اتجاهات: دور الدولة:بقلم-حسين محمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

على الرغم من تجاوز مرحلة الدعوات الى تقليص دور الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية الى مرحلة اعادة الحياة لهذا الدور بصورة أكثر تنظيمية وكفاءة في دول الغرب الصناعي, فإننا نلاحظ أن أدبيات وبرامج مؤسسات هذه الدول الموجهة الى الدول النامية لا تزال تصر على تلك الدعوات بل وتطالب بالتسريع لها, وبشموليتها بصورة اكبر. ونحن لا نفهم حقا اذا كانت آليات السوق في ظل اقتصادات متطورة وتتجه نحو النضج والاستقرار لم تفلح بأن تؤدي دورها المطلوب بدون تدخل ما من قبل الدولة, فكيف سوف تؤدي هذه الآليات دورها في مجتماعات نامية ان لم نقل متخلفة اقتصاديا ويشوبها الكثير من التشوهات والاختلالات؟! في السنوات الاخيرة وبالذات بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وباقي دول المعسكر الاشتراكي, شهد عدد متزايد من البلدان عددا من التطورات مثل: الاتجاه نحو خصخصة المؤسسات العامة, وتخفيض القيود الكمية على التجارة او ازالتها, وخفض رسوم الاستيراد الى مستويات متدنية جدا في بعض الحالات, مما يجعل المبادلات التجارية اكثر استجابة لتغير الاسعار النسبية, وتضيق الفروق بين اسعار الصرف الرسمية واسعار الصرف في السوق السوداء, وكذلك خفض او ازالة القيود على تخصيص الائتمان والضوابط المفروضة على اسعار الفائدة, ما يعيد لسوق الائتمان وظيفته التوزيعية المهمة. ووفقا للأهداف المعلنة ايضا, فان جميع هذه الاجراءات استهدفت زيادة دور قوى السوق وتضييق نطاق التدخل الحكومي. ان التغيرات التي تطالب المؤسسات الدولية بلدان الشرق الاوسط بتطبيقها من الصعب معارضتها من الناحية النظرية, الا اننا نعيد القول بأن العمل على تنفيذها في ظل التشوهات الكثيرة في اقتصاديات هذه البلدان سوف يؤدي الى اثار سلبية وليس ايجابية. ان الدرس الاول الذي تعلمناه من تجارب الدول الآسيوية ان تجاربها التنموية قد نجحت استنادا الى سياسات مزجت بين تدخل الدولة واقتصاديات السوق, بل ان الدولة لعبت دورا مركزيا في ادارة وتنفيذ برامج التنمية. واذا ما أخذنا بالاعتبار عامل تاريخي هام هو واقع وتطور القطاع الخاص في العديد من بلدان الشرق الاوسط, فان الحديث المطلوب عن اطلاق قوى السوق في المجتمع يصبح اكثر صعوبة ومثالية. ان القطاع الخاص في العديد من هذه البلدان قد اتسم دوره بالضعف سواء من جراء تبني توجهات التخطيط المركزي في بعض البلدان العربية او من جراء سيطرة الدولة على الموارد الرئيسية كما هو الحال في الدول الخليجية. كما تركز دور القطاع الخاص ايضا في الانشطة الانتاجية غير الرئيسية. ان هذا الواقع يتطلب وجود مرحلة انتقالية اطول للتحول الى اقتصاديات السوق يجب ان تلعب الدولة خلالها دورا تنظيميا واشرافيا رئيسيا. نضيف على ذلك ان تجارب العديد من دول المعسكر الاشتراكي السابق بعد اطلاق قوى السوق قد جاءت محبطة لشعوبها, وهي تقدم دليلا آخر على ان تبني نهج الاقتصاديات الحرة بصورة عشوائية وحرفية دون الاخذ بالاعتبار وجود دور محوري للدولة ينفذ وينظم هذا النهج ويبرمجه وفقا للحالة الخاصة لكل بلد سوف يؤدي الى نتائج وخيمة. بينما تقدم الصين نموذجا ناجحا للجهود المبذولة للتحول الى اقتصاديات السوق مع استمرار وجود دور محوري للدولة في ادارة الاقتصاد.

Email