تحليل اقتصادي: الاقتصاديات الخليجية والسوق العربية المشتركة، بقلم: حسن العالي

ت + ت - الحجم الطبيعي

يكثر الحديث هذه الايام عن انشاء السوق العربية المشتركة واهميتها في تجسيد اواصر التكامل الاقتصادي العربي. الا اننا نريد هنا ان نتناول هذا الموضوع من زاوية دوره في تمكين دول مجلس التعاون الخليجي من تطوير اقتصادياتها الوطنية, وتوطيد التجارة البينية بينها وبين باقي اقطار الوطن العربي, طالما ان امكاناتها على توطيد التجارة البينية فيما بينها لا تزال محدودة . ولننظر في البدء الى هذا الموضوع - اي التجارة الخليجية البينية - حيث تكفل الاتفاقية الاقتصادية الموحدة تبادل المنتجات والاعفاء من الرسوم الجمركية والعمل على وضع حد ادنى لتعرفة جمركية تطبق تجاه العالم الخارجي. كما تكفل الاتفاقية تسهيلات لمرور البضائع بطريقة العبور وتنسيق السياسات والعلاقات التجارية تجاه الدول الاخرى والتكتلات والتجمعات الاقتصادية. كل ذلك من شأنه تشجيع التجارة البينية الخليجية وتوسيع السوق ومن ثم تشجيع مساعي الدول الخليجية الى تأسيس الصناعات الوطنية وتنويع الاقتصاديات. غير ان التجارة البينية بين دول مجلس التعاون لا تزال متواضعة. وكما هو معروف فان احد الاسباب ضعف نسبة التجارة البينية الخليجية هو التركيبة السلعية الخليجية وتشابه السلع المنتجة في بلدان المجلس. ويعزي ضعف التبادل التجاري بين دول المجلس ايضا لوجود معوقات عديدة تقف في طريق انسياب التجارة وتقوم لجنة التعاون التجاري ولجنة التعاون الصناعي بدراستها وتقديم المقترحات لمعالجتها وكما ان عدم اعتماد التعرفة الخارجية الموحدة حتى الآن هو بلا شك عقبة رئيسية وذات تأثيرات سلبية على التجارة الخارجية وهناك جهود حثيثة مبذولة لتوحيد التعرفة بين دول المجلس تجاه العالم الخارجي. في الجانب الآخر نجد ان الحديث حول اقامة سوق عربية مشتركة يأخذ ابعاد جدية في الوقت الحاضر بعد ان ظلت الدول العربية لاكثر من نصف قرن تتطلع الى تحقيق التكامل الاقتصادي فيما بينها. وقد انشئت من اجل تلك الغاية العديد من الاجهزة والمؤسسات وعقدت العديد من الاتفاقيات, وقد اصابت تجربة العمل الاقتصادي العربي قدرا من النجاح كما صاحبتها بعض الاخفاقات. وتجاوبا مع ذلك جاء قرار القمة العربية التي عقدت بالقاهرة في يونيو 1996 باقامة منطقة التجارة العربية الكبرى. ولعل التجارة هي المدخل المناسب والواقعي للتكامل الاقتصادي العربي. وهي المداخل الذي انتهجته التكتلات العالمية الرئيسية. فما هو اذن الرابط بين الاثنين؟ اي بين التجارة الخليجية البينية والتكامل الاقتصادي العربي؟ ان دول الخليج العربية بامكانها الاستفادة من التوجهات العربية لاقامة سوق عربية مشتركة وذلك من خلال تبني وبصورة مشتركة استراتيجية فعالة وذلك لتعزيز وتوثيق تكاملها المادي والاقتصادي مع الدول العربية الاخرى. كما ان هذه الاستراتيجية تمثل ضمانه فاعلة تساعد دول الخليج العربية ومعها الدول العربية الاخرى على التخلص من هشاشة علاقتها وبناءها على اسس اوطد. ان الحديث عن السوق الشرق اوسطية غالبا ما يتم ربطه - بصورة او باخرى - بتدفق التمويلات الخليجية التي تسهم في اقامة مختلف المشروعات المطروحة في اطار تلك السوق. اننا نستذكر هنا موقف دولة الامارات العربية المتحدة والذي حذر بكل وضوح من هذه المسألة وعدم جدواها, بل وخطورتها الاقتصادية, فلا يوجد هناك ما يبرر قيام رؤوس الاموال الخليجية بتمويل مشروعات تنافس وتهدد الكثير من الصناعات التي اقامتها بنفسها في بلدانها. وعوضا عن ذلك فانه بامكان دول المنطقة ان تتبنى استراتيجية ناجحة تهدف الى ربط تدفق تمويلاتها ومعوناتها التنموية في الاقطار العربية بموضوع تشجيع تصدير الكثير من السلع والخدمات المصنعة في بلدانها الى هذه الاقطار. فمن المعروف ان دول الخليج العربية ونظرا لتشابه هياكلها الاقتصادية انتج العديد منها نفس الصناعات القائمة على النفط والغاز ومشتقاتهما. كما ان هناك المئات من الصناعات الخفيفة والغذائية المتشابهة في هذه الدول. واذا ما اخذنا بالاعتبار محدودية حجم الاسواق المحلية يصبح من الطبيعي ان تبحث منتجات جميع تلك الصناعات عن اسواق خارجية. ان هذه المنتجات ونظرا لملائمة اسعارها وجودتها بامكانها ان تجعل من الاسواق العربية زبون رئيسي لها خصوصا اذا ما تم اعادة صياغة البرامج التسويقية الموجهة لهذه الاسواق في اطار وجود اشكال اوثق من التعاون الاستثماري والتجاري والاقتصادي مع الدول العربية كوجود البنوك المشتركة والاتفاقيات المتبادلة لضمان الصادرات والاستثمارات ووسائط النقل والشحن والتأمين المشتركة. ان الاموال الخليجية يجب ان توجه بالدرجة الاولى الى هذه الاشكال لتخدم بصورة اكبر التوجهات التنموية الخليجية والعربية ومن ثم هدف اقامة سوق عربية مشتركة. وبهذا المعنى فان التكامل الاقتصادي العربي يصبح عنصرا رئيسيا في استراتيجية التنويع الاقتصادية والتنمية في دول الخليج العربية, وبالتالي اساسا حيويا لامنها الاجتماعي على المدى البعيد.

Email