وراء الأخبار: سوق الأسهم... مؤشرات على الطريق:بقلم- كامل يوسف

ت + ت - الحجم الطبيعي

يميل المسؤولون المصرفيون البارزون والمختصون في مجالات الاستثمار في سوق الاسهم والباحثون في القضايا المتعلقة بحركة هذه السوق الى الحديث من خلال الارقام, وهم نادرا ما يغامرون بالخروج من تحت مظلة ما هو قائم ويمكن رصده رقميا الى استشراف ما سوف يأتي به الغد, وبالتالي فهو موضع تقدير قد يصيب كبد الحقيقة وقد يجافيه التوفيق . وإذا كانت تلك هي القاعدة الذهبية, التي يشكل حضورها استمرارية قلما نشهد خروجها عنها, فإن (البيان) حظيت مع قرائها بمعطيين ثمينين يؤكدان القاعدة من ناحية, ويشيران من ناحية اخرى الى وجود الاستثناء الذي يعبر عن جرأة في التقدير, وفي الوقت نفسه عن توزان دقيق في تقويم المتغيرات. اننا نتحدث هنا عن الحوار الذي اجرته (البيان) مع شهاب قرقاش, مدير الخدمات الاستثمارية والتطوير التجاري ببنك الامارات الدولي, وعن المقال الذي نشرته للباحث الاقتصادي عبدالله شرفي بعنوان (حملة الاسهم في الامارات يخوضون تجربة سوق متراجعة) . والحوار والمقال, في اعتقادنا, جديران بأكثر من قراءة معمقة, وعلى أكثر من صعيد. وما نحاوله هنا هو ان نفكر ــ معا ــ بصوت عال في ضوء الزاد الفكري القيم الوارد فيهما معا. ومسار هذا التفكير مع القراءة يمكن ان يقودنا الى المحطات التالية. حرص شهاب قرقاش على ان يرد, باسما, عن السؤال عن توقعاته لحركة السوق في المدى القريب بأن رؤيته تظل اجتهاده النابع مما يغلب على ظنه انه سيحدث, لكن ما قاله بعد ذلك كان جديرا بأن نهتم به, نحلله, نصغي اليه, ونتدبره طويلا, فقد توقع ان تظل السوق ماضية باتجاه المزيد من التصحيح, وخاصة بالنسبة لأسعار الاسهم التي بولغ فيها, ولكنه شدد في الوقت نفسه على ان أسوأ الايام قد انقضت, وحذر من انه بعد عام من الآن قد ننسى الدروس المستفادة من سلبيات التطورات التي شهدتها السوق. لم يكن من قبيل الصدفة ان يتحدث قرقاش عن سهولة تنفيذ البورصة, في غضون عدة اشهر وبميزانية محدودة, فعلى الرغم من التحفظات القائمة والدعوة الى المزيد من الدراسات والخطوات التمهيدية, الا ان الحقيقة هي ان تطورات الفترة الماضية تؤكد أن الأوان قد آن بالفعل لانطلاق البورصة, وان الخطوات التمهيدية, كالهيكل القانوني, هي امور تدخل في حيز امكانية التنفيذ. ليس هناك رجل استثمار بارز الا ويتحمس لانطلاق السوق ونموها, وهو الحماس الذي يطل على القارىء من خلال اصداء كل كلمة قالها مدير الخدمات الاستثمارية والتطوير التجاري ببنك الامارات الدولي, ولكن هذا الرجل المتحمس نفسه كان حريصا على ان يكون الرائد الذي لا يكذب اهله, وان يضع النقاط على الحروف, ببساطة, ووضوح, وأمانة, فيقول: (في نهاية المطاف لابد من اختلاق القيمة في التعاملات, بينما سوق الاسهم ليست فيها قيمة مضافة بالنسبة للاقتصاد, انها تنمو حقا. ولكن ما هو الناتج؟ انه مجرد صعود في الاسعار. ولكن التداول يكون في الاسهم نفسها لا غيرها... في نهاية المطاف لا يمكن لشعب بأسره ان يغدو مجموعة من تجار الاسهم) . الباحث عبدالله شرفي يتوقع بدوره الا تغيب دروس التجربة عن المتعاملين في سوق الاسهم, فيرى ان هؤلاء المتعاملين سوف يصبحون اكثر حذرا في المستقبل, في ضوء خوضهم لغمار تجربة سوق متراجعة, وهي تجربة كان معظمهم يفتقرون اليها. ويضع شرفي أمامنا مجموعة من الارقام الجديرة بقراءة متأنية, فهو يوضح ان 3.8 مليارات درهم من المبلغ الاجمالي الذي جمع عبر سندات (ريسرجنت إنديا بوند) جاء من مستثمرين في الامارات, وانطلق الى خارجها في اقل من 20 يوما, وهو ما يعادل 2% من اجمالي الناتج المحلي للامارات في 1997 وحوالي 14% من الميزانية الاتحادية. والارقام لا تقف هنا, وانما نقرأ ان سوق الاسهم المحلية خسرت خلال 28 يوما, تبدأ بــ 24 اغسطس الماضي, وتنتهي في 21 سبتمبر, 16.5 مليار درهم اي 9% من قيمة السوق في 24 اغسطس, وهو ما يزيد على 75% من الميزانية الاتحادية لعام 1998. ويبقى ان نرى في المستقبل القريب, استفادة حقيقية من تطورات هذا الصيف الساخن, ونأمل ألا يتحقق ما تم التحذير منه, وهو انه بعد عام من الآن ستكون الدروس التي تم تعلمها بهذا الثمن الباهظ وهذه المعاناة الحقيقية قد مضت الى رحاب النسيان.

Email