آفاق اقتصادية: منطقة التجارة العربية الحرة بين الواقع والطموح

ت + ت - الحجم الطبيعي

يقسم الاقتصاديون الدول العربية من حيث نمط الصادرات وانواعها الى ثلاث مجموعات : المجموعة الاولى وتضم الدول العربية المنتجة والمصدرة للنفط الخام والغاز الطبيعي ولديها في الوقت نفسه تنويع بسيط للصادرات المصنعة غير النفطية وتحاول هذه الدول جاهدة تطوير الصناعات التحويلية غير النفطية بغرض التقليل من الاعتماد على النفط وتنويع مصادر الدخل القومي وهذه الدول هي دول الخليج العربية, والجزائر, وليبيا. المجموعة الثانية وتضم الدول العربية متنوعة الصادرات وتشمل صادرات هذه الدول المنتجات الزراعية والحيوانية وبعض المنتجات المصنعة, وهذه الدول هي مصر, الاردن, سوريا, لبنان, تونس, المغرب. المجموعة الثالثة وتضم الدول العربية المصدرة للمنتجات الاولية وتشمل موريتانيا, والصومال, والسودان, واليمن. والحقيقة ان الدول العربية تبذل مجهودات كبيرة منذ نهاية الحرب الكونية الثانية الى يومنا هذا تهدف الى انشاء نوع من التكامل الاقتصادي وتنمية وتحرير التجارة الخارجية البينية, فأقاموا الاتفاقيات ثم انشأوا المشروعات المشتركة ثم أعقبوها باستراتيجية التكتلات الاقتصادية الاقليمية مثل مجلس التعاون الخليجي ثم مجلس التعاون العربي ثم الاتحاد الاقتصادي المغاربي, ولقد لعبت العوامل السياسية والمتغيرات السياسية الاقليمية والدولية دورا بارزا في ظهور استراتيجية التكتلات الاقتصادية العربية الاقليمية الا انها بلاشك ذات مضمون ودلالة اقتصادية كبيرة ايضا حيث يكون الاقتصاد قرين السياسة في العلاقات الاقتصادية الدولية. وعلى الرغم من كل المجهودات التي تبذل الا ان الاحصائيات الرسمية تشير الى مؤشرات اقتصادية متواضعة للغاية حيث تشير الاحصائيات الرسمية الى ان حجم التجارة الخارجية البينية لايتجاوز 8% من اجمالي حجم التجارة الخارجية العربية, ويدل هذا الرقم بالطبع على الوسط الحسابي فقط في حين نجد ان التجارة البينية بين بعض الدول العربية المتجاورة جغرافيا تتجاوز تلك النسبة وقد تصل الى 15% في بعض الحالات. وعلى الرغم من كل ذلك تبقى الارقام الرسمية المعلنة تعطي مؤشرات ذات دلالة لكنها لاتعبر عن الحقيقة حيث ان هناك تجارة بينية تتم بين الدول المجاورة مثل دول بلاد الشام ومصر والسودان والسعودية واليمن والاردن والعراق ولكن لاتظهر بالاحصائيات الرسمية المعلنة, ولقد اتبعت بعض الدول النامية استراتيجية الاحلال محل الواردات ومن تلك الدول بعض الدول العربية حيث تهدف هذه الاستراتيجية الى التقليل من حجم الواردات واللجوء الى تصنيع السلع التي تجد سوقا محلية رائجة ويكون حجم الطلب المحلي عليها كبيرا لتحل محل الواردات وتقلل من حجم العجز الكبير في ميزان المدفوعات غير ان الاقتصاديين يرون ان اتباع سياسة الاحلال محل الواردات لوحدها لاتكفي وقد توصل الدولة الى حالة تكون معها قد وصلت الى عزلة عن الاسواق العالمية حيث تضع لنفسها قيوداً جمركية حمائية من اجل حماية صناعاتها الوطنية وتوفير موارد مالية للدولة في ذات الوقت. وتجدر الاشارة هنا الى ان حاجز التعريفة الجمركية في بعض البلدان العربية يصل الى مستوى 300% من سعر السلعة نتيجة اتباع مثل هذه السياسة الاقتصادية, ومن هذا المنطلق يؤكد الاقتصاديون على أن اتباع استراتيجية التصنيع للتصدير هي الافضل وهي التي تتفق مع المعطيات الاقتصادية والسياسية المعاصرة حيث تؤدي هذه الاستراتيجية الى فتح الأسواق الوطنية للعالم الخارجي والاستفادة المتواصلة من الخبرة الأجنبية والتكنولوجيا الأجنبية ورأس المال الأجنبي, حيث يحدث التفاعل الحقيقي بين الامكانيات المحلية والامكانيات الأجنبية لينجم عن ذلك التفاعل نتاج جديد وابداع جديد فيؤدي الى خلق تنمية اقتصادية حقيقية. وتأسيساً على ذلك فإن عملية الدمج والمزاوجة بين الاستراتيجيتين قد تبدو أكثر واقعية وأكثر جدوى من اتباع إحداهما دون الأخرى, وعلى الرغم من كل المجهودات التي تبذلها الدول العربية في سبيل الوصول الى منطقة التجارة العربية الحرة إلا أن المتغيرات الاقتصادية العالمية مثل بروز التكتلات التجارية العملاقة وتزايد النزعة الحمائية (حماية الصناعات الوطنية من الصناعات الأجنبية) في الدول الصناعية وظهور منظمة التجارة العالمية ومبدأ الدولة الأولى بالرعاية والذي يشترط لتجاوزه وجود تكتل اقتصادي اقليمي معلن بين الدول التي تشرع في تجاوزه وإلا امتد الامتياز ليشمل كافة الدول الأعضاء في المنظمة العالمية, ومعنى ذلك المنطق أن الدول العربية إذا لم تقبل على تكتل اقتصادي اقليمي لن تستفيد من أية اتفاقية ثنائية تقوم بينها لأن فوائدها قد تمتد الى كافة اعضاء المنظمة خارج القطر العربي, من هذا المنطلق يصبح على الدول العربية أن تنظر الى فكرة منطقة التجارة العربية الحرة نظرة واقعية آخذة في الاعتبار كافة المتغيرات والمعطيات المحيطة وإلا أصبح الطموح حلماً غير قابل للتنفيذ. د. محمد ابراهيم الرميثي

Email