تحليل اقتصادي: أسواق المال وتشجيع الاستثمار الاجنبي: بقلم - حسن العالي

ت + ت - الحجم الطبيعي

تبذل الدول العربية جهوداً حثيثة ومستمرة من اجل اصلاح هياكلها الاقتصادية حيث تبرز سياسات تشجيع الاستثمار الخاص والاجنبي كأحد ابرز ملامح استراتيجية الاصلاح هذه. ومع ذلك فإن ما حققته الدول العربية في مجال جذب الاستثمارات الاجنبية لا يزال ضئيلاً بكل المقاييس . فقد بلغت قيمة تدفقات الاستثمار الاجنبي الى الدول العربية خلال العام 1996 حوالي 1.7 مليار دولار تشكل ما نسبته نحو 0.8% من اجمالي الاستثمارات الدولية الخاصة. والملفت ليس الحجم المتواضع لحصة المنطقة وحسب, بل انخفاضها الكبير مقارنة بما كانت عليه خلال حقبة الثمانينات. اذ بلغ متوسطها السنوي خلال الفترة 1983-1988 حوالي 3.1 مليارات دولار كانت تشكل في حينه نحو 3.4% من الاجمالي, ولما كان الانخفاض في قيمة التدفقات قد تركز خلال العام 1991 وما بعده, فلا يكفي القول ان هذا الانخفاض كان مجرد انعكاس لانخفاض الاستثمارات الدولية, والتي هبطت من حوالي 211 مليار دولار عام 1990 الى اقل من 158 مليار دولار عام 1991, لان الاستثمارات الدولية عادت للارتفاع الى حوالي 225 مليار دولار عام 1996 محققة نسبة زيادة قدرها نحو 6.6% مقارنة بعام الذروة 1990, في حين انخفضت الاستثمارات في الدول العربية بنسبة 47.3% في الفترة نفسها. وطال الانخفاض مختلف التجمعات الاقليمية العربية خلال الفترة 1990-1996 باستثناء مجموعة دول المغرب العربي, وعلى سبيل المثال فقد هبطت قيمة الاستثمارات الواردة الى مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي من حوالي ملياري دولار عام 1990 الى حوالي 384 مليون دولار عام 1996 اي بنسبة تراجع قدرها نحو 81%. إن احد الاسباب الرئيسية وراء تدفق الاستثمار الاجنبي الى دول المنطقة والدول العربية عموماً هو ضآلة حجم وضعف دور اسواق رأس المال في هذه الدول. ان هذه الاسواق ظلت حتى فترة وجيزة ــ وبعضها لا تزال ــ مغلقة أمام الاستثمار الاجنبي وحتى العربي. كما ان العديد من الدول العربية وخاصة النفطية ــ تعتبر حتى الآن وخاصة فيما يخص اموال القطاع الخاص ــ دول مصدرة لرؤوس الاموال وليست مستوردة لها. وقد تفاقمت هذه الظاهرة كنتيجة حتمية لفتح الابواب امام رؤوس الاموال المحلية للاستثمار في الخارج في حين انها توصد او تكاد الابواب امام رؤوس الاموال الاجنبية للاستثمار في الداخل. ان خلق بيئة محفزة للاستثمار في أسواق رأس المال العربية يرتبط بصورة مباشرة بتقوية الوضع التنموي الداخلي لهذه الاسواق, وهذا بدوره يدفعنا للتأكيد على ضرورة توفر اشتراطات محددة وخاصة فيما يتعلق بربط اهداف وسياسات اسواق رأس المال مع اهداف وسياسات برامج التنمية الاقتصادية في الدول العربية. ان هذا الربط يكسب هذه الأسواق مصداقية واهمية اكبر, ويعزز ثقة المستثمرين المحليين والاجانب بأن الاستثمار في هذه الاسواق يحظى بعناية ورعاية ودعم اجهزة التنمية في هذه الدول. فلم يعد مبررا ان نشيد المكاتب الضخمة ونجلب احدث المعدات التكنولوجية ونوظف عشرات المتخصصين لتشغيل اسواق رأس المال دون ان نعرف بالضبط ماذا نريد من هذه الاسواق؟ ولقد قامت بعض الدول العربية والكثير من الدول الاجنبية وخاصة في دول شرق آسيا بانشاء اجهزة تربط بين انشطة اسواق رأس المال وبرامج الاصلاح الاقتصادي والمطلوب تقوية هذه الاجهزة وتعميم فكرتها. اما بالنسبة لفتح اسواق رأس المال امام الاستثمارات الاجنبية فنحن يجب ان لا ننسى اننا ملزمون بالتعامل مع هذا الموضوع سواء آجلاً أم عاجلاً وذلك بموجب تنامي الاتجاه العالمي لما يسمى بالعولمة وانفتاح الاسواق والالتزام ببنود اتفاقية منظمة التجارة الدولية, لذلك من الاجدى ان نعمل منذ الآن على وضع برامج وسياسات تؤمن تشجيع وجذب الاستثمارات الاجنبية من خلال قنوات وفي انشطة ومشروعات نختارها نحن وفق أولويات التنمية لدينا وتضمن استفادة اكبر من هذه الاستثمارات بدلا ان نحصرها في الاستثمار في اسواق الاوراق المالية فقط لأن ذلك يؤدي الى احداث مزيد من المضاربات وعدم الاستقرار في هذه الاسواق.

Email