رؤية:بيل جيتس رمز أم خارج على القانون

ت + ت - الحجم الطبيعي

ان المأساة الواقعية للدعوى المرفوعة ضد مايكروسوفت والخاصة بعدم الثقة, ليس لها علاقة بعالم السوفت وير أو الانترنت, وإنما ترتبط بالسمعة والوضع الاجتماعي. كما انها تثير نوعا من الجدل حول الشأن الأمريكي نفسه.. تاريخه وقيمه . فمنذ سنوات قليلة مضت, كان بيل جيتس ومايكروسوفت من الرموز الأمريكية القادرة على الريادة وتقديم تكنولوجيا غير مسبوقة, أما الآن فإنهما على المستوى العالمي مثل الخارجين على القانون الذين جمعوا ثرواتهم من الرذيلة والمنافسة غير المشروعة. صحيح ان مايكروسوفت تنفي اتهامات عدم الثقة, كما انها تشن حملة لتعبئة الرأي العام لصالحها, وبالنسبة للعديد من مدراء شركات الكمبيوتر فإن القضية قد تمت تسويتها بالفعل, الا ان بيل جيتس لايزال يبدو كالثور الذي يهاجم منافسيه بكل الوسائل الممكنة, ومع ذلك لاتزال القضية مطروحة في أوساط الرأي العام وذلك نظرا لأنها تمس مشاعرنا المضطربة بشأن اللهث خلف الربح والثروة. وغالبا ما ينظر الامريكيون لمسألة تجميع الثروة كاشارة وعلامة على النجاح, ولعل السبب يعود في ذلك الى ان الثراء يؤكد ايماننا بفكرة العمل الجاد والفرص الفردية. وفي استطلاع للرأي أجرته مؤسسة (سي.بي.اس) للأنباء, طرحت على الجمهور السؤال التالي: هل تعتقد انه من الممكن ان يعمل الفقراء بجد ونشاط حتى يصبحوا أغنياء؟.. 78% من المقترعين أجابوا بنعم, و18% أجابوا بالنفي. بيد ان الثروة الطائلة هي محل شك دائما, ففي كتابهما المعنون (اتجاهات نحو عدم المساواة الاقتصادية) ذكر كارل لاد وكارلين باومان ــ وهما من محللي الرأي العام ــ ان الامريكيين يعولون كثيرا على المال, وان ثلثي المجتمع الامريكي يعتقد ان الاثرياء (استخدموا ثرواتهم في حماية مصالحهم ومناصبهم في المجتمع) . وغالبا ما يتحدد موقفنا تجاه ثروات الاشخاص بناء على حجمها, فثروة قيمتها مليار دولار مثلا تثير التساؤلات. ومؤخرا أعدت مجلة (هيريتاج) الامريكية قائمة بأغنى 40 مواطنا أمريكيا, وتقارن هذه القائمة بين ثروات الاربعين مواطنا ومستوى الأداء الاقتصادي في الفترات التي عايشوها. وجاء على رأس هذه القائمة هؤلاء الخمسة, وتم تقدير ثرواتهم بالأسعار الحالية: 1ــ جون د. روكفلر (1839 ــ 1937) 190 مليار دولار, من تجارة النفط. 2ــ آندرو كارنيج (1835 ــ 1919) 101 مليار دولار, من تجارة الحديد. 3ــ كورنيلياس فاندربيلت (1794 ــ 1877) 96 مليار دولار, من تجارة السفن وقضبان السكك الحديدية. 4ــ جون جاكوب آستور (1763 ــ 1848) 78 مليار دولار, من تجارة الفراء والعقارات. 5ــ بيل جيتس (1955 ــ ....) 62 مليار دولار, من تجارة برامج الكمبيوتر. ويقول الكاتب الامريكي جون ستيلي جوردون في مجلة (هيريتاج) ان الرسوم الكاريكاتيرية في القرن الماضي دأبت على تصوير الاثرياء في صورة كريهة باعتبارهم من الاحتكاريين بالنسبة للشعب ورجال السياسة على حد سواء. بيد ان هذه الصورة النمطية للأثرياء كانت في أضيق الحدود ولم تكتسب أرضية واسعة بين الجمهور. فأصحاب هذه الثروات السوبر قاموا برفع مستوى المعيشة من خلال ضغط النفقات وتوسعة الاسواق, فعلى سبيل المثال قام روكفلر بتخفيض أسعار النفط من خلال تأجير وسائل نقل خاصة به, وقام كارنيج بتحسين نوعية الحديد وتخفيض أسعاره. وكان أحد الأسباب الجوهرية لنجاحهم هو الرغبة في الاستحواذ ومعاملة لا تعرف الشفقة للمنافسين, وعندما قام فاندربيلت برحلة على سفينة له الى أوروبا, عاد الى بلاده وخاطب أقرانه قائلا: (أيها السادة.. لقد قمتم بخداعي.. ولن أقاضيكم, ذلك ان اجراءات المحاكمة تستغرق وقتا طويلا.. ولذا فسوف أحطمكم) . وبالفعل تم له ما أراد من خلال تخفيضه لأجور الشحن. وعلى الدرب نفسه سار بيل جيتس, غير ان المثير هنا هو ان القائمة ضمت اثنين من الاربعين ثريا لايزالان على قيد الحياة وهما وارين بونيت (رقم ,13 وبثروة قدرها 34 مليار دولار), وبول آلان أحد مؤسسي مايكروسوفت (رقم 22 في القائمة, وبثروة قدرها 25 مليار دولار). والآن.. هل ينتاب أي واحد منا الشك في ان جيتس يحب ان يمحو كل منافسيه في السوق؟ ان سلطان ونفوذ مايكروسوفت في السوق لا يتفقان مع وجود منافسيه الذين من الممكن ابادتهم. بيد انه حتى وقتنا الراهن لايزال معظم الامريكيين ينظرون باعجاب لبيل جيتس. وفي استفتاء أجرته صحيفة (واشنطن بوست) أرجع 50% من المقترعين نجاح مايكروسوفت الى منتجاتها الطيبة, في حين أرجع 22% هذا النجاح الى ممارسات غير شرعية لمايكروسوفت. وتهدف قضية عدم الثقة المرفوعة ضد جيتس الى اظهاره كشخصية من شخصيات القرن الماضي. وربما تنجح القضية في ذلك. الا ان المواصفات الفكرية التي يتقاسمها جيتس مع أثرياء القرن الماضي قد تجاوزت تاريخيا المبادىء الاقتصادية نفسها, وهنا يثور صراع آخر بين قلب وعقل الامريكان, ذلك انهم يهتمون ويبرهنون بالنتائج أكثر من اهتمامهم بالاشخاص الذين قاموا بتحقيق هذه النتائج. خدمة الواشنطن بوست بقلم: روبرت صامويلسون

Email