اتجاهات مالية: الاندفاع المتهور نحو الهاوية: بقلم :أوزموند بلامر

ت + ت - الحجم الطبيعي

يشهد السبت المقبل انعقاد قمة اوروبية لتثبيت اسعار صرف العملات الأحدى عشرة المختلفة لدول الفوج الأول الذي سيشكل نواة الوحدة النقدية الأوروبية ولربما بدا للبعض ان ترأس المملكة المتحدة للقمة, وهي ليست عضواً في زمرة الأحدى عشرة بأي حال من الأحوال, ومصادفة هذا الموعد السبت لعيد ميلادي, كفيلان بزحزحتي عن موقفي المتشدد الرافض والمشكك بالوحدة, الا ان هذه الاحداث والمصادفات لن تكون مبعث بهجتي, بل لن تزيدني الا رسوخاً في هذا التشكك. وتلتمع في ذهني بمناسبة خبر القمة نظرية اقتصادية وضعها الاقتصادي الأمريكي روبرت مندل ودعاها (مواطن العملات المفضلة) وتذهب هذه النظرية الى انه لا بد من توفر شروط أساسية لاقامة منطقة عملة مفضلة مثل الولايات المتحدة, التي تشابه في نهاية المطاف أوروبا من حيث السكان والاقتصاد. ومعيار التقييم الرئيسي في هذه النظرية إنما هو مخاطر صدمات عدم التماثل. وما هذه الصدمات الا احداث تؤثر على بقعة من بقاع الاتحاد بأكثر وأفدح مما يتأثر به أي جزء آخر وينبغي ان يكون الخطر الناجم عن مثل تلك الأحداث قليلاً, او بعبارة أخرى, ينبغي ان تتأثر معظم المناطق بالدرجة ذاتها ازاء حدث معين مثل ارتفاع معدلات الفائدة او هبوط سعر النفط. وتنطلق النظرية من ثم للبحث عن سبل امتصاص صدمات عدم التماثل, وهناك ثلاث طرق للقيام بهذا, وأول هذه فكرة تحرك العمالة, اذ ينبغي ان تكون لدى الناس الرغبة والقدرة على الحركة ضمن تلك المنطقة بحثاً عن العمل, تاركين مناطقهم المتضررة الى مناطق تزهو بازدهار اكبر, والثانية تتمثل في قدرة المنطقة التي تلقت الصدمة على الموازنة ما بين الأسعار والأجور في محاولة التحايل على الصدمة وامتصاصها, واما ثالثة تلك الطرق فتحتم نشوء نظام يتيح اقامة تحويلات اقتصادية ضمن الاتحاد الى المناطق التي تحسست الصدمة. دعونا بعد هذه المقدمة نسأل عن مدى خطورة صدمات عدم التماثل هذه ضمن الوحدة النقدية الأوروبية, وأبادر فأزعم بأن الخطر جسيم جداً, فاقتصاديات اسبانيا وايطاليا وألمانيا تمر كل منها بمرحلة تختلف كلياً عن الأخريات, لذا فإن التغيرات في معدلات الفائدة سوف تؤثر على كل منها بطريقة مختلفة... ومعدلات البطالة غاية في التفاوت فيما بينها, وهناك العديد من المناطق التي سوف تشهد ردود افعال متباينة وغير متماثلة يبديها الأعضاء المختلفون. فإذا انجلت هذه الحقيقة, فلا بد ان نتأمل في مدى قدرة المناطق التي يحتمل تأثرها الشديد بهذه الصدمات على مواجهتها والصمود ازاءها فأما حرية حركة العمالة فتكاد معدومة بين الدول الأوروبية وهناك عوائق لغوية وثقافية واجتماعية تجعل مثل حركة الانتقال هذه غاية في التعقيد, وابعد ما تكون عن استهواء العمالة, ومن هنا فإن مثل ذاك التحرك مستبعد جداً. وماذا عن مرونة الأسعار والأجور؟ ان هناك اجابة بسيطة ويتيمة عن هذا السؤال, لنأخذ فرنسا مثلاً فالأجور مرتفعة ولا تتمتع بمرونة الاتجاه نحو الهبوط. ويثور جدل ساخن جاد حول خفض ساعات العمل الى 35 وهذا من شأنه القضاء على أي فرصة بظهور نوع من المرونة, وأخيراً فليس هناك نظام صمم لتقديم العون الفيدرالي او بذل منح على غرار ما تفعله الولايات المتحدة لتحقيق الاستقرار في المنطقة التي نكبتها الصدمة. فإذا طبقنا هذه المعايير, فان الاخفاق حليف اوروبا على هذه الجبهات الثلاث كافة, ووفقاً للنظرية الاقتصادية لن تكون هذه القارة موطناً لعملة مفضلة لا شكلاً ولا مضموناً, ولا بأية صورة من الصور. ان مخاطر الاتحاد النقدي هائلة وعواقب النكوص عن الالتزامات والتعهدات, تمثل على أية حال خطراً أكبر يفغر فاه ويهدد الحكومات القائمة على المشروع الوحدوي, وركام التركة التي يمكن ان تخلفها تلك الحكومات سوف يكون مريحاً حقاً, الا ان اوروبا سادرة حتى الآن في غيها وهي تندفع بتهور نحو أكثر مغامراتها اثارة وروعة,.. ورهبة أليس الامر كذلك؟ نائب رئيس لويدزبنك*

Email