آفاق عالمية: روسيا وصندوق النقد: بقلم - مغازي البدراوي

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعد صندوق النقد الدولي, الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية, أكبر مؤسسة مالية دولية, حيث تدخل في عضويته 182 دولة, وقد تزايد عدد الدول الأعضاء خاصة بعد انهيار المعسكر الاشتراكي وانضمام دوله كلها للصندوق . وقد كانت الدول الشيوعية ترفض في السابق التعامل مع صندوق النقد الدولي وغيره من المؤسسات المالية الدولية, مثل البنك الدولي ونوادي الدول الدائنة في باريس ولندن وغيرها, وكانت حجة هذه الدول التي تسوقها في معرض تفسير امتناعها عن التعامل مع صندوق النقد وغيره من هذه المؤسسات هي انه نموذج للنشاط الرأسمالي العالمي, الذي يحاول اخضاع الدول واضعاف اراداتها ونزع سيطرة الدولة عن الاقتصاد واغراق هذه الدول في القروض والمساعدات مما يجعلها غير قادرة عن الاستغناء عن هذه القروض والمساعدات, ويغرقها في الديون بالقدر الذي يفقدها الاستقلالية في اتخاذ قراراتها السياسية والاقتصادية. وبعد انهيار المعسكر الاشتراكي, ذهبت كل الدول الاشتراكية تطلب القروض والمساعدات من صندوق النقد الدولي, الذي انتهز بدوره الفرصة ليفرض على هذه الدول سياسات اقتصادية محددة, يطلب منها الالتزام بها, مقابل منحها القروض والمساعدات. ومن أمثلة الشروط التي يضعها صندوق النقد تحرير الاقتصاد, ورفع يد الدولة عن الانتاج, وطرح كل المشروعات للقطاع الخاص, وتخفيض الرسوم والجمارك على الاستيراد, كما يطالب الصندوق الدول كذلك بتقديم كل المعلومات وكشوفات المراجعة السنوية للخطط الاقتصادية وتنفيذ الموازنات داخل الدولة, وذلك بحجة مراقبة مدى تطور سياسات الاصلاح الاقتصادي التي تضمن للصندوق أحقية هذه الدولة في الحصول على القروض والمساعدات. وتقوم أرصدة صندوق النقد الدولي وكذلك البنك الدولي, على مساهمات الدول الكبرى والغنية, وتعد الولايات المتحدة صاحبة الجزء الأكبر من المساهمات في أرصدة الصندوق والبنك الدوليين, وهو الأمر الذي يثير التساؤلات حول سياسات هذه المؤسسات المالية والدولية وأهدافها وما إذا كانت تنفذ سياسة واشنطن, خاصة إذا علمنا ان الولايات المتحدة تواظب باستمرار على سداد مساهماتها في صندوق النقد والبنك الدوليين, وبانتظام ملحوظ, في الوقت الذي تمتنع عن دفع اشتراكها السنوي في منظمة الأمم المتحدة ولعدة سنوات, وهو الأمر الذي يجعل الأقاويل تدور حول مدى أهمية هذه المؤسسات المالية والدولية بالنسبة لواشنطن وارتباطها بها. وكثيرا ما توجه الاتهامات المباشرة لصندوق النقد الدولي من دول عديدة, حول تدخله في سياستها الداخلية بالشكل الذي يخل بسيادتها, ومن الأمثلة الواضحة على ذلك, مؤخرا, دولة مثل روسيا تعتمد منذ خمس سنوات مضت في سياستها الاصلاحية الاقتصادية على القروض والمساعدات وخاصة القروض من صندوق النقد الدولي. وفي الوقت نفسه يتهم البرلمان الروسي الذي تسيطر عليه المعارضة الشيوعية صندوق النقد الدولي دائما بالتدخل في شؤون روسيا الداخلية, واستخدام سياسة (العصا والجزرة) في منحها أقساط القروض المتفق عليها. وقد أعرب صندوق النقد الدولي مرات عديدة على لسان ممثله في موسكو توماس فولف عن عدم رضائه عن سياسة الحكومة الروسية في الاصلاح الاقتصادي وتقاعسها في عمليات الخصخصة ويطالبها دائما بتحرير التجارة الخارجية ورفع الدعم الحكومي عن العديد من الخدمات التي تقدم للمواطنين, ومنها دعم الكهرباء والمياه وايجارات المساكن, وغير ذلك من الأمور التي يعتبرها البعض تدخلا مباشرا في سياسات الدول الداخلية وخرقا لسيادتها. ويتهم البعض صندوق النقد الدولي بالتدخل حتى في القرارات السياسية الخاصة بالتغييرات في مناصب الدولة وتعيين الوزراء ورؤساء الحكومات, وهذا ما يحدث الآن في موسكو حيث تتهم المعارضة صندوق النقد بأنه وراء قرار عزل رئيس الوزراء تشيرنوميردين وتعيين كيرينكو, وهكذا يتواصل الجدل حول تأرجح وظيفة وأهداف صندوق النقد الدولي ما بين العناية والوصاية من دون أن تبدو في الأفق مؤشرات نهاية هذا الجدل.

Email