نمط مركب لتقسيم العمل ... سيادة الاحتكارات الدولية ... اتجاه نحو التكتلات الاقتصادية ، ستة ملامح رئيسية تميز الاقتصاد الدولي المعاصر: دراسة اقتصادية تؤكد:

ت + ت - الحجم الطبيعي

اكدت دراسة اقتصادية حديثة ان الاقتصاد الدولي المعاصر هو اقتصاد رأسمالي تسوده العلاقة الاجتماعية ورأس المال, وانه يتميز بستة ملامح رئيسية اولها نمط مركب لتقسيم العمل الرأسمالي الدولي, يختلف , كيفا , عن النمط الذي ساد الاقتصاد العالمي منذ منتصف القرن التاسع عشر حتى الحرب العالمية الثانية, وثانيها سيادة الاحتكارات الدولية كشكل غالب للمشروع الرأسمالي, وثالثها يتمثل في سعر رأس المال الدولي, منذ الحرب العالمية الثانية, الى احتواء اجزاء الاقتصاد العالمي في تنظيم اقتصادي وقانوني واحد, ورابعها ... وفي اطار عملية الصراع بين رؤوس الاموال الدولية . يتميز الاقتصاد الدولي المعاصر بالاتجاه نحو التكتلات الاقتصادية الدولية لزيادة الوزن النسبي للدول المتكتلة في حجم الانتاج العالمي وتحقيق تفوق نسبي في انتاجية العمل ومن ثم القدرات التسويقية , وخامسها وجود تناقض بين اتجاه الاحتكارات دولية النشاط نحو العالمية واتجاهات دول ما في سعيها للحفاظ على مصالح قومية او لتحقيقها, وسادسها استمرار الازمة التي يعيشها الاقتصاد الدولي المعاصر منذ بداية السبعينات كأزمة هيكلية تبرز اتجاه التضخم في ثنايا الركود , وتعكس في الوقت ذاته, عدم قدرة الشكل التنظيمي القائم على تمكين المجتمع من استخدام قوى الانتاج البشرية والمالية المتاحة بالفعل استخداما كاملا, بما يتضمنه هذا الشكل من اتساع للفجوة النسبية بين طرفي هرم توزيع الدخل في المجتمع. وذكرت الدراسة التي اعدها استاذ الاقتصاد السياسي بحقوق الاسكندرية د. محمد دويدار الذي يزور دبي حاليا لالقاء محاضرات بمعهد القانون الدولي, وجاءت بعنوان (الوضع العربي الراهن في اطار الاقتصاد الدولي المعاصر) . . ذكرت ان الفهم المتعمق للوضع الراهن للعالم العربي في الاطار الدولي المعاصر هو شرط لفهم المشكلات المختلفة التي تعيشها اجزاء المجتمع العربي . . . اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية. نمط تقسيم العمل الرأسمالي واوضحت ان النمط الحالي لتقسيم العمل الرأسمالي الدولي يبرز من خلال عملية طويلة من التحول في هيكل المشروع الرأسمالي, بالنسبة لعملية العمل الاجتماعي في داخله . . . من حيث استيعابه لمكنات تقسيم العمل على اساس تقسيم العملية الانتاجية اللازمة لانتاج ناتج واحد الى عمليات عديدة يتخصص في القيام بكل منها مجموعة من عمال المشروع, الامر الذي يتعلق بامكانات احلال العامل الجماعي محل العامل الفردي, في اطار عملية من التغيير التكنولوجي تتحقق عبر التحول من اليدوية الى الآلية , ومن الآلية الى الأتمتة ومن الاخيرة الى الالكترونية, الامر الذي يدفع بانتاجية العمل دفعة تصاعدية هائلة. كما يبرز النمط الحالي لتقسيم العمل الرأسمالي الدولي من خلال عملية طويلة من التحول في هيكل الاقتصاديات المتقدمة فتمثل في تتابع التحول نحو فروع انتاجية جديدة تحل محل فروع سابقة في ريادتها لمجمل النشاط الاقتصادي , وخاصة في الصناعة بحيث تصبح الفروع السابقة من قبيل الفروع المتهالكة التي تستحب اما تصفيتها او نقلها الى اجزاء اخرى من الاقتصاد العالمي. واوضحت الدراسة ان هذا النمط الحالي لتقسيم العمل الدولي والذي بدأ في السيادة منذ السبعينات يحتفظ ببعض خصائص النمط السابق, ويحتوي بعض نشاطات صناعية ينتقل الاختصاص بها الى الاجزاء المختلفة من الاقتصاد العالمي, مع توجه داخل الاجزاء المتقدمة على الانتاج العلمي والتكنولوجي وعلى الانتاج المادي للسلع الكثيفة الاستخدام للتكنولوجيا, وتوجه, على الصعيد العالمي, نحو تخصص البلدان المختلفة, ليس بانتاج البلد سلع كاملة, وانما بتخصص البلد في انتاج جزء من سلعة او اجزاء من سلع مختلفة, على ان يتم تجميع الاجزاء في مكان يتخصص في ذلك. هذا النمط المركب لتقسيم العمل الرأسمالي الدولي يتميز بمعدلات متزايدة لتطور التكنولوجيا, باعتبار التجديدات التكنولوجية السبيل المحوري لاكتساب المزايا النسبية في انتاج سلعة ما في مواجهة المنافسين في انتاجها. كما يتضمن شكلا جديدا لتدويل الانتاج , يزيد من تعميق شبكة التداخلات الاجتماعية بين اجزاء المجتمع العالمي, ويزيد من ثم من حدة تفاعل الاحداث في الاماكن المختلفة من العالم. وعلى الصعيد المعرفي يؤثر هذا النمط المركب في تحديد خط كل من الاقتصاديات المكونة للاقتصاد العالمي من المعارف العلمية والتكنولوجية (خلقا وتعلما او اكتسابا) كما يؤثر في نظام التعليم (بما يتضمنه من تأهيل وتدريب) في كل دولة. ويؤشر للنظم التعليمية في كل من هذه الاقتصاديات باحتياجات سوق العمل وبنوع التكوين الثقافي الذي ينبغي ان تعززه. سيادة الاحتكارات الدولية واوضحت الدراسة ان الاقتصاد العالمي المعاصر يتميز بسيادة الاحتكارات الدولية كشكل غالب للمشروع الرأسمالي, والامر يتعلق هنا بالشركات دولية النشاط التي تقود هذا النمط المركب لتقسيم العمل الدولي, وهي ايضا وحدات مركبة, غالبا ما تنتمي الى مجموعات مالية , وتجمع بين النشاطات الانتاجية والتجارية والمالية, قاصدة كل ارجاء السوق العالمية, وترسم لنفسها استراتيجيات لتطور الاداء على مستوى العالم وتخطط لسيطرة متزايدة على السوق من خلال تمركز رأس المال عن طريق الاندماجات. كما تمارس هذه الشركات الدولية نشاطاتها على اقاليم دول عديدة مستفيدة من التباين بين البلدان في مواردها الاقتصادية خاصة المتعلقة بالطاقة , وفي احجام اسواقها وانظمتها القانونية والمالية والضريبية. وتسعى هذه الشركات الى تحويل الاقتصاد العالمي الى سوق واحدة دون عوائق امام رأس المال, لتمول وتنتج وتسوق بقصد تحقيق ارباح طائلة. هذه السوق العالمية الواحدة تتضمن سوق العمل الدولية بتحفظات محسوبة لتسمح لرأس المال باتباع سياسة انتقائية لاستخدام القوى العاملة على مستوى المناطق المختلفة المكونة للاقتصاد العالمي, ومستوى الشرائح المختلفة للقوى العاملة, من حيث قدراتها الذهنية والجسمانية وتكوينها الفني. وهو ما يستلزم نقلة كيفية في قدرة القوة العاملة على الانتقال بين جنبات سوق العمل الدولية وفقا لاحتياجات رأس المال, وهو ما يلقي على النظام التعليمي عبء تزويد القوة العاملة بقدرات على الانتقال, ليس فقط بين جنبات سوق العمل الوطنية, وانما ايضا بين جنبات سوق العمل الدولية. احتواء الاقتصاديات الضعيفة وفيما يتعلق بسعي رأس المال الدولي في الاقتصاد المعاصر الى احتواء اجزاء الاقتصاد العالمي في تنظيم اقتصادي وقانوني واحد عبر احتواء العالم في تنظيم دبلوماسي واحد هو هيئة الامم المتحدة بوكالاتها المتخصصة, والسعي في استخدامها في تحقيق رأس المال في اطار من الشرعية الدولية, هي في المقام الاول والاخير شرعية رأس المال. وكذلك من خلال تنظيم السوق النقدية بنظام نقدي دولي يدور حول الدولار الامريكي كسيد للعملات الدولية, ونظام للائتمان تسهر عليه مؤسستا صندوق النقد والبنك الدوليين, واخيرا من خلال تنظيم السوق التجارية الدولية بما تحتويه من تبادل في السلع المادية والخدمات والتكنولوجيا كسلعة يستوجب التبادل فيها تنظيما دوليا لحقوق الملكية الفكرية, باستهداف تحويل المجتمع العالمي الى سوق واحدة ينعم فيها رأس المال الدولي بحرية الحركة دون عوائق وتتحرك القوة العاملة في شقها المتمثل في سوق العمل الدولية , وفقا لاحتياجات رأس المال, وهو ما يضمن, اجمالا, اخضاع الاجزاء المختلفة من الاقتصاد الرأسمالي العالمي لقوانين السوق من خلال الاثمان الدولية التي تعكس نمط علاقات القوى الاقتصادية والسياسية الحالية كحصيلة لكل تطور علاقات الانتاج الرأسمالي على الصعيد العالمي, وكمحدد لحظ كل من مجتمعات العالم من التقدم والتخلف اقتصاديا واجتماعيا. وفي اطار عملية الصراع بين رؤوس الاموال الدولية, يتميز الاقتصاد الدولي المعاصر بالاتجاه نحو التكتلات الاقتصادية الدولية لزيادة الوزن النسبي للدول المتكتلة في حجم الانتاج العالمي وتحقيق تفوق نسبي في انتاجية العمل, على امل ان تكتسب كل مجموعة من رؤوس الاموال المتكتلة قدرة تنافسية اكبر من مواجهتها المجموعات الاخرى في صراع الجميع من اجل السيطرة على السوق العالمية, ومن ثم تحديد نتيجة الصراع القائم حول اعادة صياغة نمط الهيمنة في الاقتصاد الدولي المعاصر, وهو نمط يتميز حتى الآن باستمرار تمتع رأس المال الامريكي بكثير من مقومات الهيمنة على الاقتصاد الدولي ( في مواجهة رأس المال الاوروبي والياباني) . ويبلور الاتجاه نحو وحدة السوق العالمية ملامح تناقض بين سعي شركات دولية النشاط نحو العالمية خاصة خارج نطاق اقتصادياتها الأم, وبين الاتجاهات القومية الممكنة لبعض الدول التي قد تدفعها الى الحد من تغلغل هذه الشركات في اسواقها الداخلية. ويظهر هذا التناقض في سعي رأس المال الدولي في اضعاف الدولة القومية بدرجات وكيفيات تختلف باختلاف مدى مظاهر قوتها اقتصاديا او سياسيا او ثقافيا, ويكون اضعاف الدولة بالحد من دورها في الحياة الاجتماعية والاقتصادية, عبر سبل مختلفة منها القضاء على سيطرة الدولة المباشرة على وحدات اقتصادية وتعليمية وخدمية. التضخم والركود ويتميز الاقتصاد الدولي اخيرا, حسبما تقول الدراسة باستمرار الازمة التي يعيشها منذ بداية السبعينات كأزمة هيكلية تبرز اتجاه التضخم في ثنايا الركود, وتعكس عدم قدرة الشكل التنظيمي القائم على تمكين المجتمع من استخدام قوى الانتاج البشرية والمالية المتاحة بالفعل استخداما كاملا, بما يتضمنه هذا الشكل من اتساع للفجوة النسبية بين طرفي هرم توزيع الدخل في المجتمع. وتتجلى هذه الازمة في بطء نسبي لمعدلات النمو وانتشار البطالة بصورة متجددة وقلقة لاوضاع العاملين بالفعل واستبعاد شرائح من القوى العاملة استبعادا نهائيا عن عملية العمل الاجتماعي وزيادة تعيير الضغوط التضخمية الهيكلية, بما يحدثه ذلك من اعادة لتوزيع الدخل واتساع قاعدة الفقر النسبي في كل اقتصاديات العالم, المتقدم منها والمتخلف, وتفسخ النظام النقدي الدولي, وعدم استقرار الاثمان الدولية, بما فيها اسعار الصرف, وصيرورة المضاربة نشاطا سائدا خاصة في السوق المالية الدولية, لتصبح في اطار عملية المديونية الدولية سبيل التهام الاقتصاديات المدينة ورهن قدراتها الانتاجية لحساب رأس المال الدولي, من خلال عمليات يقوم بها الشق (الطائر) من رأس المال المالي الدولي. مثل هذه الازمة الاقتصادية تزيد من حدة الازمة الاجتماعية التي تعيشها المجتمعات المتخلفة, ومنها بالطبع المجتمعات العربية, أزمة تزيد معها أزمة الترتيبات المؤسسية في هذه المجتمعات. أزمة العالم العربي وفيما يتعلق بالوضعية الراهنة للعالم العربي, ذكرت الدراسة ان هذه الوضعية تمثل نتاج حركة تاريخية لتفاعل ثلاث طوائف من العوامل, عوامل زمنية تتمثل في عملية ادماج المنطقة العربية بالقوة العسكرية غالبا, والاغتصاب الذي اصبح مزمنا للوضع الفلسطيني, وقضية النفط, التي اصبحت مرهونة باحتياجات المنطقة الهائلة منه وانخفاض نفقة استخراجه, ومن ثم حرص القوى الاقتصادية الدولية على السيطرة عليه كمصدر للطاقة وكسلاح اقتصادي فعال, اذ انه من النفط تكون البترودولارات , ويصبح الاثنان مصدرا للائتمان والاقراض الدولي, تعتمده المؤسسات المالية الغربية ليس فقط لبلدان المنطقة, ولكن كذلك لبلدان العالم المنفر الذي كان يسمى بالثالث. وعلى الصعيد الايديولوجي , تعيش المجتمعات العربية نتيجة الالتقاء التناقضي بين انظمة قيم مشروعات حضارية تمجد الروح, في مقابل نظام قيم سلعي مادي يمثل روح الرأسمالية التي تختزل كل القيم الاجتماعية في الكسب المادي وهو نظام قيمي يقلق نفوسا تثقفت لدهور طويلة بالاتجاهات الانسانية على الاقل في الاجزاء ذات العمق الحضاري في العالم العربي. وفيما يتعلق بعوامل الفترة الطويلة التي لعبت ولا تزال دورا في تحديد وضعية الموقف العربي الراهن, رصدت الدراسة خمسة عوامل مؤثرة هي النزاعات الاستراتيجية في المنطقة العربية بين القوى الدولية الكبرى منذ عدة قرون من الزمان, وفشل العديد من محاولات البلدان العربية منذ الحرب العالمية الثانية في تحسين اوضاعها في نمط تقسيم العمل الرأسمالي الدولي, وغياب الدور التعليمي وغاياته المعرفية والعلمية, والمعاناة الاجتماعية التي تروج لها وسائل الاعلام العربية لاسباب تستهدف اخفاء الحقيقة, معاناة من ازدواجية ما يسمى بالشرعية الدولية التي هي في الواقع شرعية رأس المال, واخيرا العامل الديموجرافي ممثلا في ضغوط سكانية في بعض بلدان المنطقة وعدم كفاية السكان في بلدان اخرى. عوامل موقفية وحددت الدراسة بالعوامل الموقفية ذات الاثر على الوصفية العربية الراهنة في الضغوط المتباينة اقتصادية وسياسية وعسكرية لفرض حلول متعجلة لمشكلات مزمنة, وفي الخفة الدولية التي تلجأ اليها القوى الكبرى باستخدام القوة العسكرية ذات الاثار المدمرة للشعوب وامكاناتها المادية والمعنوية. وتتمثل اخيرا في ادارة حركة لضمان خلخلة المجتمعات العربية, تتحمل الدولة العربية فيها الجانب الاكبر من المسؤولية لترديها في سياسات اقتصادية توسع من دائرة الافقار وتزيد من معدلات حدوثه. وما بين العنف الذي تمارسه الدولة في المجتمعات العربية في مواجهة السكان, والعنف المضاد للجماعات التي سمتها الايديولوجية الغربية (بالاصولية) يزداد التوتر الاجتماعي في اطار الازمة الاجتماعية التي يشهدها الموقف العربي الراهن ... لتنتهي الدراسة الى انه وعلى هذا النحو تتفاعل عوامل ذات بعد زمني كبير مع العوامل الموقفية لتحديد الوضعية الراهنة في العالم العربي كوضعية ازمة اجتماعية حادة في اطار اقتصاد عالمي يسيطر عليه رأس المال الدولي الذي ينكر على العالم العربي حقه في التحرر والتطور. عرض محمد الصدفي

Email