اتجاهات مالية: التسعير وسلبياته: بقلم - اوزموند بلامر

ت + ت - الحجم الطبيعي

ضجت وسائل الاعلام بشتى صورها وقنواتها بالشكوى مؤخراً من ارتفاع أسعار الايجار وخاصة في أسواق العقارات ذات الدخلين المتوسط والمنخفض ومبعث الشكوى ارتفاع اسعار الايجار بصورة جنونية (من 15 الى 25% خلال العام الماضي), ناهيك عن ان اصحاب العقارات لا يقدمون خدمات افضل نظير الزيادة في الايجار. وكما هو الشأن غالباً في هذا الجزء من العالم فإن الاصوات ترتفع من جهات عدة مناشدة الحكومة التدخل ولجم الجموح وتحديد الأسعار. الا ان هناك امراً ينبغي ان نوليه اهتماماً مطلقاً ففي الغالبية العظمى من الحالات لم يتمخض التدخل الحكومي لتسعير اي سلعة, في اي بلد وتحت اية ظروف الا عن احدى نتيجتين: اما ظهور السوق السوداء او حدوث عواقب لم تكن في الحسبان, او الاخفاق على المدى البعيد في السيطرة على غلاء الاسعار, ودولة الامارات ليست استثناء في هذا السياق. ان السوق يعج برسائل متناقضة فمن جهة هناك تعهدات قدمتها حكومة الامارات العربية المتحدة لمنظمة التجارة العالمية بفتح الأسواق (بما فيها سوق العقارات) بحلول عام 2005 ومن جانب آخر تبدو هناك علامات على الاتجاه نحو سن قوانين جديدة تحد من ملكية العقارات وادت القيود والتنظيمات الاخيرة الى قيام سوق سوداء في القطاع العقاري المحلي, ولعلنا لا نذيع سراً اذا ذكرنا ان كثيرا من العقارات المحلية مسجل باسم ملاك يتصرفون لحساب غير المواطنين. وقد قاد غموض هذا الوضع وما صاحبه من توقعات بفتح الاسواق الى موجة صعود حاد في الاسعار تجاوز الحدود المعقولة وبلغ درجة لا يمكن للسوق المفتوح تحملها. وفي السوق المفتوح امام الملكية تصبح العقارات مجرد خيار من بين خيارات كثيرة اخرى وعروض الايجار لمدد طويلة حتى ولو كانت تصل الى 999 سنة يمكن ان تباع وتشترى فكل انسان يملك خيار شراء العقار والسكن فيه دون دفع ايجار وعلاوة على ذلك فإن هناك عدداً متزايداً من ملاك العقارات وهناك منافسة شرسة بينهم لملء شواغر هذه العقارات وفي الآونة الراهنة ليس هناك في الامارات سوى عدد قليل من من ملاك العقارات اجمالاً, ومن هنا تبرز سهولة نشوء نوع من الكارتل (الكتلة الاحتكارية) اما مصادفة او وفقاً لتدبير وتخطيط, ويتم لو تكون الكارتل تحديد اسعار ايجار العقارات بصورة غير رسمية, ويمكن السماح بابقاء العقارات شاغرة وتحبيذ اغلاقها على هذا النحو على خفض اسعارها وتأجيرها للناس وفي السوق المفتوح تعمل الزيادة الكبيرة في عدد الملاك على احتدام المنافسة مما يتيح لاسعار الايجار التحرك بشكل يواكب مسار الاقتصاد وعندها يكون جزاء التغاضي عن صيانة العقار القديم تكدس شواغر كثيرة في العقارات ويتسع هامش الاختيار, والاهم من هذا كله سوف يكتسب الاقتصاد قوة ومنعة من جراء ظهور سوق عقاري يتمتع بالمرونة ويستطيع التجاوب مع الظروف الاقتصادية ويتمكن من سياستها وكبح جماحها ففي ظروف الكساد مثلاً, تهبط اسعار العقارات اولاً وبصورة سريعة وتنخفض اسعار الايجار ويكون لدى الناس في هذه الحالة قدرة اكبر على تدبر الأمور والإنفاق مما يسرع في استئناف البلد لنموه وانتعاشه وتجاوز أزمة ركوده. وعلى النقيض, وعلى الطرف الاقصى من الصورة, فإن ابقاء سوق العقارات في ايدي اقلية مختارة من الناس يفسح المجال امام غلاء غير معقول. والسعي للتحكم بالاسعار لن يسفر الا عن تدهور جودة العروض في السوق, اذ ينصب هم ملاك العقارات على الحفاظ على المستوى المبالغ فيه من المداخيل بأي ثمن. وسوف يلقن السوق المفتوح بعض شرائح الناس دروساً قاسية, الا انه سيكون لمصلحة البلد ككل على المدى البعيد. نائب رئيس لويدز بنك*

Email