آفاق اقتصادية: سوق النفط والمعادلات الصعبة:بقلم- د. محمد ابراهيم الرميثي

ت + ت - الحجم الطبيعي

على الرغم من محاولة بعض الدول المصدرة للنفط الخام التحفظ على الخسائر التي اصابتها من جراء تدهور اسعار النفط الخام, الا ان الخسائر في الحقيقة لاتخفى على احد وان المشكلة بدت واضحة وضوح الشمس غير ان الحلول لتلك المشكلة هي المعادلة الصعبة التي تحتاج الى مجهودات كبيرة لحلها . يرى كثير من المحللين المتفائلين ان سوق النفط سوف تحقق انتعاشاً كبيراً في المستقبل القريب, حيث يبنون تحليلهم على نقطتين رئيسيتين: 1ــ الزيادة الكبيرة المتوقعة في الطلب العالمي على النفط والغاز حيث من المتوقع حدوث انتعاش اقتصادي في القارة الاوروبية بسبب قضية الوحدة الاوروبية وانتعاش اقتصادي في الولايات المتحدة الامريكية وانتعاش اقتصادي في الهند والصين وانتعاش اقتصادي في الشرق الاوسط بسبب التحرك الايجابي لعملية السلام وانتعاش اقتصادي في دول شرق آسيا وجنوب شرق آسيا وذلك امتداداً لمبدأ الدورات الاقتصادية حيث ان الركود الطويل لا بد وان يعقبه فترة انتعاش ورواج اي بمعنى آخر ان الانتعاش والرواج الاقتصادي سوف يشمل كافة الدول الصناعية ولا سيما بعد تطبيق مبادىء منظمة التجارة العالمية. 2ــ اما النقطة الثانية المسببة لانتعاش اسواق النفط في المستقبل القريب او قد يكون العاجل فهي نقطة فنية تتعلق بالاسعار ذاتها, حيث يرى المحللون ان تدني الاسعار بهذه الطريقة قد يؤدي ببعض الشركات المنتجة للنفط الى اتخاذ قرار بايقاف الانتاج في بعض الحقول التي تزداد تكلفة الانتاج فيها عن سعر السوق لبرميل النفط, اي بمعنى آخر ان التكلفة الحدية للانتاج اكبر من الايراد الحدي لبرميل النفط. ثم يضيف المحللون المتفائلون على ذلك بالقول ان انخفاض اسعار النفط بهذه الصورة سوف يؤدي بدول كثيرة الى تخفيض انتاجها من جراء الضغوطات التي تتعرض لها من ناحية وبدء ادراكها للمسؤولية من جهة اخرى. غير ان المتشائمين من الاقتصاديين والمحللين المتخصصين يرون ان المستقبل القريب ليس فيه بوادر انفراج لاسعار النفط حيث يبنون تحليلهم على النقاط الآتية: 1ــ ان الزيادة الكبيرة المتوقعة في الطلب العالمي على النفط هي زيادة طبيعية ناجمة عن النمو والتطور الطبيعي للحضارة الانسانية وهي زيادة لن تكون طارئة ولن تحدث آثارا كبيرة على اسعار النفط في المدى القريب او حتى المتوسط. 2ــ اما بالنسبة للنقطة الفنية الخاصة بالايراد الحدي والتكلفة الحدية فهي من الناحية النظرية منطقية وعلمية مائة بالمائة اما من الناحية التطبيقية فليس من السهل ان نقول انه بمجرد انخفاض الايراد الحدي عن التكلفة الحدية يتوقف المشروع عن الانتاج أو يغلق الحقل او البئر بل ان عملية الاغلاق تحكمها اعتبارات اخرى كثيرة يأتي على رأسها مقارنة كلفة الاغلاق بكلفة الاستمرار بالانتاج حيث من المعروف اقتصادياً ان المنشأة اذا توقفت عن الانتاج بشكل مؤقت فانها تدفع تكاليف لرأس المال الثابت وبعض النفقات المتغيرة, كذلك فالمعروف ان رأس المال يتعرض للهلاك وانخفاض قيمته الحقيقية حتى ولو بقي دون ان يشتغل والمعروف ان منشآت النفط بها من رؤوس الاموال الثابتة الشيء الكثير, يضاف الى ذلك التكاليف المتغيرة التي تدفعها المنشأة حتى ولو توقفت عن الانتاج مثل تكاليف التأمين وتكاليف الحراسة والرقابة وغيرها. فإذا كان هامش الخسارة عن جراء التوقف عن الانتاج أكبر من هامش الخسارة في حالة تدني الايراد الحدي عن التكلفة الحدية فان المنشأة تستمر بالانتاج. وفي الحقيقة فإن التطور المذهل الذي طرأ على تكنولوجيا انتاج النفط يجعلنا نقول بأن تكلفة الانتاج للبرميل الواحد اصبحت متدنية الى درجة لا يمكن تصورها في اغلب حقول النفط في العالم مما يجعلنا نقول ان منطق المتشائمين اقوى من منطق المتفائلين. 3ــ تفتقر الدول المصدرة للنفط الى الرؤية الاستراتيجية الواضحة نحو البحث عن حلول لهذه المأساة التي اصبح سعر النفط الحقيقي فيها أقل من سعره في عقد الستينات. 4ــ تضارب مصالح دول الأوبك ورفضها جميعاً لمبدأ تخفيض الانتاج بحجة انها سوف تفقد حصتها التي سوف تتخلى عنها الى الأبد وذلك لانها سوف تفقد السوق التقليدية التي كانت مرتبطة بها وهي حجة قوية بالطبع اضافة الى كونها معتمدة اعتماداً كلياً على النفط الخام في تمويل ميزانياتها القومية ولا يمكنها بالتالي التخلي عن حصتها بسهولة او التفريط بها. ان الحل الحقيقي والعاجل للأسعار يكمن بيد المستوردين للنفط الخام اي الدول الصناعية لانها أصبحت هي المحتكر الحقيقي له والمتحكم بسعره عن طريق التحكم بالطلب العالمي له (احتكار المستهلكين) فلا بد من الاستسلام للحلول المستوردة اذا اردنا انقاذ مجتمعاتنا من هلاك محقق لأننا لم نحسب حساب هذا اليوم ولم نضع له الاستراتيجيات والخطط التي يستحقها.

Email