آفاق اقتصادية: هل الاقتصاد الاسلامي علم ام مذهب؟ ولماذا؟بقلم-د. محمد ابراهيم الرميثي

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتساءل الناس دائما والمتخصصون منه على وجه الخصوص, هل الاقتصاد الاسلامي علم؟ هل هو علم بالمفهوم المعاصر لعلم الاقتصاد؟ وبالتالي من الممكن ان تكون له نظريات علمية , وتعمم تطبيقاته المعاصرة (مثل البنوك الاسلامية وشركات التأمين الاسلامية) لتكون صالحة للتطبيق خارج نطاق الدول الاسلامية فيتعامل بها المسلمون وغير المسلمين, ام انه علم بمفهوم العلوم الشرعية؟ وبالتالي فليس له نظريات اقتصادية, وتطبيقاته ضيقة ولا تصلح الا للمسلمين, ام انه مذهب مرتبط بالدين الاسلامي ومستمد من اصوله وفروعه ينظم المعاملات المالية والاقتصادية التي يمارسها افراد المجتمع ويطبقه الافراد فقط في حياتهم اليومية في اطار العقائد والعبادات والمعاملات, وبالتالي لا يصلح ان يعمم على المستوى المؤسسي كانشاء بنك أو شركة أو مؤسسة حديثة تلتزم به, ولا يصلح ان تكون له نظريات علمية لكي نستطيع ان نجيب على تساؤلات كهذه لابد لنا من وضع تعريف محدد لعلم الاقتصاد المعاصر ومنهجيته العلمية وطرق واساليب البحث في هذا العلم ونظرياته ومفاهيمه, فاذا بحثنا في التعريف فسوف نجد تعريفات لا حصر لها لعلم الاقتصاد وهي تختلف باختلاف العلماء واختلاف الزمان والمكان واختلاف المتغيرات والمعطيات والنظريات الاقتصادية واختلاف المدرسة أو المذهب الفكري الذي ينتمي اليه العالم الذي يعرف هذا العلم واختلاف طرق واساليب ومنهجية البحث العلمي في هذا العلم, وعلى الرغم من كل ذلك الا اننا لا نجد تعريفا محددا شاملا كاملا وافيا يعرف هذا العلم ويحصر مجاله في عبارات محددة, ويرجع ذلك إلى اتساع نطاق علم الاقتصاد ومجاله من فترة إلى اخرى, اما بالنسبة لطرق البحث العلمي في هذا العلم ومنهجيته واساليبه فهي الاخرى في تطور وتغير مستمرين, وخلاصة القول ان هذا العلم يسعى إلى حصر الظاهرة الاقتصادية (سواء اكانت ظاهرة ايجابية ام سلبية) محل البحث وجمع كافة البيانات والمعلومات عنها, وكافة البيانات والمعلومات المرتبطة بها بشكل مباشر, وتحليلها تحليلا مبدئيا ضمن اطار النظريات العلمية التي فسرت تلك الظاهرة سابقا أو الظواهر الاقتصادية المشابهة لها, وذلك من اجل بناء موديل (اي نموذج) اقتصادي مناسب لها يفسرها تفسيرا اوليا, ومن ثم تشخيص هذه الظاهرة تشخيصا موضوعيا مجردا وفق اسس القياس المعتمدة في اصول البحث العلمي في هذا العلم ضمن اطار الموديل الذي تم بناؤه, وذلك باخضاع هذا الموديل الذي تم بناؤه للاختبار وفقا للبيانات التي تم جمعها وتحليلها لمعرفة مدى صحة ذلك الموديل في تفسير الظاهرة المدروسة أو ما هي التعديلات التي يجب ان يتم ادخالها اليه لكي تزداد درجة الثقة في تفسير الموديل للظاهرة محل الدراسة حيث من الممكن ان يتم اجراء تجربة اختبار الثقة عدة مرات حتى نصل إلى التفسير الاقرب إلى الواقع في تفسير تلك الظاهرة الاقتصادية تفسيرا علميا قياسيا دقيقا, وقد يتم تفسير تلك الظاهرة في زمن معين ثم يأتي بعد ذلك علماء اخرون ليثبتوا ان ذلك التفسير كان خطأ, ويقومون باجراء بحوث علمية جديدة لايجاد تفسير جديد للظاهرة الاقتصادية نفسها, وهذا في الحقيقة ما يفسر تعدد تعريفات علم الاقتصاد وتنوعها وتجدد البحث العلمي في الاقتصاد واتساع مجاله ونطاقه وتشعب الحقول المنبثقة من هذا العلم والنظريات والمدارس الفكرية وتعددها وتنوعها. من هذا المنطلق فانه من الخطأ الجسيم ان نقول كما يردد الكثيرون ان علم الاقتصاد الوضعي علم يفسر الظاهرة الاقتصادية كما هي كائنة على ارض الواقع (اي انه اقتصاد تقريري) في حين ان الاقتصاد الاسلامي يدرس ما يجب ان يكون عليه الاقتصاد (اي انه اقتصاد تقديري) , وذلك لان علم الاقتصاد يحاول في الحقيقة ان يفسر الظاهرة الاقتصادية كما هي كائنة على ارض الواقع تفسيرا علميا, بيد ان تفسيراته يغلب عليها الفكر البشري والتحليل الذي يخرج عن الاطار العلمي الموضوعي الدقيق بدليل ان تفسير العلماء للظواهر الاقتصادية يتغير من فترة إلى اخرى ومن عالم إلى اخر, كما اوضحنا سابقا, اي ان تفسيره للظواهر الاقتصادية ليس تفسيرا علميا دقيقا وثابتا وموحدا وخاليا من الفكر البشري المتحيز, وبالتالي فهكذا حال نظرياته ومفاهيمه كذلك, لانها هي لسان حاله. اما الاقتصاد الاسلامي فهو بالفعل يدعو إلى ما يجب ان يكون عليه الاقتصاد سواء كنا نتحدث عن سلوك المستهلك ام سلوك المنتج ام سلوك المستثمر أم سلوك التاجر ام سلوك المؤسسة ام سلوك الدولة أم غير ذلك من الانشطة الاقتصادية, فالاقتصاد الاسلامي منهج رباني واضح ومحدد له ثوابته من الانظمة والاحكام والقواعد والاصول والمبادىء وله اطار محدد من الانظمة والاحكام والقواعد المتغيرة التي تمنحه المرونة اللازمة لكي يكون صالحا للتطبيق العملي على مر الازمنة والعصور ومتكيفا مع المتغيرات الاقتصادية وغير الاقتصادية التي تحكم المجتمعات البشرية في كل زمان ومكان, والحقيقة ان الاقتصاد الاسلامي ليس علما بالمفهوم المعاصر الذي عرفناه لعلم الاقتصاد, فلا يعقل ابدا ان افسر الظواهر الاقتصادية المعاصرة في المجتمعات الاسلامية المعاصرة (مثل سلوك المستهلك وسلوك المنتج وغير ذلك) تفسيرا انسبه إلى الاسلام والاسلام منه براء واقول ان هذا هو الاقتصاد الاسلامي, غير ان الاقتصاد الاسلامي علم بالمفهوم الشرعي للعلوم الشرعية من ناحية, وهو علم بمنهجه الفريد الذي يفسر لنا ما يجب ان يكون عليه النهج الاقتصادي للمجتمع الاسلامي في كل انشطته الاقتصادية سواء التزم المجتمع الاسلامي بذلك النهج أم لم يلتزم, ولا يعني ذلك اننا سوف نعزل الاقتصاد الاسلامي عن منهج البحث العلمي في علم الاقتصاد الوضعي المعاصر, ولكننا قد نستفيد من ذلك المنهج بما هو مفيد خصوصا في طرق الاقتصاد القياسي والرياضي واستخدام الحواسيب في البحوث العلمية في علم الاقتصاد, كيف يمكن ان نوفق بين هذا وذاك؟

Email