آفاق اقتصادية: هل يؤثر اليورو على التجارة الخارجية الخليجية:بقلم- د.محمد ابراهيم الرميثي

ت + ت - الحجم الطبيعي

ترتبط دول الخليج العربية بالدول الاوروبية بعلاقات اقتصادية وتجارية تاريخية عريقة تعود الى عصر ماقبل النفط ثم تعززت تلك العلاقات وقويت مع انتاج النفط العام ومع حصول دول الخليج العربية على استقلالها واخذ مكانتها العالمية . اما اليوم فإن تلك العلاقات الاقتصادية والتجارية على وجه التحديد تكاد تفوق اية علاقات اقتصادية اخرى حيث تصل نسبة واردات دول الخليج العربية من دول اوروبا الغربية (دول الوحدة الاوروبية) حوالي 40% من اجمالي الواردات الخليجية في حين تصل نسبة واردات دول الخليج من الولايات المتحدة الامريكية حوالي 20 % ومن اليابان حوالي 15% ومن دول جنوب شرق اسيا حوالي 14% ومن الدول العربية حوالي 2% ومن الدول الخليجية حوالي 7%. اما الصادرات فنجد ان دول الخليج العربية تصدر الى دول الوحدة الاوروبية حوالي 20% من اجمالي صادراتها في حين تصدر الى الولايات المتحدة الامريكية حوالي 15% والى اليابان حوالي 30% والى جنوب شرق اسيا حوالي 18% والى دول الخليج حوالي 6% والى بقية الدول العربية حوالي 2%. هذه بعض مؤشرات التجارة الخارجية السريعة لتعطينا فكرة عن الثقل الاقتصادي الذي يمثله الاتحاد الاوروبي مع دول الخليج العربية وبالطبع تشمل هذه الاحصائيات على صادرات النفط الخام ولاتشمل السلاح والمعدات العسكرية. والحقيقة ان اليورو قد يلعب دورا كبيرا في تعزيز الثقة بين كل من الاتحاد الاوروبي ودول الخليج العربية ونمو تلك النسب وتطورها وقد يكون عكس ذلك تماما. ولقد تم الاتفاق على تحديد اولي لاسعار الصرف الثابتة للعملات الوطنية لدول الوحدة الاوروبية مقابل اليورو على ان تعتمد اسعار اخر يوم عمل من هذه السنة 1998 لاسعار صرف ثابتة نهائية وعلى الارجح انهم سوف يسمحون بهامش تغيير بسيط لتلك الاسعار بعد خوض التجربة في المجال التطبيقي حيث ان التثبيت لايمكن تحققه في عالم اليوم في ظل الواقع الاقتصادي الذي تعيشه دول الوحدة الاوروبية. ولقد اشترطت دول الوحدة على اعضائها الايزيد عجز ميزانية العضو عن 30% بحد اقصى من الناتج المحلي الاجمالي ويقصد بذلك الابقاء على نمو وتطور الاعضاء عند مستوى اقتصادي معين حيث ان تخلف العضو عن ذلك المستوى سوف يؤدي الى انخفاض مستوى النمو الاقتصادي وانخفاض مستوى العملة الموحدة وتغير ميزان التجارة البينية بين دول الوحدة ومن ثم تأثير ذلك على العلاقات الاقتصادية لدول الوحدة مع الدول الاجنبية ومن هذا المنطلق نرى ان دول الوحدة سوف تكون حريصة على المستوى الاقتصادي لكافة اعضائها حرصا منها على استقرار علاقاتها الاقتصادية البينية من جهة والخارجية من جهة اخرى. وتكمن الخطورة في تغير اسعار صرف العملات الاوروبية مع اليورو وتبايها اذا لم تلتزم المصارف المركزية الوطنية لدول الوحدة بالسياسات النقدية التي يقرها المصرف المركزي الاوروبي تعلقت تلك السياسات بأسعار الصرف البينية مقابل اليورو ام بسعر صرف اليورو ذاته مقابل عملات الدول الاجنبية الاخرى كالدولار والين مثلا ام تعلقت تلك السياسات النقدية بسعر الفائدة ام غير ذلك من ادوات السياسة النقدية التي سوف يستخدمها المصرف المركزي الاوروبي ويفرضها على اعضائه فلو حدث اختلال في ميزان مدفوعات احدى الدول الاعضاء مع العالم الخارجي (غير الاوروبي) وعجزت عن تصحيحه في المدى القريب فلا شك ان ذلك سوف يؤثر تأثيرا مباشرا على سعر صرف عملة الدولة العضو الا اذا تدخل الاعضاء الاخرون لانقاذ الموقف ومن ثم يحدث ذلك خللا في سعر صرف تلك الدولة امام اليورو من جهة وامام العملات الاجنبية من جهة اخرى ومن ثم سوف يؤثر على سعر صرف اليورو ذاته ازاء عملات الدول الاجنبية حيث ان سعر صرف تلك الدولة العضو يعتبر عنصرا موزونا في تحديد سعر صرف اليورو ذاته وقد لايتعرض الاعضاء الى مثل تلك المواقف في المدى القصير حيث ان الوحدة النقدية في بداية نشأتها وبالتالي فكافة الاجهزة التنظيمية والادارية والسياسية والتنفيذية للوحدة حريصة على نجاحها واستمرارها فهي حريصة بالتالي على تحاشي الوقوع في مثل تلك المواقف السيئة غير ان التباين في المستويات الصناعية والاقتصادية والمنافسة التي مازالت قائمة بين اقتصاديات دول الوحدة الاوروبية بعضها البعض والتي لايمكن القضاء عليها قضاء مبرما يجعل امر الوقوع في مثل تلك المآزق امرا ممكن الحدوث حتى في المدى القريب. ومن هذا المنطلق نرى ان تأثير دخول اليورو الى النظام النقدي العالمي على التجارة الخارجية لدول الخليج العربية سوف يرتبط بتأثير اسعار صرف كل من اليورو ذاته من جهة واسعار صرف العملات الاوروبية الداخلية في تكوين وفي وزن سعر صرف اليورو منفردة حيث ان انخفاض سعر صرف اليورو امام العملات الخليجية سوف يؤدي الى تشجيع الواردات وتقلص الصادرات بالنسبة لدول الخليج العربية والعكس تماما في حالة ارتفاع سعر صرف اليورو ولاشك ان تذبذب سعر صرف اليورو مقابل العملات الخليجية سوف يكون له اثر حتى على التجارة الداخلية الخليجية وعلى مستويات الاسعار لانها مرتبطة بالتجارة الخارجية ان الاثار التي ذكرناها لليورو ليست اثارا استثنائية او طارئة مرتبطة بنشأة العملة ذاتها وانما هي اثار طبيعية من الممكن ان يحدثها تغير سعر صرف اي من العملات العالمية القوية القائمة حاليا وليست مقتصرة على اليورو بيد ان اهم الفوائد التي سيجنيها الاقتصاد العالمي من دخول اليورو كعملة دولية الى النظام النقدي العالمي تتمثل في الحد من هيمنة الدولار والتقليل من اهميتة الدولية فبعد ان يدخل اليورو مجال التطبيق العملي ويجري عليه الاختبار على الاقل سنة مالية كاملة تبدأ من اكتمال تأسيس العملة وليس من بداية سنة 1999 قد تلجأ الكثير من دول العالم الى اعادة النظر في تقييم عملاتها وفي اعادة تحديد اسعار صرفها على ضوء تلك المستجدات.

Email