محللون واقتصاديون يرصدون آثار تقلب الاسعار على مشروعات التنمية

ت + ت - الحجم الطبيعي

العلاقة بين الانخفاض الذي شهدته اسعار النفط في السوق العالمية والارتفاع النسبي مؤخرا وبين خطط وبرامج التنمية على امتداد الخليج بعامة, وفي الامارات بخاصة ما كان يمكن الا ان يتحول الى المحور الرئيسي للعديد من الحوارات والمناقشات الممتدة . والنمط الرئيسي في هذه المناقشات دار ولايزال يدور حول سؤال محدد: الى اي حد ستتأثر الخطط والمشروعات بتقلبات اسعار النفط في الاسواق العالمية؟ ويلفت النظر على الفور ان هذا السؤال على وجه التحديد كانت (البيان) قد بادرت الى طرحه في الحوار الذي اجرته, مؤخرا, مع الخبير الامريكي انطوني كوردسمان, فبادر الى ايضاح ان الارضية الصحيحة لمناقشة هذا الموضوع واسعار النفط, وانما الى اي حد نجحت اقتصادات النفط في تحقيق التنويع في مصادر الدخل, والتقدم بمنتجات جديدة وادخال تعديلات هيكلية من شأنها ان تحول دون ن تلهث قطاعات الاقتصاد وراء ارتفاع اسعار النفط وانخفاضها. ولكن ما هو بالضبط موقف المحللين الاقتصاديين في الامارات من هذا كله؟ وكيف يرون انعكاس اوضاع النفط على برامج التنمية ومشروعاتها؟ وما هي توقعاتهم في هذا الصدد؟ وآلام يستندون في بناء هيكل هذه التوقعات؟ والى اي حد يتفقون او يختلفون مع جوهر ما طرحه كورد سمان في حواره مع (البيان) . علامات الاستفهام هذه تجتمع لتشكل النسيج الذي يتم التعامل معه في هذا التحقيق وصولا الى بلورة رؤية مستقبلية واضحة حول هذا الموضوع. وفي البداية اعرب المحللون والاقتصاديون عن تفاؤلهم بشأن التحسين النسبي الذي طرأ, مؤخرا, على اسعار النفط, اثر اعلان الرياض الثلاثي الذي وقعته السعودية وفنزويلا والمكسيك, والذي تلاه اعلان الامارات والكويت وغيرهما من دول الاوبك باستثناء العراق وكذلك العديد من الدول المنتجة من خارج المنظمة عن خفض انتاجها من النفط لوضع حد لتدهور اسعار النفط الذي شهدته الاسواق العالمية بصورة متسارعة خلال الاسابيع الماضية. الا ان هذا التفاؤل لم يخل من بعض الحذر, حيث أكد هؤلاء المحللون ضرورة عدم الافراط في التفاؤل مشيرين الى ان اسعار النفط لن تستعيدما فقدته خلال الفترة الماضية بصورة سريعة, بل ان الامر سيستغرق فترة تصل الى عدة اشهر حتى تعود اسعار النفط الى سابق عدها. وقال مسؤول اقتصادي آثر حجب اسمه: ان هناك عدة عوامل مجتمعة ساهمت في تدهور اسعار النفط, خلال الفترة الماضية, ولم تكن زيادة انتاج البترول من جانب بعض الدول, وخاصة فنزويلا هي السبب الوحيد, وان كانت هي ابرز الاسباب, مشيرا الى ان هذه العوامل كذلك الازمة الاقتصادية التي تعرضت لها دول جنوب شرق آسيا, والتي احدثت نوعا من الركود الاقتصادي في العديد من الدول التي ترتبط اقتصاداتها بهذه الدول, مما اثر بشكل غير مباشر سلبا على اسعار النفط, بالاضافة الى استقرار الطقس في الدول الاوروبية والامريكية, مما قلل من الطلب على النفط كذلك, وساهم في تدهور الاسعار, كما ان التوصل الى اتفاق بين الامم المتحدة والعراق بشأن اتفاق النفط مقابل الغذاء وكذلك بشأن التفتيش على الاسلحة العراقية المحظورة ساهم في القضاء على المخاوف من تعرض العراق لضربة عسكرية, مما كان له كذلك اثر غير مباشر في هدوء الطلب على النفط وانخفاض اسعار النفط. عوامل اخرى واضاف المسؤول ان ذلك يوضح ان زيادة انتاج النفط لم تكن وحدها وراء تدهور اسعاره, فإن كان قد بدأ التغلب على هذا العامل عن طريق خفض انتاج النفط, فإن هناك عومل اخرى ستجعل اسعار النفط تظل عند مستوياتها الحالية لفترة قد تكون قصيرة او طويلة. وأكد المصدر نفسه انه من هذا المنطلق فإنه يجب على الدول المنتجة للنفط بوجه عام ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي تعتمد بصورة شبه اساسية في مواردها على النفط بوجه خاص ان تبني حساباتها على اساس ان النفط لن يستعيد سريعا الخسائر, التي تعرض لها خلال الفترة الماضية, ولذلك فان هذه الدول مطالبة بان تضغط نفقاتها بصورة اكبر واتخاذ الخطوات الكفيلة برفع مساهمة القطاعات غير النفطية في مواردها حتى لا تكون خططها التنموية معرضة للهزات من وقت لاخر نتيجة التذبذب في اسعار النفط عالميا. واضاف انه يجب على دول مجلس التعاون ان تكثف سعيها إلى ضبط النفقات العامة لتقديم الخدمات بتكلفة اقتصادية مناسبة وزيادة اوعية مصادر الموارد الذاتية وتحسين آلية تحصيلها مشيرا إلى ان الاستمرار في اعادة النظر في الاولويات وتحسين الكفاءة الاقتصادية للخدمات تؤكد ان التمويل والاعتمادات ورغم انها اساس التنفيذ الا انها تحتاج للدراسة والمتابعة ورفع كفاءتها. واكد المصدر انه على الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها حكومات دول مجلس التعاون لتنمية مواردها الذاتية وتنويع مصادرها لتقليل الاعتماد على العائدات النفطية الا ان كل المؤشرات توضح ان العائدات النفطية لدول المجلس ستستمر لسنوات طويلة مقبلة المصدر الاساسي في تمويل النفقات الحكومية ويجب ان يوضع في الاعتبار عند وضع الموازنات العامة الخليجية احتمالات تعرض اسعار النفط لأي هزات. قرارات فورية ومن جانبه قال عبدالعزيز عبدالله الزعابي, مدير ادارة الايرادات بوزارة المالية والصناعة انه من المؤكد انه تكون للتدهور الذي شهدته الاسابيع الماضية في اسعار النفط اثار سلبية على دول مجلس التعاون بشكل عام, وان تستمر هذه الاثار خلال الشهور المقبلة بسبب الاعتماد شبه الكلي لمعظم دول مجلس التعاون على ايراداتها من النفط وبالتالي فان اي قصور ولو كان محدودا في هذه الايرادات يؤثر بشكل مباشر على بند المصروفات بدول مجلس التعاون. وشدد عبدالعزيز عبدالله الزعابي على ضرورة التمسك من قبل الدول الاعضاء في اوبك بالتخفيضات المعلنة في مستويات انتاجها واتخاذ قرارات فورية وقوية جديدة, اذا لزم الامر, لاعادة تماسك اسعار النفط, والا فان الوضع سيكون سلبيا للغاية لو استمر الهبوط على المستويين المتوسط والبعيد. القطاع الاكثر تضررا وفيما يتعلق بالقطاعات الاقتصادية الاكثر تضررا في دول مجلس التعاون من جراء انخفاض اسعار النفط قال مدير ادارة الايرادات بوزارة المالية والصناعة ان حكومات دول المجلس, بشكل عام, في مثل هذه الظروف تركز في سياساتها على توجيه المصروفات والنفقات على القطاعات الحيوية والضرورية المتعلقة بمعيشة مواطنيها والمقيمين على ارض هذه الدول, حيث تعطي الاولوية للقطاعات الخدمية والتنموية لذلك فان هذه القطاعات لا تتأثر ولا تتضرر بشكل مباشر أو غير مباشر. واضاف ان اكثر القطاعات تضررا من انخفاض اسعار النفط في الغالب سيكون قطاع التجارة نظرا لانه يرتبط مباشرة بالحركة الاقتصادية في دول المجلس, سواء في حالات الانتعاش أو الركود, وفي الحالتين تكون الآثار على هذا القطاع مباشرة وسريعة, نظرا لاعتماد القطاع التجاري على الانفاق الحكومي بصورة كبيرة, وعند خفض هذا الانفاق فان هذا القطاع يتضرر بشكل ملحوظ. واشار إلى انه من الطبيعي ان يؤدي تدهور اسعار النفط إلى ظهور عجز ملحوظ في ميزانيات العديد من دول مجلس التعاون الخليجية, ولكن نظرا لقوة اقتصاديات هذه الدول فانها تستطيع الصمود لفترات طويلة في مواجهة اي هزات عالمية في اسعار النفط. وحول احتمال تأجيل بعض المشروعات التي كانت تعتزم بعض دول مجلس التعاون تنفيذها خلال الشهور المقبلة بسبب انخفاض اسعار النفط, استبعد عبدالعزيز الزعابي تأجيل المشروعات التي تم التعاقد عليها بالفعل, لان ذلك مرتبط بعقود مع شركات خليجية وعالمية, يصعب نقضها وعدم الالتزام بها, مشيرا إلى ان معظم دول مجلس التعاون لديها احتياطي في ميزانياتها لمجابهة اي تطورات سلبية قد تحدث وتقوم هذه الدول بالاستعانة بجزء من هذا الاحتياطي لتنفيذ التزاماتها مع هذه الشركات. واعرب عن تفاؤله بأن دول مجلس التعاون ستخرج من المرحلة الراهنة بسلام, وتستعيد قوة مواردها من جديد, مؤكدا ان حكومات دول مجلس التعاون اصبحت لديها خبرات كبيرة في مواجهة مثل هذه الازمات والتعامل معها بحكمة واقتدار نظرا لانها مرت بتجارب وظروف مشابهة قبل ذلك عدة مرات. دراسة اسباب التدهور ومن جانبه قال الدكتور ناصر سيف المنصوري, الباحث الاقتصادي المتخصص في التخطيط العمراني, انه على الرغم من وجود بوادر على الخروج من الازمة الراهنة بالنسبة لانخفاض اسعار النفط بعد اتفاق الرياض واعلان العديد من الدول المنتجة عن تخفيض انتاجها, الا انه يجب عدم ترك ما حدث يمر مرور الكرام, بل يجب دراسة اسباب هذا التدهور الذي حدث بدقة ومعرفة ملابساته, حتى لا يتكرر بهذه الصورة القوية, مشيرا إلى انه من الواضح ان مازاد الاسعار تدهورا استقرار الطقس في الدول الغربية والازمة الاقتصادية بالدول الاسيوية اضافة إلى عدم التزام الدول الاعضاء بأوبك بالحصص المقررة لها. وأكد على اهمية وضع سياسة واضحة محددة لأوبك على المديين المتوسط والبعيد, حتى لا تكون الامور عرضة لمتغيرات عابرة وظروف طارئة. وقال انه يجب ان تزيد دول مجلس التعاون اهتمامها بالاستثمار في المشروعات غير النفطية التي يمكن ان تكون لها على المدى البعيد عوائد مجزية تعوض اي انخفاض في العائدات البترولية حتى لا تتأثر المشروعات الحكومية الضخمة بتذبذب اسعار النفط. التقلب أمر مألوف واشار الى ان موضوع تقلب اسعار النفط ليس بجديد حيث انه بعد ظاهرة متكررة الحدوث من وقت لآخر, ولذلك فان الارتباط بالنفط كمصدر اساسي للدخل يعد مجازفة كبيرة, مشيرا الى ان معظم دول مجلس التعاون تعتمد على خطط تنموية لخمس سنوات وعشر سنوات ويتم في هذه الخطط الاعتماد على اسعار معينة للبترول احيانا كانت تدور في الفترة الماضية حول 1_ دولارا للبرميل وعندما وصل سعر البرميل الى ما دون حاجز الـ 15 دولارا, فان هذا كان معناه حدوث نقص مليارات الدولارات في الميزانيات المقدرة ضمن هذه الخطط, وهذا معناه حدوث ارتباك كبير في هذه الخطط, وهذا ما يجعل موضوع تنويع مصادر الدخل امر اكثر الحاحا من اي وقت مضى. وتوقع ان تكون الفترة المقبلة من العام الحالي اكثر صعوبة بالنسبة لأسعار النفط تطرأ لدخول موسم الصيف, الذي يقل فيه الطلب بشكل طبيعي على النفط, بالاضافة الى ان المستهلكين الرئيسيين قاموا خلال الفترة الماضية بتكوين مخزونات كبيرة خلال فترة انخفاض اسعار النفط وزيادة المعروض منه, مما يجعل لهم القدرة لتقليل طلبهم على النفط خلال فترة ليست قصيرة وبالتالي يحافظون على اسعار منخفضة نسبيا بالاسواق العالمية. وقال الدكتور ناصر سيف المنصوري انه من الطبيعي ان يسفر تدهور اسعار النفط عن عجز في موازنات بعض الدول الخليجية وبالتالي فان العديد من المشروعات التي لم يتم التعاقد عليها بالفعل قد تؤجل وسيتم تنفيذ المشروعات حسب الاولويات وتأجيل المشروعات غير الملحة لحين تحسن الاوضاع كما ان بعض الدول قد تعطي الاولوية لتنفيذ المشروعات التي يتوقع ان يكون لها عائد اقتصادي على المدى القصير والمتوسط. واعرب عن اعتقاده بأن دول مجلس التعاون اصبحت لديها مناعة ضد مثل هذه الازمات في اسواق النفط العالمية, حيث انها مرت بتلك الازمات عدة مرات واصبحت لديها خطط بديلة للتعايش مع هذا الواقع بما يخدم اقتصاداتها بأفضل شكل ممكن. اسئلة تفرض حضورها في هذا التحقيق يستمد هذا التحقيق اهميته من العديد من العناصر ابرزها طبيعة الموضوع الذي يتصدى لمعالجته وهو العلاقة بين تقلبات اسعار النفط في الاسواق العالمية والشكل الذي يمكن ان تنعكس به على مشروعات التنمية في دول الخليج بعامة والامارات خاصة. ولكن ما هو بالضبط موقف المحللين الاقتصاديين الاماراتيين من هذا الموضوع؟ كيف يرون انعكاس اوضاع النفط على برامج التنمية ومشروعاتها؟ ما هي على وجه الدقة توقعاتهم في هذا الصدد؟ وما الذي يستندون اليه في بناء هيكل هذه التوقعات والى اي حد يتفقون او يختلفون مع جوهر ما يطرحه الخبراء العالميون من ضرورة تنويع مصادر الدخل وتطوير قاعدة الانتاج في الدول المنتجة للنفط؟ من المؤكد ان القارىء سيلفت نظره على الفور تقريبا ان المحللين الاقتصاديين في الامارات يميلون الى ابداء تفاؤلهم المشوب بالحذر حيال تطورات العلاقة بين اسعار النفط وبين مشروعات التنمية. ولكن السؤال الكبير هو الى اي حد يمكن القول ان هذا التفاؤل مبرر موضوعيا؟ وفي الوقت نفسه ما هو بالضبط هامش الحذر فيما يعربون عنه من آراء؟ واخيرا هل تشكل الاحتياطات المالية الخليجية حقا شبكة امان للمشروعات الخليجية من استمرار التقلبات في اسعار النفط في الاسواق العالمية؟ (البيان) تحدد الارضية الصحيحة للنقاش من خلال الحوار الذي اجرته (البيان) مؤخرا مع الخبير والباحث الامريكي المعروف انطوني كوردسمان بادرت الى تكريس الارضية الصحيحة للنقاش حول علاقة اسعار النفط بمشروعات التنمية في الخليج حيث اوضح مدير برنامج دراسات الشرق الاوسط بمركز الابحاث الاستراتيجية والدولية ان اقتصادات الدول المنتجة للنفط مطالبة بالمبادرة الى تنويع موارد الدخل والخروج بمنتجات جديدة لكي تتجنب التأثيرات السلبية لتقلبات الاسعار في الاسواق العالمية على مشروعات التنمية الخليجية. و(البيان) في مواجهة هذه العلاقة الدقيقة بين الاسعار العالمية والمشروعات التنموية تسلم بامكانية الاعتماد على الاحتياطات المالية المتوافرة لدى دول الخليج لمواجهة مثل هذه المواقف على الاقل في المدى القصير ولكن السؤال المطروح هنا هو الى اي مدى يمكن الاعتماد على هذه الاحتياطيات؟ ومن الواضح ان مناقشة قضية على هذا القدر من التعقيد لا ينبغي ان تكون من منظور التفاؤل او التشاؤم وانما من منظور محدد والذي يمكننا المبادرة بعمله الآن وهنا لكي تتواصل خطط التنمية في الاطار المحدد لها مسبقا. تحقيق: عبدالفتاح منتصر

Email