آفاق اقتصادية: النظام الأسري صلب النظام الاقتصادي:بقلم- د. محمد ابراهيم الرميثي

ت + ت - الحجم الطبيعي

رُب قائل يقول ان المجتمعات غير الاسلامية عادة ما تتسم نظمها الاجتماعية بالتفكك والانحلال الأسري والأخلاقي وشيوع الفاحشة وإباحتها, بحيث تصل في بعض المجتمعات الى درجة تتقزز منها النفس الانسانية وتنأى بالمجتمع عن كونه مجتمعا إنسانياً, وعلى الرغم من كل ذلك نجد المجتمع متطورا جدا من الناحية الاقتصادية والصناعية حيث يفصل تماما بين النظام الاجتماعي والأسري والنظام الاقتصادي, وهذا كلام صحيح في أرض الواقع, بيد أن تلك المجتمعات قد ارتضت لنفسها ذلك النظام الاجتماعي منذ أمد بعيد وأصبح جزءاً من تراثها وكينونتها, وعلى الرغم من كوننا نحن ننظر الى تلك الأنظمة الاجتماعية على أنها حالة من الفوضى واللا نظام أصلاً حيث تكثر اعتداءات الآباء والأقارب الجنسية على أبنائهم وذويهم وتسود الفوضى ولا يتم الزواج الا بعد التجربة الجنسية الطويلة وغير ذلك مما نشاهده من فوضى, أما النظام الاقتصادي فقد تم فصله تماما عن النظام الاجتماعي والأسري, ووضعت له القوانين والتشريعات والضوابط المحكمة التي تجعله يتطور وينمو ويسير بطريقة منظمة, غير اننا لا نستطيع القول ان ذلك النظام الاجتماعي ليس له آثار سلبية على تلك الأنظمة الاقتصادية, فهذه المجتمعات لو قامت بتبني أنظمة اجتماعية مترابطة أسرياً وأخلاقياً لكانت اقتصادياتها المتطورة الآن في أوضاعٍ أفضل مما هي عليه الآن حيث ستتمكن من تخفيض التكاليف الأمنية والقضائية التي تعتمد على الانفاق العام من ميزانية الدولة الذي هو بدوره يعتمد على النظام الضريبي للمجتمع, فكلما كان المجتمع مترابطا أسرياً وأخلاقياً كلما انخفضت نسبة الجرائم بكل أنواعها ومسمياتها مما يعني بدوره انخفاض التكاليف الأمنية والرقابية والقضائية والتي بدورها تعمل على تخفيض الانفاق العام على هذه البنود والذي قد يحال الى بنود أخرى تخدم الصالح العام وترفع من مستوى رفاهية الفرد والمجتمع, ناهيك عن التكاليف غير المباشرة الناجمة عن تكون شخصية الانسان ذاته ومعنوياته. ولقد أتى الإسلام بنظام أسري متماسك أيما تماسك ونظام اجتماعي مبني على النظام الأسري هذا ومؤسس عليه, فإذا اختل النظام الأسري اختل النظام الاجتماعي, وبما ان المجتمع مكون من أسر, والأسر مكونة من أفراد والأفراد هم صانعو التنمية الاقتصادية ومهندسوها وهم محورها الأساسي وغايتها القصوى فالتنمية الاقتصادية لا تتم إلا بالإنسان ولا تقوم في ذات الوقت الا من أجله, حيث ان كل فرد من أفراد المجتمع هو منتج ومستهلك في ذات الوقت. ومن هذا المنطلق ركز الاسلام على بناء شخصية الانسان وتكوينه الاخلاقي والنفسي والمعنوي فوضع القواعد والأسس والأحكام والمبادئ التي تسمو بهذا الانسان وترفعه وتميزه على سائر المخلوقات وتكرمه على سائر الكائنات الحية والمخلوقات الأخرى ليصبح بالتالي إنسانا منتجا ومعمراً للأرض وخليفة فيها. أما كوننا نلاحظ ونرى على أرض الواقع تجاوزات وتعد على حدود الله التي وضعها وأحكامه التي رسخها فهذا ليس حجة تقودنا الى مزيد من التجاوزات, فالإسلام حجة على المسلمين ويجب عليهم اتباع أوامره وأحكامه والانتهاء عما نهى عنه والاقتداء بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين, أما أعمال المسلمين السيئة وأخطاؤهم وتجاوزاتهم فهي ليست حجة يحتج بها حيث ان الله سبحانه قد بين لنا طريق الخير وطريق الشر بصورة واضحة تماما وأعطانا العقل والارادة ليحاسبنا بعد ذلك, فمن عمل خيرا فلنفسه ومن عمل شراً فلنفسه أيضاً, والانسان يقتدي بالأصلح وليس بالأسوء. والحقيقة ان ما دفعنا الى الكتابة في هذا الموضوع ما نشر من احصائيات حول ما أنفقه صندوق الزواج الى الآن من مبالغ للشباب وعلى الرغم من ذلك نجد مستويات مرتفعة جدا من النساء اللاتي تجاوزن سن الزواج ولم يتزوجن وكذلك النسبة المرتفعة من المطلقات, ودعوة القائمين على الأمر الى إشراك كافة أفراد المجتمع ومؤسساته في التخفيف من حدة المشكلة ومحاولة احتوائها ووضع الحلول المناسبة لها حيث انها أصبحت مشكلة تؤرق كل منزل في المجتمع ولها تكاليف اقتصادية واجتماعية ونفسية كبيرة جدا, ومن هذا المنطلق فنحن نضم صوتنا الى صوت الأخوة المسؤولين في صندوق الزواج لننادي بضرورة تجنيد كافة مؤسسات المجتمع لحل المشكلة: 1- نبدأ بالأسرة فأصبحت عملية نشر الوعي داخل الأسرة عن طريق وسائل الاعلام التي تخترق كافة الحدود وتصل الى الغرف الخاصة فهي الأقوى والأكثر تأثيرا, ولا يكفي الندوات والمؤتمرات حيث انها أصبحت مملة بصورتها التقليدية ولا يتابعها الناس المعنيون بالأمر الا قليلا, بل لابد من اعداد المسلسلات التلفزيونية التي تعالج مثل هذه المشاكل, أما في المجلات الأسرية فلابد من طرح قصص واقعية مشوقة وداعمة ومرغبة لعلها تعين بعض الشيء. 2- ثم المدرسة ودور المناهج التعليمية في ذلك. 3- ثم دور المجتمع نفسه ونشر الوعي اللازم عن طريق وسائل الاعلام وكذلك خطب المساجد والندوات النسائية عن طريق الجمعيات النسائية المنتشرة في الدولة والجميعات والاندية الشبابية كذلك, وقد تعرض بشكل مسرحيات مشوقة ومصممة بشكل فني محترف بحيث تجذب الجماهير وتؤثر فيهم.

Email