون قيود حكومية, سواء قطاعات التجارة أو الصناعة أو البناء المختلفة, وعلى عكس كثير من الدول فإن قوانين التجارة الهولندية لا تميز سواء بالسلب أو الايجاب مصدر أو جنسية رأس المال أو صاحبه, فحق تأسيس الشركات وفقا للقوانين الهولندية مكفول للجميع دون تفرقة, كما ان الاجراءات الخاصة بها ميسرة لا تعرف التعقيدات والشروط الصعبة وقليلة التكلفة, حيث لا تستغرق عملية تأسيس شركة أكثر من دقائق في أي من الغرف التجارية الموجودة في كل المدن الهولندية, لذلك فإن فرص الاستثمارات متاحة للأموال الأجنبية والوطنية على حد سواء, اضافة الى ان معظم حكومات الأقاليم الهولندية تمنح المستثمر الذي يريد اقامة مشروع صناعي مساحة الأراضي المطلوبة بأسعار مخفضة, تشمل كافة المرافق الحيوية من طاقة وخلافه, وتمنح القوانين الهولندية مدة اعفاء ضريبي للمشروعات الاستثمارية الأجنبية فترة تصل من ثلاث سنوات الى خمس حسب أهمية المشروع ونوعيته اذا كان المشروع الاستثماري يوفر بعض فرص العمل للهولنديين (كما هو الحال في المشروعات المشتركة مثلا) والمشروع يخدم المجتمع الهولندي بشكل جاد ويمس اقتصاده ويساهم في دفعه للأمام فإن القوانين الهولندية تمنح الحد الأقصى للاعفاء الضريبي حتى يقف المشروع على قدميه ويبدأ في در أرباح جيدة يمكن معها تطبيق النظام الضريبي, الذي هو بالمقارنة مع دول أخرى نظام ضريبي معتدل لا مبالغة فيه. ويجب التأكيد هنا على ان مرونة القوانين الاستثمارية بهولندا لم تأت من فراغ, بل تدفعها حاجة هولندية ملحة للزيادة من هذه المرونة وتشجيع المستثمرين على الاقبال لهولندا, فقد شهدت الفترة من 80 حتى 83 تراجعا كبيرا في الاستثمارات والتمويلات للمشروعات الاقتصادية, وخلال هذه الفترة تزايدت البطالة سنويا بمعدل 100 ألف فرصة عمل, الأمر الذي كانت من نتيجته زيادة الانفاقات الحكومية في شكل تعويضات اجتماعية أو بدلات بطالة تدفعها الحكومة, وزاد حجم الانفاقات العامة من نسبة 42% من اجمالي الدخل القومي, الى نسبة 61% (في الوقت الذي كان فيه متوسط النسبة لدول الاتحاد الاوروبي لا تتعدى 50%) وبسبب الحاجة لتمويل هذه الانفاقات زادت الديون الحكومية من 41% عام 1970 الى 55% عام 1983, كما زاد العجز الحكومي من 1% الى 6% من اجمالي الدخل القومي, ذلك اضافة الى ان فترة السبعينات شهدت أيضا زيادة في حجم الانفاقات الخاصة بتكاليف الانتاج وأهمها (تكاليف العمالة), وأيضا تحملت الحكومة في هذه الفترة انفاقات اضافية, تمثلت في ضبط معدلات الأسعار للسلع الأساسية لمنع حدوث خلل بين القوة الشرائية ومتوسط دخل الفرد, ونتيجة لكل ما سبق ذكره أطلق على الاقتصاد الهولندي (الاقتصاد المريض), ولقد أدى هذا الأمر لتضافر جهود مشرعي القوانين الاقتصادية مع النقابات العمالية ومؤسسات أصحاب العمل, وسادت اليقظة لانقاذ المريض, وإحداث تغييرات جذرية, وإعادة النظر في سياسة الاقتصاد الهولندي, ومن هنا جاءت مرونة القوانين الاستثمارية التي تعد بالدرجة الأولى مكسبا لهولندا قبل ان تكون مكسبا للمستثمر, فقد ساهمت الاستثمارات في انقاذ الاقتصاد الهولندي منذ عام 83 وحتى الآن, لذلك للمستثمر الأجنبي ان يطمئن انه سيحصل على كل التيسيرات التي قد لا تتوافر في بلد آخر. ما نوعية فرص الاستثمارات الآمنة في هولندا بالنسبة للمستثمر الأجنبي؟ ــ ليس بجديد القول انه لا توجد أي انواع استثمارات في العالم تخلو من عناصر المخاطرة, لكن دعني أقول لك ان عناصر المخاطرة من الممكن تقليلها الى الحد الأدنى فيما لو توافرت أهم شروط الاستثمار وهي الدراسة الجيدة للسوق بصفة عامة واحتياجاته بصفة خاصة, ونحن في هولندا خاصة في هذا المجال وفقا لمنهج التفكير وأساليب العمل لدينا نعمل بطريقة التدرج من الخشن للناعم, بمعنى اننا نبدأ بدراسة أي مشروع تجاري أو صناعي من كل جوانبه وبكافة التفاصيل الصغيرة, ونعطي لأنفسنا الوقت الكافي لدراسة الجدوى الاقتصادية قبل التنفيذ, ونعتمد بالدرجة الأولى على الخبرات المتخصصة في كل مجال قبل اتخاذ القرار, ومن وجهة نظري أرى ان المستثمر الأجنبي الذي لا يقيم في هولندا بصفة دائمة له خصوصية يجب النظر اليها بعين الاعتبار جيدا, وهي انه لا يستثمر في بلده الأصلي, وانه من الممكن ان يأتي الوقت لأسباب اجتماعية مثلا ان يفضل الاستقرار في وطنه, فيضطر لتصفية أعماله, وربما يتسبب عنصر الوقت في تحمله خسائر مالية قد تكون على حساب ما حققه من أرباح, لذلك أرى ان واحدة من أفضل المشروعات للمستثمر غير الهولندي الأصل والذي لا يقيم في هولندا بصفة دائمة, هي المشروعات المشتركة بشتى أنواعها, فوجود شريك هولندي يتحمل نصيبا في رأس المال يشكل نوعا من عنصر الأمان, كما ان الهولندي الشريك ستكون لديه الخبرة بسيكولوجية المجتمع الهولندي وعلى دراية بلغته الاقتصادية ومتطلباته أو احتياجاته, وهذه عوامل تساهم في انجاح المشروع بل تعد خبرة هي جزء حقيقي من رأس المال المطلوب لتسيير أي مشروع استثماري على طريق النجاح, ومن المفيد أيضا ان يكون هناك توازن من حيث توزيع وارتباط المصالح بين كافة الأطراف, ضمانا لاستمرارية المشروع وتحقيق الأرباح. ويجب التأكيد هنا انه من المتغيرات التي شهدتها ساحة السياسة الهولندية مؤخرا التحول من سياسة الاستهلاك الى سياسة الاستثمارات سواء الحكومية أو الخاصة, فقد شهدت الثمانينات مرحلة زمنية أقلعت فيها الحكومة عن الاستثمارات المباشرة, أما حكومة رئيس الوزراء فيم كوك (94 ــ وحتى الآن) فإنها تتوجه في قوانينها الآن للاستثمارات المباشرة خاصة في مجالات انشاء الطرق, شبكات المواصلات والاتصالات, ويعود ذلك للموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي تحتله هولندا, وتؤكد خطة الحكومة الاقتصادية ان القرن المقبل يجب ان تكون فيه هولندا (Gateway to Europe) وأهم المشروعات المستقبلية التي ستشهد تحسينات كبيرة وستساهم بصورة كبيرة في تيسير عمليات الاستثمارات بجانب امكانية اشتراك رؤوس أموال أجنبية في هذه المشروعات منذ الآن وتتمثل في: مشروع توسيع مطار سخيبهول بالعاصمة امستردام, الميناء البحري في مدينة روتردام, توسيع المطارات الجوية الداخلية في كل من مدن: روتردام, آيدنهوفن, ماستريخت, وكذلك انشاء مطارات أخرى تسهل عمليات الطيران للعواصم الأوروبية بمرونة أكثر. تجديد شبكات السكك الحديدية واضافة خطوط أوروبية سريعة بين هولندا وبلجيكا وفرنسا وألمانيا. وتوجد الآن لجنة تضم خبراء في المجالات الاقتصادية والسياسية والاستثمارية والفنية, أطلق على هذه اللجنة اسم (اللجنة القومية للوجوستيك) مهمتها بحث ووضع خطة لتحقيق الطموح الهولندي (Gateway to Europe) ليصبح بداية حقيقية في القرن المقبل, ومدى امكانية اشتراك رؤوس الاموال الاجنبية في هذه المشروعات العملاقة. أما عن نوعية المجالات بالتحديد فيوجد في هولندا فرص كثيرة ومتنوعة, فالاستثمارات في الطاقة خاصة الغاز, لها جاذبية لرؤوس الاموال الخليجية لباعها الطويل في مشروعات الطاقة واستثماراتها, كذلك الاستثمارات السياحية خاصة في مجال الفندقة لاتزال مطلوبة ونجاحاتها مأمونة وتشمل مشروعات المطاعم والفنادق, وهناك الاستثمار في مجال العقار سواء المباني السكنية أو الادارية تجلب أرباحا عالية, لكن تبقى العملية من وجهة نظري مرتبطة بالدرجة الأولى باحتياجات السوق الاستهلاكية الهولندية ورغبة صاحب رأس المال في نوعية المشروعات التي يريد الاستثمار فيها, وطبعا لا ننسى مدى خبرة المستثمر وحسه بنوعية السوق, اضافة لأمر غاية في الأهمية وهو ان المستثمر الاجنبي لابد ان يعتمد في البداية على مستشار له خبرة بقوانين تنظيم التجارة والصناعة وعادات وتقاليد المجتمع الهولندي, حيث ان المعرفة أساسية ومطلوبة في المجالات التي ترتبط بالمال, حتى يأمن صاحب رأس المال على أمواله ويقلل عناصر المخاطر قدر المستطاع, وبالطبع يختلف الأمر بين نوعيات الاستثمارات في العمل التجاري بالسوق الاستهلاكية الداخلية, أو مشروعات التصدير والاستيراد. لو ركزنا على مشروعات التصدير والاستيراد.. كيف يمكن للمستثمر الخليجي دخول هذا المجال دون مخاطر كبيرة؟ ــ في مجال التصدير والاستيراد جرت العادة ان يبحث المستثمر عن سلعة موجودة في هولندا وهو يعرف بأن المستهلك في منطقة الخليج العربي يحتاجها, فالطريق التقليدي والذي يتبع حتى الآن في معظم الاحوال هو استيراد السلعة واضافة هامش ربح ويتم بيعها في السوق الداخلية, لكن في الواقع يوجد طريق آخر, في حالة ما اذا كان المستثمر واثق من احتياج السوق في بلده لهذه السلعة, فيمكنه تأسيس شركة هولندية في هولندا تقوم بتصنيع هذا المنتج لحسابه الخاص وليس بالضرورة ان يقوم بانشاء مصنع ويتحمل أعباء استثمارات اضافية, إذ توجد في هولندا مصانع كثيرة تقوم بتصنيع المنتجات لحساب الآخرين, حيث من الممكن ان يقوم المستثمر بشراء مواد التصنيع للسلعة المراد انتاجها وتسليمها للمصنع الذي يقوم بعملية التصنيع والتعليب والتغليف حسب رغبة المستثمر بالتحديد دون التدخل من جانب المصنع في أي شيء, ويتسلم المستثمر منتجاته في ميناء الشحن الذي يريده, وفي هذه الحالة تتحقق له نسبة ربح أعلى من الاستيراد فقط, لأنه أصبح هو المنتج الأصلي في هولندا, وهو في نفس الوقت المصدّر, وايضا المستورد في بلده, وهو الأمر الذي يتيح له تخفيض التكاليف والبيع بأسعار منافسة, فتتم عمليات البيع بسرعة, ويتضاعف عدد دورات رأس المال ويحقق أرباحا اضافية. ما هي الميزات التي تتمتع بها هولندا في مجال الاستثمار؟ ــ الموقع الجغرافي الذي تتميز به هولندا بداية بميناء روتردام الذي يعتبر واحدا من أهم مرافق الشحن والتفريغ في العالم, والطرق والمواصلات البرية, اضافة لبحر الشمال الذي تطل هولندا على سواحله الممتدة, والسكك الحديدية الدولية التي تربط هولندا بكثير من دول العالم (يحتل مطار سخيبهول الدولي بهولندا المرتبة رقم 11 عالميا, أما ميناء روتردام فيحتل المرتبة رقم 5 دوليا) وتحتل هولندا المركز رقم 30 عالميا من حيث شبكات الطرق والمواصلات, وتوجد في هولندا تقنية عالية وخبرات متنوعة, حيث انه من السهل الحصول على عمالة مدربة دون عناء, اضافة للتكنولوجيا المتطورة في كافة المجالات, كل ذلك تحت مظلة قوانين التجارة الليبرالية في هولندا البلد الرأسمالي الذي يعتبر كما نكرر جميعا انها ــ هولندا ــ أصغر الدول الكبرى وأكبر الدول الصغرى في أوروبا, ولا نغفل ان لدينا أنظمة معلومات متقدمة جدا, اضافة للبنوك متعددة الجنسيات, كما انه من السهل استيراد الخامات اللازمة للانتاج والتصنيع الرخيصة من دول أخرى لتشغيلها في هولندا. أجرى الحوار في هولندا: سعيد السبكي

Email