رؤية،الطبقة المتوسطة والانتخابات الأمريكية، بقلم - روبرت صامويلسون

ت + ت - الحجم الطبيعي

لقد أصبح الأمريكيون يتسمون بالأنانية واللامبالاة بالحياة الوطنية أكثر من أي وقت مضى, فمعلقو اليمين يرون أن العامة لم تعد تكترث بتصرفات الرئيس كلينتون كي تطالب باقالته من منصبه, أما معلقو اليسار فيرون ان العامة منهمكة في شؤونها للدرجة التي لن تقوم معها بمساندة اي برامج اجتماعية بسرعة, لكن الرأي المشترك بكافة الأحوال هو أن ما يقوم به الامريكيون حاليا يعد تجاهلا للديمقراطية, والأمر الذي اثار الاستغراب فعلا هو النسبة المتدنية والسؤال هنا هل يستحق الامريكيون المعاصرون هذه النسب؟! في الواقع لا لانه اذا أخذنا بعين الاعتبار مسحا تم اجراؤه على 800 عائلة من العامة جرى فيه سؤالهم عما اذا كانوا يعتبرون الولايات المتحدة الامريكية دولة متميزة لها خصوصيتها ام أنها مجرد دولة عادية ليس نظامها بأفضل أو أسوأ من الدول الأخرى. وجاءت نتائج هذا الاستطلاع على النحو التالي: 84% يرون ان الولايات المتحدة الأمريكية هي فعلا دولة متميزة, فالامريكيون يحبون بلادهم حقا, ويحبون ايضا تلك الحرية التي تمنحها اياهم في ممارسة السياسة وبخاصة في تلك الأوقات التي خلت من الأزمات السياسية فقد كانت هذه الأوقات هي المفضلة لديهم. وظهر كذلك في الاستطلاع ان نحو 61% من العامة أكثر ما يعجبهم في بلادهم هو (الحرية الشخصية) ولا جديد في هذا, ففي دراسة كلاسيكية حول السياسة الامريكية وجد المحلل السياسي اوبرت دهسل ان الطعام, الحب, الجنس, العائلة, العمل, المأوى, الراحة والصداقة وليس (السياسة) هي الشغل الشاغل لدى معظم الناس. ولا يمكننا في الواقع تجاهل هذه الحقيقة فقد ذكر الصحفي نيكولاس ليمان في مجلة (نيويورك تايمز) ان الحكومة تسعى لراحة الناس, وكتب ايضا بأن الناس لديها قناعة تامة بأن الحكومة الامريكية تولي الطبقة المتوسطة جل اهتمامها لان هذه الطبقة ذاتها ليس لديها ادنى التزام سواء من حيث الوقت أو النقود للمشاريع القومية الكبيرة الحجم. لكن هذا الصحفي قد تجاهل تماما حقيقة ان الضرائب الفيدرالية قد سجلت معدلا قياسيا ببلوغها نحو 21% من الدخل القومي, لكن أثار جدلا في الوقت ذاته هو ان القناعات الحالية ترفض المبدأ التقليدي القائم على ان الحكومة تعول على ثقتها التامة بإخلاص وولاء المواطنين وهو الأمر الذي يدفعها لمواصلة المشاريع العامة. الا ان هذا ليس من التقاليد الامريكية في شيء, تلك التقاليد التي اعتادت تاريخيا التركيز على الفردية واثارة الشكوك حول الحكومات. ففي عام 1830 كتب فرنشمان اليكسيس ان الامريكيين يقومون بعلاقاتهم الخاصة وكأنهم يعيشون بمعزل عن العالم الخارجي. وفي عام 1880 ذكر البريطاني جاميش برايس ان الامريكيين يشعرون بحالة أفضل في الوجود الحكومي الأقل, لكنه من الخطأ في الوقت ذاته ان يتم أخذ مسألة تصويت الناخبين كمؤشر لأداء المواطنين صحيح ان نسبة التصويت كانت أعلى إذ كانت تتراوح ما بين 75-80% في القرن التاسع عشر الا ان هذه المقارنة عليها قيود. فوفقا لما يقوله الباحث الاجتماعي مايكل شودسون من جامعة كاليفورنيا في سان دييجو في كتابه الفاخر (الذي يحمل عنوان (المواطن الجيد) ان النساء لم يكن قادرات في السابق على الإدلاء بأصواتهن وذلك حتى عام ,1920 وباستثناء فترة قصيرة جدا بعد الحرب الأهلية, فكثير من الأمريكيين السود لم يكن بمقدورهم ايضا الادلاء بأصواتهم حتى صدر قانون المساواة عام 1965 بالاضافة الى ذلك فان السياسة في ذلك الحين لم تكن ما هي عليه الآن وبخاصة في أعقاب الحرب الأهلية, فقد كان دورها بمثابة ترفيه أو وظيفة معرفية فقد كانت الأحزاب السياسية تنظم الحفلات وترعى الأندية. أما الخدمة البريدية فقد كانت مصدرا خصبا لنشر الوعي السياسي, لكن برغم ذلك كان الإلمام بما يعرف بـ (القضايا) على نطاق ضيق, فقد كان مفهوم السياسة بحسب الملل متأصلا في دعم الفريق والمجموعات الاجتماعية والمشاركة الجماعية, الا ان الاحزاب قد ضعف دورها مع ظهور الاحداث الاجتماعية الأكثر اثارة مثل الأفلام والسينما ولعبة البيسبول. وكان جورج واشنطن اثار تساؤلا هاماً كيف يمكن للشباب الأمريكي دعم بلاده أو الحزب الذي ينتمي له وهو ليس لديه مكتب للجلوس خلفه كي يخدم حزبه. وهنا يكمن السبب الحقيقي وراء انخفاض عملية تصويت الناخبين والمشاركة في الحياة السياسية, فالسياسة أصبحت ترتبط بمردودها المادي من جهة وترتبط فقط بالاضافات الشخصية من جهة ثانية. فالانتخابات تعطي الاتجاهات العامة للحكومة لكنها لا تعني الكثير في الأزمات, والديمقراطية تتطلب رؤيا, أما السياسة فهي عمل حقيقي يتطلب التفرغ الكامل لمراقبة الحكومة ولهذا نستبعد أن يحدث اي ارتفاع في معدلات الناخبين, فالشكوى من حالة اللامبالاة العامة تعكس جرحا عميقا في المشاعر لدى الامريكيين, فنحن لا يمكننا ان نقبل بأن معظم الناس لا يعنيهم ما نقول, ولكن المسألة هي ان الغالبية غارقة في شؤونها الخاصة سواء وظائفهم أو عائلاتهم أو حتى أوقات المتعة لديهم, والسياسيون هم الأكثر تضررا في هذا الايقاع الحياتي!! ومن بامكانه أن يقول انهم على خطأ. * من كتاب (الواشنطن بوست)

Email