اتجاهات مالية: مابعد السقوط: بقلم- أوزموند بلامر

ت + ت - الحجم الطبيعي

انقضى الامر فهل آن اوان الشراء؟ وما الذي حدث على اية حال؟ ولماذا حصل كل ذاك في المقام الاول, وسوف تغرق الصحف في هذه الآونة في متاهة تحليل واستيعاب ما افرزه الواقع من معطيات جديدة وتعكف دهرا طويلا على دراسة صواعد ونوازل السوق الذي ابدى من بداية الاسبوع الماضي اتجاها متطرفا في شطحات هبوطه الحاد في ذات الوقت الذي اتسمت فيه قوة صعوده بالعنفوان . من العسير التزام الدقة في تفسير وتقييم ما حدث, غير ان بعض اللوم فيما يبدو يقع على ما شاعت تسميته بالصناديق الاحتياطية, اما لماذا سمح لهذه الصناديق بالاحتفاظ باسمها ذاك حتى الآن فلغز لم اوفق الى حله بعد, وليس في وسعي سوى ان افترض كونها امتدادا لنهج التصحيح السياسي الذي توغلت طلائعه في عالم المال, ولعل الاصح ان نطلق على تلك الصناديق اسما افضل واليق بها وهو: صناديق التكهنات الدائمة التأهب, وكما يظهر لي, فإن مثل تلك التسمية البديلة تبدو فجة وكان من شأنها ان تروع المستثمرين وتثير كوامن فزعهم, لذا عدلت ادارة التسويق عنها وقصر قرارها على اطلاق اسم الصناديق الاحتياطية عليها, ويذكرني هذا بمشهد من ايام زمان, حين انتشر حشد مهول من استديوهات (صورة في ساعة واحدة) التي كان يستغرقها ساعتان لتحميض الفيلم وطبعه. ما علينا, ولندع جانبا معظم تلك التفاصيل ولنتناول طريقة الصناديق الاحتياطية في الاستثمار وهي اقتراض ما يفوق بعشرة اضعاف قيمة اصولها ثم السعي وراء عائدات غاية في الدسامة, ولقد دأبت تلك الصناديق مؤخرا على جني مثل تلك العائدات من خلال السندات الروسية, التي كانت تغدق على مستثمريها عائدات اكبر ومن خلال عملة كان الكل يعتقد ان صندوق النقد الدولي يدعمها. وحالما بدأت تلك العملة بالتراجع شرعت تلك الصناديق بالبيع. وكلما مضت شوطا في عمليات البيع تدهورت السوق واستفحل انهيارها تحت وطأة كثافة البيع, ومع تزايد حدة هبوط السوق جابهت الصناديق الاحتياطية هجمات شركات التأمين على اصولها, مما ارغمها على بيع كل ما يمكنها بيعه لتغطية هذه المطالبات, وبدأت آثار تضخم تلك العمليات تنعكس على الاسواق الاخرى, وتمكن متابعة الفصول الختامية من الحكاية عبر اي جدول بياني يرصد حركة سوق نيويورك او لندن, وكان أولئك المستثمرون ذاتهم الذين أشعلوا عام 1994 فتيل انهيار أسواق السندات العلة الجوهرية والسبب الكامن وراء المشاكل التي نجمت. التاريخ يعيد نفسه ولطالما جاد بالموعظة الدهر كله, الا ان احدا لا يصغي لنصح التاريخ. ويثور الحديث الآن عن ركود عالمي واندلاع أزمة تتضاءل ازاءها كل ما عرفته البشرية من أزمات منذ الثلاثينات. ولعل من الصواب الاقرار بأن هذا امر وارد رغم ضعف احتمالاته. وكان يمكن لإعصار أزمة آسيا ان يهجع ويخفف غلواءه الى حد بعيد لو ان اليابان أبدت تصميما على خوض المعركة الفاصلة واستئصال سرطان ازمتها المصرفية والخلاص منها الى الابد وتحمل مسؤولياتها باعتبارها اعظم اقتصاديات آسيا وثاني اكبر اقتصاديات العالم. فإذا نسجنا على هذا المنوال من التحليل اقصينا شبح سقوط العالم في هوة الركود الا في حالة اساءة سياسة الاقتصاد الامريكي. ورغم ان من الصواب التسليم باحتمال انكماش نمو اجمالي الانتاج المحلي في الولايات المتحدة الا ان هذا الاحتمال محسوب حسابه الى حد ما في الاسواق. وزخم نمو الاقتصاد الامريكي ما زال في أوج عنفوانه ونمو الاقتصاد الاوروبي اشد قوة من نمو الامريكي. ولن يلجم اندفاع هذا النمو وحيويته سوى تضافر شؤم الطالع مع التدبير الاخرق للامور وتخبط الحكومات الغربية في سياستها. وتآمر هذه العوامل مجتمعة هو وحده الذي يخشى معه انزلاق العالم الى ويلات الركود. ولدى العالم القدرة على النهوض من كبوته بعد السقوط في الهوة وينبغي عليه الا يتقاعس في محاولة الخلاص. لذا فإن الوقت قد حان بالنسبة (لما زال يدعى بــ) الاسواق الصاعدة لتواجه الحقائق وتشدد رقابة الضبط والربط على أمورها المالية في القطاعين العام والخاص. وليس هذا اوان سد المنافذ والهرولة الى الانغلاق على الذات وإطلاق العنان للنواح والعويل والاشارة باصبع الاتهام المذعور الى البعبع الرهيب المجهول. نائب رئيس لويدز بنك*

Email