رأي: التكنولوجيا تضيع قرنا من عمر الانسان: بقلم - د. مغازي البدراوي

ت + ت - الحجم الطبيعي

الكمبيوتر هو ارقى ماقدمه العقل البشري في القرن العشرين وهو الاختراع الذي من المفترض ان ينقل الانسان الى القرن الواحد والعشرين ومعه حقيبة صغيرة تحوي كل نتاج العقل البشري في كل القرون الماضية , ولكن هذا الاختراع العظيم لم يشأ في نهاية القرن الا ان يقدم للانسان دليل ضعفه وتسرعه وقصر نظره وعدم تفكيره حتى في المستقبل القريب, وهذا ما يسميه العلماء (علة القرن) والتي وصلت بعض تقديرات خسائرها حتى الآن الى تريليونين من الدولارات وهو ما يكفي لانعاش اقتصاد دول العالم الثالث الفقيرة واطعام جياع العالم. وتتلخص المشكلة حسب شرح المتخصصين في ان برامج الكمبيوتر الموجودة في العالم كله موضوعة بالشكل الذي يضع الرقمين الاخيرين من السنة عند كتابة التواريخ الى جانب الرقمين ,19 اي انها في هذا اضافت 98 الى 19 لتصبح ,1998 وفي العام المقبل سوف تضيف 99 الى 19 لتصبح ,1999 اما في نهاية القرن فسوف تضيف صفرين الى 19 لتصبح 1900 وليست ,2000 وبهذا يعود التاريخ ليبدأ من بداية القرن وتضيع على البشرية مائة عام. وقد تبدو المشكلة سهلة ولا نحتاج لاكثر من تغيير الارقام 19 الى ,20 ولكن على مايبدو ان المشكلة اكبر من ذلك بكثير وانها تحتاج الى اعادة برمجة كل برامج الكمبيوتر الموجودة في العالم الموضوعة على هذا النظام الذي يلائم القرن العشرين, والذي لم يفكر اصحابه في انه بعد بضعة سنوات سوف يأتي قرن جديد والفية جديدة تستلزم نظاما جديدا في كتابة التاريخ. ولا يمكن للانسان العادي ان يتخيل الخسائر التي من الممكن ان تنجم عن هذا الخطأ الذي يعده العلماء (علة القرن) , يكفينا ان نعلم ان حسابات البنوك كلها في كل انحاء العالم مهددة بمخاطر التعرض للاخطاء عند وضع وتسجيل العمليات الحسابية للعام 2000 الذي لن يكن له وجود في الكمبيوتر الا بعد تعديل البرامج, وتصل درجة المخاطر الى الحد الذي يبدأ معه البعض بان يضطر بعض العملاء لسحب ارصدتهم من البنوك حتى يتم تعديل البرامج من الكمبيوتر خشية حدوث اخطاء لا تحمد عقباها. وفي حساب الاعمار وسن التقاعد سوف يصبح رصيد كل العاملين في كل انحاء العالم حسب معطيات برامج الكمبيوتر (صفرا) اي لا شيء فالذي بدأ عمله في 01/01/1973 سوف يسجل على الكمبيوتر في اول القرن المقبل 01/ 01/ وكأنه لم يعمل, وهذا في حد ذاته يحتاج لتصحيحات وتعديلات لمئات الملايين في كل انحاء العالم وهو الامر الذي يحتاج الى وقت ومجهود ونفقات طائلة, ولا يمكن ان تسير الامور في بداية القرن المقبل على مايرام بدون اجراء هذه التعديلات المهمة في برامج الكمبيوتر الذي اصبح يدخل في كل فروع حياتنا واصبح الانسان يعتمد عليه اعتمادا كليا. - في هذا الامر تتجلى آفة العصر ومرضه الكبير وهو ان الانسان يعطل عقله ويعتمد اعتمادا كاملا على التكنولوجيا, واكثر من هذا يعطيها ثقته الكاملة والعمياء في ان تصلح له اخطاءه, وينسى او يتناسى ان التكنولوجيا ماهي الا آلة صماء لاتعطى ولا تقدم الا بقدر ما يعطيها الانسان, واذا اخطأ الانسان فليس له ان ينتظر منها ان تصحح اخطاءه, والدرس الاول الذي علينا ان نتعلمه من الخسائر الفادحة التي سوف تنتج عن خطأ برمجة الكمبيوتر للتواريخ هو ان على الانسان الا يهمل عقله والا يعطي ثقته الكاملة والمطلقة للتكنولوجيا الحديثة التي من الممكن ان ينتج عن خطأ بسيط منها كارثة كبرى تهدد البشر كلهم مثل الكوارث النووية.

Email