رؤية:حقائق اقتصادية في حرب السجائر، بقلم: روبرت صامويلسون

ت + ت - الحجم الطبيعي

ربما نكون الآن في مواجهة توقف مؤقت على الاقل, للحملة المناهضة للتدخين التي استمرت في الولايات المتحدة منذ بداية التسعينات وحتى الآن, فالاتفاق الذي ابرم بين شركات السجائر والادعاء العام الامريكي والذي تقوم بمقتضاه هذه الشركات بدفع حوالي200مليار دولار للولايات المتحدة على امتداد25عاما ربما يضع نهاية للجدل الذي ثار في هذا الشأن . واذا سارت الامور على هذا النحو فان هذه النتيجة ستكون الفائدة الرئيسية من هذا الاتفاق. اما اذا لم يحدث هذا فان الامر لن يعدو ان يكون تقليدا ساخرا للسياسات الحكومية الامريكية الجيدة, فهي تفرض ضريبة ثقيلة على شريحة فقيرة الى حد كبير من السكان, ولا تقدم لهم الا مزايا متواضعة في مجال الرعاية الصحية, ثم انها تعمق حيرة الناس ازاء مضار التدخين. ودعنا نسلم بالمكاسب المحدودة المحتملة في مجال الصحة , فالاتفاق من شأنه رفع اسعار السجائر, ويقدر الخبير في شؤون السجائر مارتن فيلدمان من مؤسسة سالمون سميث بارني ان اسعار التجزئة سوف ترتفع مما متوسطه 2.07 دولار لعلبة السجائر في الوقت الحالي الى 2.90 دولار في عام 2000 والاسعار الاعلى ربما تؤدي الى تقليل عدد المدخنين بنسبة مئوية محدودة من اجمالي سكان الولايات المتحدة. ودعنا نلاحظ كذلك ان هذا الاتفاق يساعد صناعة السجائر, ذلك انه من خلال تقليل خطر رفع القضايا على الشركات فانه يدعم اسعار الجملة التي تتعامل بها. ومع ذلك فان الاسطورة الكبرى في هذا الصراع هي انه لمجرد ان السجائر غير صحية وان صناعتها لا تلتزم بالامانة والوضوح فان من يقفون على الجانب الآخر من خط الصراع لابد بالضرورة من ان يكونوا اسمى على الصعيد الاخلاقي. وفي حقيقة الامر فان من يقفون على هذا الجانب الآخر من خط الصراع, وهم اصحاب الدعاوى القضائية والمحامون والسياسيون ودعاة الحفاظ على الصحة العامة غالبا ما يسعون وراء اهدافهم الخاصة بشكل بعيد عن الامانة والوضوح ويعكس نفاقا وازدواجية جليين, وغالبا ما تعكس دوافعهم انانية صريحة فهم يسعون وراء الكسب الشخصي بالنسبة للمحامين ووراء السلطة والشعبية بالنسبة للسياسيين ولدعاة الحفاظ على الصحة العامة. ليس عجيبا اذن ان النتائج تبعث على الضيق, فالجميع عرف منذ وقت طويل ان التدخين امر خطير. وفي عام 1954 كان 70% من الرأى العام يعتقد ان التدخين (مضر) ويعتقد 42% انه احد اسباب (سرطان الرئة) وبحلول عام 09_D تحولت هذه النسبة الى 96% في الحالة الاولى والى 94% في الحالة الثانية ويعتقد معظم الامريكيين ان المدخنين هم الذين يحددون لانفسهم ما اذا كانوا سيدخنون من عدمه, وفي استفتاء اجرى في عام 1997 سئل من اجري الاستفتاء معهم عمن (الاكثر تحملا للمسؤولية عن الامراض المرتبطة بالتدخين .. المدخنون ام شركات السجائر؟ فقال 76% ان المدخنين هم الذين تقع على كاهلهم المسؤولية الاكبر وقال 17% انها تقع على كاهل شركات السجائر. وينبغي ان تكون القضية المحورية في النقاش هي : الى اي حد يحق للمجتمع ان يعاقب المدخنين على قراراتهم بالتدخين لان هذه القرارات يعتقد انها غير صحية؟ هل ينبغي ان تتم معاقبة المدخنين الحاليين من خلال فرض ضرائب اعلى لردع المدخنين المحتملين؟ ان هذين السؤالين العسيرين يشكلان اختبارا لايمان الامريكيين بالحرية الشخصية في مواجهة الرغبة في حماية الصحة العامة. ولان هذين السؤالين يتسمان بالصعوبة على وجه الدقة فان دعاة الكف عن التدخين حرفوا النقاش الى ثلاث افكار اخرى تتسم جميعها بأنها ملتبسة ومشكوك في امرها. اولا: المدخنون ليسوا مسؤولين عن سلوكهم لان التدخين ادمان. ثانيا: التدخين يؤدي الى تكاليف اجتماعية باهظة, وبصفة اساسية يفضي الى انفاق اعلى على الرعاية الصحية, وهي تكاليف يدفعها غير المدخنين من خلال الضرائب الاعلى. ثالثا: ينبغي معاقبة صناعة السجائر واجبارها على تعويض غير المدخنين عن التكاليف الاجتماعية الباهظة المترتبة على التدخين. وحتى اذا كان التدخين ادمانا, فان الناس يستطيعون بمزيد من المعاناة والعمل الشاق التخلص من ادمانهم. وهناك الآن مدخنون سابقون يفوق عددهم عدد المدخنين الحاليين. اما فيما يتعلق بالتكاليف الحكومية الاكثر ارتفاعا فان الدراسات قد اظهرت انه بسبب وفاة المدخنين في وقت مبكر مقارنة بغير المدخنين فانهم يوجدون للحكومة وفورات في التكاليف المتعلقة بالتقاعد والرعاية الصحية في سن متقدمة. ولكن لنفترض ان المدخنين يفتقرون الى الارادة الحرة وانهم زادوا التكاليف بالنسبة للحكومة, فانه مع ذلك ليس بمقدور صناعة السجائر ان تدفع هذه التكاليف والا تعرضت للافلاس, وقد تعين على الدوام ان يجيء المال من المدخنين عبر اسعار السجائر الاكثر ارتفاعا, وهو ما يعادل الزيادة في العبء الضريبي. وغالبا ما يحجم دعاة الكف عن التدخين عن مناقشة هذه الحقيقة لان عواقب مثل هذه المناقشة ستكون وخيمة على موقفهم فالمدخنون يحصلون على دخول منخفضة ويقدر ان 20% من الضرائب المفروضة على السجائر يدفعها من يزيد دخلهم على 50 الف دولار ويقدر ان 34% فقط منها يدفعها من يقل دخلهم عن 20 الف دولار, وحوالي 19% يدفعها من يتراوح دخلهم بين 20 الف دولار الى 30 الف دولار. وفضلا عن ذلك فان المدخنين يدفعون ضرائب باهظة على السجائر تفرضها السلطات الاتحادية والولايات ويصل متوسطها الآن الى حوالي 58 سنتا لعلبة السجائر الواحدة وهذا من شأنه ان يغطي ويزيد اي تكاليف عامة محتملة يمكن ان تترتب على التدخين. وكنتيجة لهذا فان الحملة المناهضة للتدخين تصبح ترتيبا عكسيا لما كان يقوم به روبن هود, فهي تثقل كاهل الفقراء بالضرائب, وتسلبهم اموالهم لتدفعها للاغنياء واتفاق الادعاء الامريكي العام مع شركات السجائر يكرس هذا الوضع. والاثرياء, بالطبع هم اصحاب مكاتب المحاماة الخاصة الذين يمثلون الولايات في القضايا المرفوعة على شركات السجائر. والاتفاق يسمح بدفع مبالغ تصل الى 500 مليون دولار في صورة اتعاب سنوية الى عدة مئات من المحامين وفي اقصى الحالات الى عدة آلاف منهم. الى متى سيستمر هذا الوضع؟ المحكمون هم الذين سيقررون طبيعة الرد على هذا السؤال, فقد تحول الخلاف حول السجائر الى برنامج رفاه ربما يؤدي الى تحول البعض الى اصحاب مليارات الدولارات وربما اصحاب ملايين عديدة منها. ولانه مامن شىء من هذا كله يمكن الدفاع عنه, فانه يتم تمويهه, ولاسباب تتعلق بالصالح الخاص فان دعاة الكف عن التدخين لا يوضحون صراحة الخيارات العامة المطروحة. وفيما يتجاوز فرض الضرائب على المدخنين للحد من التدخين فان السياسيين يريدون الابقاء على الضرائب وليس تخفيضها. ويسعى دعاة الصحة العامة الى المزيد من الاموال لاستخدامها في برامج رعاية الحيوانات الاليفة, ويتوق المحامون الى مراكمة الاموال الناجمة عن الحصول على اتعابهم , وكل هذا يتم في غمار عملية تلاعب بارعة بالمحاكم والقوانين, وقد احتضن الرأي العام الذي لم يتم ايضاح الامور له هستيريا الكف عن التدخين وساعدته في ذلك صحافة تجيد التقاط اطراف الخيوط. ولان حملة الكف عن التدخين قد نجحت فانها ستؤدي الى شن هجمات على صناعات اخرى, وليس بمقدورنا ان نحدد الهدف الذي ستطلق عليه الحملات المقبلة فقد يكون صناعة السيارات او صناعة الاغذية الدسمة او التكتيكات التي ستستخدم في هذه الحملات ولكن المسألة تظل مسألة وقت في نهاية المطاف قبل ان تنطلق هذه الحملات.

Email