رؤية اقتصادية: ضريبة الالمنيوم لا عولمة داخل العولمة! بقلم- د. ابراهيم عمر التني

ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك عولمة, وهناك اتفاقية لتحرير تدفق السلع والخدمات ورؤوس الاموال في العالم. وعلى اتجاه معاكس ومناقض تماما, هناك تشرنق وانغلاق , ومحاولات لجعل العولمة موجهة نحو خدمة مصالح قطرية واقليمية معينة, وجعل تحرير تدفق رؤوس الاموال يصب ايضا في خدمة مصالح معينة, اما بشكل مباشر لتحقيق مكاسب مالية, او بشكل غير مباشر بتعويق جهود التنمية في الاقتصادات الناشئة لجعل التدفق المتجه نحوها تدفقا يعنى بالانشطة غير الانتاجية, ويهتم بالمضاربات, وترك الحقائب جاهزة لتدفق معاكس في أية لحظة, مما يصيب الاقتصادات الناشئة بالهزات, وما نموذج النمور الجريحة في شرق آسيا ببعيد عن انظارنا. هناك لا عولمة داخل العولمة, ويبرز هذا بجلاء, على سبيل المثال, في قيام دول الاتحاد الاوروبي بفرض ضرائب على وارداتها من الالمنيوم, والاتجاه الى فرض ما يسمى بضريبة الكربون على ورادات النفط, زعما بأنه ملوث للبيئة. الثابت ان هذه التوجهات تشكل تحديا صارخا وتجاوزا لما ينبغي ان تكون عليه صفات التعاون الدولي, وفي جعل العولمة التي تتسع مظلتها بفعل ثورة المعلومات عولمة واجبات وعولمة حقوق في الوقت ذاته. الدول المنتجة للالمنيوم تلجأ الى دول الاتحاد الاوروبي لشراء آلات ومعدات باهظة الثمن لتطوير الانتاج لديها, وفي ذلك فائدة قصوى تجنيها الاخيرة ومنها ما يعاني من معدلات بطالة عالية ومن ركود تضخمي, ومن عجوزات في الموازنات السنوية وكان يتعين على هذه الدول ان تتعامل بالمثل في عدم التمييز عن شراء منتجات الالمنيوم, خاصة وان الدول المنتجة وعلى رأسها دولة الامارات تشكل شريكا تجاريا يفتح المنافذ بحرية السوق متكاملة نحو تدفق بضائع وخدمات دول الاتحاد الاوروبي, رغم ان العجز التجاري هو السمة الغالبة ولصالح الاخيرة في الميزان التجاري التبادلي بين الجانبين. ان الضرائب على الالمنيوم تشكل تحديا صارخا للدول المنتجة, التي سعت لتوجيه عوائدها النفطية نحو قيام صناعة مفصلية تعطي مخرجا طيعا شديد المرونة, والقابلية للتشكيل, واصبح بديلا لمواد خام أخرى تقليدية, كما انه يستجيب لمتطلبات عالم ما بعد الصناعة, عالم التقنيات الحساسة والرفيعة معا. لقد عملت الدول المنتجة على تطوير صناعة الالمنيوم, اما لان القاعدة الانتاجية لديها تتسم بالضيق ويهيمن عليها النفط ومشتقاته, او لانها قطعت شوطا طويلا في تطويرها كصناعة تسهم في تنويع هيكلها الانتاجي, وتدر عليها دخلا يوظف في تفعيل جهودها لتطوير القطاعات غير النفطية, وهو رهانها لولوج القرن الحادي والعشرين. ان فرض ضرائب على الالمنيوم كذلك التوجه نحو فرض ضرائب على النفط, امر يتعارض تماما مع توجهات ومضمون اتفاقية جات. ولعل من الضروري اللجوء الى قرارات كبيرة لوقف هذه الهجمة. ومن الملائم استغلال العضوية الكاملة للامارات في منظمة التجارة العالمية لطرح هذه المسألة للنقاش, والعمل كذلك على تنشيط وتحقيق فكرة قيام منظمة تجارة حرة مع دول الاتحاد الاوروبي على مستوى خليجي, وايضا استباق الامور ومحاولة جعل النفط سلعة يتم التحاور حولها ضمن الاتفاقات التجارية العالمية, لان هذه الاتفاقات لا ينبغي ان تكون نصوصا نهائية غير قابلة للتطوير, حيث تجدر الاشارة إلى عدم اشتمال اتفاقية جات على معالجة لسلعة النفط, رغم اهميتها للدول المنتجة والمستهلكة على السواء. اذن المعالجة جديرة بأن ينظر اليها من زوايا الاجراءات قصيرة ومتوسطة المدى, مثلما يتعين ان تتخذ المعالجة ابعادا طويلة المدى, وضمن منظور اشمل من مجرد الحركة القطرية لدولة الامارات, وانما كذلك من منطلق التعاون الخليجي حيث ان الفرصة لاتزال سانحة وبمقتضى اتفاقية الجات لقيام اتحاد جمركي وتكتل اقتصادي خليجي شبيه بالتكتلات الاقتصادية التي قامت في العالم للتمتع بالاستثناءات والمزايا التي حفلت بها اتفاقية الجات بالنسبة للتكتلات, بما دفع العديد من الدول لانشاء مثل هذه التكتلات وبعضها لا يملك غير سمة الاطلالة على محيط مشترك, في حين ان عوامل التكتل ولبناته وافرة بحق في نموذج المنطقة الخليجية. ان الدول الصناعية الكبرى هي اول من يلجأ إلى منظمة التجارة العالمية محتجا وشاكيا على ما يراه تجاوزا في التعامل التجاري الدولي ومناقضا لروح اتفاقية جات لتحرير تجارة السلع والخدمات (نموذج امريكا ــ اليابان, وامريكا ــ الصين) ولكن هذه الدول من جهة اخرى تلجأ إلى اجراءات مناقضة تماما لما تطالب به, ونموذج الضرائب على الالمونيوم أنصع دليل على ذلك. ان فرض الضرائب على الالمنيوم مسألة في غاية الخطورة, ليس لان الامر يتضمن ضياع عائدات مالية, وانما لان الامر قد يخمد أو يهدد تطلعات الدول المنتجة لبناء اقتصاد غير نفطي يعتمد على تنويع قاعدة الانتاج, وهو توجه استراتيجي بعيد المدى تنطلق منه الخطط الطموحة المطروحة في المنطقة.

Email