رأي: تأميم الشركات الأجنبية: بقلم - د. مغازي البدراوي

ت + ت - الحجم الطبيعي

من الاخطاء الشائعة في المفاهيم الاقتصادية ارتباط مفهوم (التأميم) بالنظام الاشتراكي واعتباره وسيلة تلجأ اليها الدول لفرض سيطرتها بالقوة على مشاريع استثمارية وانتاجية على ارضها, وبالغ البعض في الفهم الخطأ لمصطلح التأميم الى الحد الذي قيل معه باعتبار التأميم شكل من اشكال اغتصاب الملكية الخاصة والاعتداء عليها ومحرم قانونا . وتسعى الكثير من الدول النامية وخاصة في فترات التحول الاقتصادي وتنمية الانتاج الى ابراز نيتها علنا بعدم اللجوء للتأميم الى الحد الذي تضع فيه بعض الدول قوانين جديدة ونصوص تشريعية تغل حق الدولة في التأميم تماما, وكثير من قوانين الدول النامية تمنع تماما تأميم الشركات الاجنبية, وتهدف هذه الدول من وراء ذلك جذب وتشجيع الاستثمارات الاجنبية, وايضا الى جانب هذا تقوم بعض المؤسسات المالية الدولية المقرضة مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بالضغط على حكومات بعض الدول لاجبارها على تضمين قوانينها نصوص تغل يد الدولة عن تأميم الشركات الاجنبية ـ وتطبيقات الدول كثيرة في هذا المجال ومن اشهرها القانون رقم 8 لسنة 1997 الصادر في مصر والذي ينص في المادة الثامنة منه على انه لايجوز تأميم الشركات الاجنبية او مصادرتها او مصادرة املاكها واموالها ومنشآتها ومن المفهوم والواضح ان هذا القانون وضع بهدف تشجيع وجذب الاستثمارات الاجنبية الى مصر, الا اننا نود ان نقول ان واضعي هذا القانون اندفعوا تحت تأثير الانفعالات والاقاويل المرتبطة بموضوع التأميم في مصر وما صحب مشاريع التأميم من جدل ومشكلات في حقبتي الخمسينات والستينات فوضعوا قانونا لا يمكن ان يقال عنه الا بانه غير دستوري ويخالف قواعد القانون الدولي, حيث يحرم هذا القانون مصر من حق صريح كفله لها القانون الدولي والزم الدول الاخرى على الاعتراف به واحترامه وهو الحق في التأميم والمصادرة, هذا الحق الذي تنازل عنه المشرع المصري بدون وجه حق وخوفا من الاتهام بالميول الاشتراكية هو حق تنص عليه قوانين اكبر الدول الرأسمالية مثل المانيا واليابان وايطاليا وغيرها حيث يسمح القانون للدولة هناك بمصادرة املاك اي شركة اجنبية والاستيلاء عليها وادارتها لحساب الدولة في حالة قيام هذه الشركة باعمال تضر اقتصاد الدولة وتعرض امنها القومي والاقتصادي للخطر هذا يوضح لنا ان التأميم بمفهومه الاقتصادي ليس مرتبطا فقط بالانظمة الاشتراكية والديكتاتورية الشمولية لكنه موجود في الانظمة الرأسمالية في حالات تهدف في الاساس لحماية اقتصاد الدولة وامنها القومي ويختلف التأميم في الانظمة العادية عنه في الانظمة الاشتراكية انه في الثانية يتم بدون دفع تعويضات لاصحاب الشركات بينما تنص قوانين الدول غير الاشتراكية على حق الدولة في التأميم والمصادرة مع الزامها بدفع تعويضات مناسبة لاصحاب هذه الشركات بعد حساب نتائج الضرر والخطأ الذي ارتكبته هذه الشركات في حق الاقتصاد القومي. من هذا نفهم ان التأميم للشركات الاجنبية ومصادرة اموالها ليس عيبا ولا خللا في الانظمة الاقتصادية ولا يعوق الاقتصاد الحر ولا يشكل تهديدا او ميلا للشمولية والديكتاتورية في الحكم لكنه حق قانوني للدولة تكفله قواعد القانون الدولي ولا يجوز لأي حكومة ان تتنازل عنه بهدف تشجيع الاستثمارات الاجنبية لان التنازل عن هذا الحق يعتبر خللا تشريعيا يخالف قواعد القانون الدولي ويعرض اقتصاد الدول وثرواتها القومية للخطر والضرر.

Email