آفاق اقتصادية:شركات البورصات ومشكلاتها المزمنة، د. محمد ابراهيم الرميثي

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعتبر القاعدة التشريعية والقانونية حجر الأساس في أي اقتصاد, فاذا كانت تلك القاعدة قوية ومتينة أوجدت نوعا من الثقة والمصداقية بين أفراد المجتمع على مستوى القطاع الأسري وعلى مستوى قطاع الأعمال, كذلك في كافة المعاملات الاقتصادية والتجارية والمالية . ان حماية الاستثمارات والمستثمرين أمر ضروري للغاية وهو روح الانشطة الاقتصادية. ومن هذا المنطلق نجد ان الدول الصناعية تستطيع حماية استثماراتها في كافة دول العالم, في حين تعجز الكثير من الدول حديثة العهد بالتصنيع عن حماية استثماراتها حتى في داخل الدولة ذاتها. وما أدل على ذلك مما حدث في دول جنوب شرق آسيا وما يحدث عندنا في دولة الامارات في قضايا بورصات المضاربة بالعملات الاجنبية. والحقيقة ان المتمعن في قضايا هذه الشركات يرى آثارها واضحة في المجتمع. فهاهم الافراد الذين خسروا أموالهم في تلك البورصات يعانون من ضائقات مالية, وبعضهم وصلت أوضاعه المالية الى درجة من السوء لا يمكن تصورها. ولقد بدت الدولة عاجزة عن حماية هؤلاء المستثمرين. وأنا أقول الدولة هنا لأنها هي التي تتحمل العبء الأكبر من المسؤولية, حيث ان المستثمر وجد أمامه فرص استثمار تقدمها شركات تم ترخيصها من قبل الدولة فأقبل على الاستثمار بها نظرا لثقته بالدولة. نحن نتوجه بسؤال هنا الى المصرف المركزي فنقول اذا كان هناك ترخيص من البلدية لمحل ما لممارسة نشاط خياطة ملابس نسائية فهل يحق لصاحب ذلك الترخيص ان يبيع خضروات وفواكه؟.. الاجابة بالطبع سوف تكون (كلا) . واذا أقدم صاحب ذلك الترخيص لاستخدام الرخصة في ممارسة نشاط لم يرخص له بممارسته فسوف يتم معاقبته بعقوبة قد تصل إلى مصادرة الترخيص ذاته احياناً نظراً لمخالفته للقوانين الاقتصادية. هذا بالضبط ما يحدث الآن مع الشركات التي تدعي وتوهم الناس بأنها تضارب في العملات الأجنبية وتستثمر الأموال وتحقق أرباحاً خيالية. فالمصرف المركزي يصر على انه رخص لهذه الشركات بممارسة مهنة الوساطة المالية فقط وهي التي خرجت عن نطاق النشاط المرخص لها بمزاولته فأصبحت تمارس أنشطة لم يتم الترخيص لها بممارستها ومن تلك الأنشطة: 1 ــ قبول الودائع الاستثمارية من العملاء. وهذا تخصص البنوك. 2 ــ المضاربة بتلك الودائع في اسواق العملات الاجنبية. وهذا لا يدخل في اطار الترخيص كذلك. وذلك لأن هذا النشاط هو من اختصاص وسطاء العملات الاجنبية وليس وسطاء الاسهم والاوراق المالية. 3 ــ تحويل الاموال إلى الخارج لغرض المضاربة بها. وهذا النشاط لا يدخل في اطار الترخيص كذلك. 4 ــ التعامل مع البنوك الاجنبية بصفتهم مضاربين بالعملات الاجنبية ولم يرخص لهم أحد بذلك. نحن نقول لماذا لا تكون هناك رقابة على انشطة هذه الشركات بصفة مستمرة من قبل المصرف المركزي بصفته جهة الاشراف والرقابة على النظام المصرفي والنقدي في الدولة, وهذه الشركات تعتبر عنصراً من عناصر النظام النقدي والمصرفي. ولماذا لا يعاقب المصرف المركزي هذه الشركات على مخالفاتها للترخيص الذي أعطى لها؟.. ولماذا لا يدقق ويراجع حساباتها لكي يحمي استثمارات العملاء في هذه الشركات؟ ولماذا لايلزم المصرف المركزي تلك الشركات برد رؤوس الأموال الى أصحابها؟ ولماذا لا يسحب المصرف المركزي التراخيص من تلك الشركات ويصادرها؟ تدعي تلك الشركات بأنها مرخصة من قبل المصرف المركزي وتستغل هذه النقطة استغلالا ماكرا حيث تستطيع ان تصطاد العملاء بذلك الطعم الرخيص فيقع من ضحاياها الكثير الكثير. لقد انتهكت هذه الشركات كافة القوانين والأعراف واستغلت المستثمرين ذوي الخبرات البسيطة في مجال المضاربات والذين لا يعون أصلا تلك المضاربات ومخاطرها ونهبت أموالهم بطرق ماكرة خادعة. ولقد كتبت الصحافة عن هذه الشركات بما فيه الكفاية. غير أننا لا نجد على أرض الواقع حلولا عملية لقضايا المتعاملين تجاه هذه الشركات. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل المجتمع بحاجة فعلا الى مثل تلك الشركات؟ وهل يعتبر بقاؤها واستمرارها ضروريا؟ ولماذا لا تظهر هذه الظاهرة في دول الخليج العربية الاخرى؟ نحن نرى ان مثل هذه الشركات لاتقدم للمجتمع أية خدمات أو أعمال أو استثمارات مفيدة. بل على العكس من ذلك فهي تستنزف رؤوس الاموال وتصدرها الى الخارج للمضاربة بها وأضرارها على الاقتصاد كثيرة جدا. فلماذا لايتم اغلاقها ومنعها من ممارسة تلك الانشطة أو ايجاد أرضية تشريعية في قانون البورصة الجديد ينظم نشاطها.

Email