القوى العاملة في المناطق الحرة: مساهمة المناطق الحرة في خلق فرص العمل: بقلم- د. محمد الزرعوني

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الحقيقة استطاعت المناطق الحرة ان تلعب دورا رئيسيا في خلق فرص عمل للقوى العاملة المحلية في كثير من الدول التي تبنت فكرة انشائها على الرغم من انها لم تستطع في بعض من الدول الاخرى ان تساهم في التقليل من البطالة بالنسبة المرجوة , لذا استغل النقاد هذه القضية كعامل سلبي يؤخذ على المناطق الحرة, وهؤلاء هم المعارضون لفكرة انشائها كمشروع اقتصادي يجلب التكنولوجيا ويعمل على تطوير القاعدة الصناعية ومن ثم تطوير الموارد البشرية من خلال تدريبهم وتوظيفهم فيها. في الحقيقة هذا الانتقاد فيه نوع من الإجحاف لأن المنطقة الحرة هي احد المشاريع الاقتصادية التي يعتمد عليها في حل مشكلة البطالة, لذا على الدول التي تعاني من هذه الظاهرة الاقتصادية ان تفكر في وسائل اخرى لتشارك المنطقة الحرة في اخفاء هذه الظاهرة. الاحصائيات التالية والصادرة من مكتب العمل الدولي سوف توضح عدد العاملين بالمناطق الحرة لعدد من الدول على اختلاف قاراتها, نبدأ بقارة آسيا التي يتركز بها اكبر نسبة من السكان على مستوى العالم حيث لعبت المناطق الحرة دورا كبيرا في توفير فرص العمل للأيدي العاملة, على الرغم من ضعف نسبة مساهمتها في حل مشكلة البطالة اذا ما قورنت بالمناطق الحرة الواقعة في القارات الأخرى كأمريكا الوسطي والكاريبي وذلك نظرا لكثافة السكان في هذه الدول. ففي الصين وحدها يوجد 18 مليون عامل يعملون لدى الشركات الاجنبية اضافة الى عدة ملايين اخرى يعملون لدى الشركات الوطنية بالمناطق الحرة, مع العلم ان عدد المناطق الحرة في الصين يصل الى 107. وفي سريلانكا استطاعت المناطق الحرة ان تخلق 27 الف وظيفة خلال احد عشر عاما (1986 ــ 1997) معظمهم يعملون في صناعة الملابس والنسيج, اما بالنسبة للمناطق الحرة في ماليزيا وكوريا وتايوان قد يختلف نوع العمل بها مقارنة بالعديد من المناطق الحرة الاخرى في العالم, حيث ركزت المناطق الحرة فيها على استقطاب الشركات العالمية التي تستخدم التقنية الحديثة وخاصة في مجال صناعة الالكترونيات فمثلا المنطقة الحرة في بنانج بماليزيا تشير احصائية عام 1970 بأن هناك 2784 عاملا يعملون في 31 شركة, قفز هذا الرقم الى 191 الف عامل في 1997 معظمهم يعملون في الشركات التي تنتج المواد الالكترونية وتقدر نسبتهم بــ 56% من مجموع العاملين, أما مساهمة المنطقة الحرة في القوى العاملة للبلاد فتمثل حوالي 2.2% من مجموع القوى العاملة في ماليزيا. وتشير احصائية اجريت في كوريا عام 1997 ان عدد العاملين بالمنطقة الحرة في ماسان يقدر بــ 13641 حيث يعمل 71% من مجموع العاملين في صناعة انتاج المواد الالكترونية والكهربائية و13% في مجال صناعة المعدات الدقيقة و2.5% فقط في صناعة الملابس الجاهزة والنسيج, وهذه النسبة تمثل حوالي 0.3% من مجموع القوى العاملة في البلاد. والحال لا يختلف كثيرا في تايوان حيث يعمل 76 الف عامل في ثلاث مناطق حرة تملكها الدولة, 65% منهم يعملون في قطاع الالكترونيات و10% فقط في مجال صناعة الملابس الجاهزة والنسيج, وهذه النسبة تمثل اقل من 0.5% من مجموع القوى العاملة في البلاد. أما احصائية موريشيوس توضح ان ما بين عامي 1971 ــ 1980 زاد عدد الشركات من 9 ــ 101 شركة رافقتها زيادة عددية بالنسبة للعمال من 644 الى 21602 عامل. واذا انتقلنا الى المناطق الحرة في دول امريكا الوسطى والكاريبي فنستطيع القول انها نجحت الى حد كبير في توفير العديد من الوظائف المختلفة وخاصة الصناعية منها, وعلى وجه الخصوص صناعة الملابس الجاهزة والنسيج من بعد ان كانت الصناعة التقليدية هي السائدة فيها كالبن والموز. فعلى سبيل المثال كوستاريكا التي بها تسع مناطق حرة استطاعت ان تخلق حوالي 49 الف وظيفة خلال فترة زمنية تقدر بحوالي 15 سنة وهي ما بين عامي 1981 ــ 1996 معظمهم يعملون في قطاع الملابس الجاهزة والنسيج ومن ثم الالكترونيات مما كان له أكبر الأثر في تخفيض نسبة البطالة الى 5%, مع العلم ان نسبة الوظائف الصناعية لم تتجاوز 23% من مجموع الوظائف الكلية. اما بالنسبة لجواتيمالا فيعمل في مناطقها الحرة حوالي 166 الف عامل غالبيتهم من النساء (80%) واذا ما انتقلنا الى بارتولو في سلفادور فنجد ان 50 الف عامل يعملون في 208 شركات اي بمعدل 200 عامل لكل شركة حسب احصائية 1996. وفي المكسيك وخاصة في مكوالادوراس يعمل 900 الف عامل في وظائف مختلفة حسب احصائية 1997 حيث يعمل 103 آلاف منهم كفنيين في الشركات الاجنبية و64 الفا في الوظائف الادارية والبقية يعملون في مجالات اخرى مختلفة. اما بالنسبة لعدد العاملين بالمناطق الحرة بدولة الامارات, فالوضع يختلف كليا مقارنة بالمناطق الحرة في دول العالم, حيث ان نسبة الأيدي العاملة الوطنية لدى الشركات الاجنبية والوطنية لا يكاد يتعدى الــ 0.5% من المجموع الكلي للعمال على الرغم من ضخامة العدد الذي يقدر بحوالي 50 الف عامل تقريبا بالمنطقة الحرة بجبل علي وهذه تشكل حوالي 16% من مجموع القوى العاملة في امارة دبي, ويعود ذلك لعدة أسباب اهمها اختلاف نسبة الاجور بين المناطق الحرة (نعني الشركات العاملة بالمناطق الحرة) وبين القطاعات المختلفة خارج المناطق الحرة وخاصة الحكومية منها, كما ان اختلاف عدد ساعات العمل ما بين الداخل والخارج قد يكون سببا آخر لا يقل اهمية عن اختلاف الاجور. ويمكننا ان نضيف هنا ان ضعف القنوات التي تعرف القوى العاملة الوطنية بفرص العمل المتاحة وطبيعتها لدى الشركات الاجنبية في المنطقة الحرة قد تساهم في قلة وجود نسبة القوى العاملة الوطنية بالمناطق الحرة بالدولة. وقد يتفق مع هذا الرأي العديد من الشركات العاملة في المنطقة الحرة في جبل علي, هذا ما اكده البحث الذي اجري على 83 شركة من مجموع 525 كانت تعمل فيها عام 1994 حيث كانت اجاباتهم على النحو التالي. * 32% من الشركات اجابوا بأن سبب انصراف القوى العاملة الوطنية عن العمل في المنطقة الحرة راجع الى مطالبتهم بأجور عالية. * 24% منهم اجابوا بأن الحوافز التي تقدمها شركات المنطقة الحرة لا تتناسب مع طموحات المواطنين. * 17% ركزوا على ساعات العمل, حيث ان المواطن غير مستعد بأن يعمل 8 ساعات يوميا. * 14% اجابوا بأن المواطنين غير مؤهلين للعمل في الشركات الاجنبية داخل المنطقة الحرة. أتوقع هذا الرأي غير صحيح لأن معظم هذه الشركات لا تستخدم التقنية المتطورة حتى يكون هذا السبب عقبة امام المواطنين للالتحاق بالعمل لدى الشركات الاجنبية, خاصة وان هناك العديد من هذه الشركات تعمل في مجال التوزيع وليس في مجال التصنيع. * عدد قليل من الشركات اجابوا بأن المواطنين لا يفضلون العمل مع الاجانب. أما عن السؤال: مدى استعداد الشركات العاملة بالمنطقة الحرة في جبل علي لتوظيف المواطنين فكانت اجاباتهم على النحو التالي: * 37% من مجموع 83 شركة اجابوا بأنهم مستعدون لتوظيف المواطنين دون فرض اي قيود او شروط وهؤلاء هم الشركات الوطنية ومن ثم الخليجية فالشركات الاجنبية التابعة للدول المتقدمة (الأوروبية). * 56% من هذه الشركات اجابوا بأنهم على استعداد لتوظيف المواطنين ولكن بشروط, منهم الشركات الهندية والباكستانية ومن الشركات التابعة للدول المتقدمة صناعيا. 7% كانت اجاباتهم انهم ليسوا على استعداد لتوظيف المواطنين سواء بشروط او بغير شروط وهؤلاء هم ست شركات, اثنتان منهم تعدان من الشركات الوطنية. نستنتج مما سبق ان الفرصة قد تكون مؤاتية لتوظيف المواطنين في المنطقة الحرة على الرغم من صعوبة الموقف وحساسيته, لذا لابد من اعادة النظر الى هذا الوضع ودراسته بشكل اوسع بحيث تلعب المناطق الحرة دورا اكبر في ايجاد فرص عمل للقوى العاملة الوطنية وذلك للاستفادة من الخبرات الاجنبية سواء الادارية منها او التقنية, على الرغم من صعوبة الموقف وحساسيته كما اسلفنا, لذا تتطلب الدراسة بأن تكون دقيقة وشاملة حتى تؤدي الغرض المطلوب منها دون ترك آثار سلبية على المناطق الحرة بشكل عام. إذن نستطيع القول ان المناطق الحرة يعود لها الفضل في ايجاد فرص عمل للعديد من القوى العاملة على مستوى العالم وانها ساهمت في خفض نسبة البطالة وان كانت هذه النسبة تختلف من دولة لأخرى. ولكن مساهمتها في خلق كوادر وطنية مدربة ومؤهلة حول كيفية التعامل مع التقنية الحديثة قد تكون متواضعة وان كانت هذه الاخرى تختلف من منطقة لأخرى, فعلى سبيل المثال نجحت المنطقة الحرة في شانون ــ ايرلندا في ان تستورد التقنية الحديثة بكل ما للكلمة من معنى وان تستفيد منها محليا الى درجة كبيرة حيث دربت ابناءها على كيفية التعامل والاستفادة من هذه الخبرات القادمة بطريقة مدروسة علميا من خلال وضع خطة تربط الجامعة بالمنطقة الحرة في شانون, بحيث تغذي الجامعة المنطقة الحرة بالمتخصصين في المجالات الصناعية المختلفة اضافة الى التخصصات الادارية حسب الوظائف الشاغرة المتوفرة لدى الشركات العاملة بها, لدرجة ان الطالب لا يتخرج من الجامعة الا اذا انهى فترة تدريبية لدى الشركة التي ينوي العمل بها, وتقدر هذه الفترة بحوالي تسعة اشهر وبأجر شهري, ثم يتخرج ويلتحق بالشركة. لذا نأمل من المناطق الحرة بالدولة ان تستفيد من تجربة المنطقة الحرة في شانون عن طريق خلق قناة تربط المناطق الحرة بالكليات التقنية على مستوى الدولة من خلال وضع برنامج تدريبي يسمح للدارسين بالعمل والتدريب لدى الشركات العاملة بالمنطقة الحرة وخاصة في فترة الصيف. وقد تكون هذه أولى الخطوات التي يسمح لنا من خلالها الاتصال بالشركات الاجنبية والاستفادة من الخبرات المستوردة, سواء التقنية منها أو الادارية. مدير إدارة الشؤون الادارية والبحوث - المنطقة الحرة لمطار دبي

Email