تحليل اقتصادي: أوبك في الطريق الصحيح إلى ناد لكبار المنتجين: بقلم - كامل يوسف

ت + ت - الحجم الطبيعي

يأتي قرار دولة الامارات تخفيض انتاجها من النفط الخام بمقدار 125 ألف برميل يوميا, ابتداء من اول ابريل المقبل, اسهاما ايجابيا في خطوة اوبك وبعض المنتجين من خارجها الهادفة الى خفض الانتاج بما يعادل مليوني برميل يوميا , او حوالي 2.7% من اجمالي عرض النفط العالمي, وهي الخطوة التي انعكست بالفعل في صورة ارتفاع مبشر في الاسعار في الاسواق العالمية. وتبرز في هذا الاطار الدعوة التي وجهتها الامارات الى الدول الاعضاء في اوبك, والدول المنتجة خارج اطارها لتخفيض انتاجها تحقيقا للتوازن المنشود في السوق النفطية. ولا تقل اهمية عن ذلك الدعوة الى ان تحذو جميع الدول المنتجة من خارج اوبك حذو المكسيك في تعاونها لخدمة مصالح المنتجين. والواقع ان هذه الخطوة الايجابية, التي يسود الاجماع على انها شملت جميع منتجي اوبك باستثناء العراق بعد البيان الثلاثي الصادر في الرياض عن وزراء نفط السعودية وفنزويلا والمكسيك ما كان يمكن الا ان تنعكس, بشكل تلقائي, على الاسواق العالمية, حيث تجاوز سعر النفط في نيويورك بحسب (نايمكس) حاجز الـ 16 دولارا (للبرميل) وقال متعاملون في الاسواق العالمية ان من شأن خفض الانتاج بمعدل مليوني دولار يوميا ان يعيد سعر خام برنت الى دائرة ال 16 دولارا للبرميل. والسؤال الذي يبرز هنا بقوة هو: على اي مستوى يدور تأملنا لهذه التطورات؟ اذا كنا نتحدث عن المدى القصير, فإن من المنطقي ان نشهد مثل هذا التطور, ولكن ماذا عن المدى المتوسط؟ ماذا عن المدى البعيد؟ لكي نتمكن من التعامل الناجح مع هذه النوعية من الاسئلة, علينا ان نتذكر حقيقة اساسية هي ان اوبك قد كفت منذ وقت ليس بالقصير عن ان تكون كارتلا يتحكم في الاسعار من خلال تحكمه في حصة قوية ومؤثرة من الانتاج. ان هذا يعني, في جوهره, ان اوبك تواجه معضلة هيكلية, متعلقة بتركيبة الوضع في السوق النفطية, ففي خلال الفترة من 1973 وهو عام الصدمة النفطية الاكثر حدة في تاريخ النفط كسلعة استراتيجية والعام 1996 تراجع نصيب اوبك من الانتاج العالمي من النفط من 37% الى 29%, مما يعني هيكليا ان السيطرة على السوق من جانب اوبك, باعتبارها كارتلا قادرا على التحكم في هيكل الاسعار, لم تعد شيئا يندرج في حقائق العالم الاقتصادية اليوم. ولو نظرنا الى السوق العالمية من منظور الطلب العالمي على النفط لوجدنا ان العديد من المؤثرات, بينها الازمة الآسيوية ووضعية المناخ في النصف الشمالي من الكرة الارضية, قد ادت الى انخفاض كبير في الطلب, بحيث انه يتراوح بين 72 ــ 74 مليون برميل يوميا. وعلى جانب العرض, فإن اوبك قد حددت رسميا سقفا للانتاج في يناير الماضي هو 27.5 مليون برميل يوميا, ولكنه فعليا تسلق صاعدا بمعدل 630 ألف برميل يوميا, ليصل الى 28.13 مليون برميل يوميا. والدول غير الاعضاء في اوبك قدر ان انتاجها يعادل خلال الفترة من ابريل الى مارس 45.3 مليون برميل يوميا. واذا اضفنا حالة العراق, لوجدنا انه يمكنه نظريا, ان ينتج 2.6 مليون برميل يوميا, وعمليا فإنه يمكن ان ينتج حوالي مليوني برميل يوميا وقد انتج بالفعل في يناير الماضي 507 آلاف برميل يوميا, ارتفعت في فبراير الماضي الى 0.9 مليون برميل يوميا. ما الذي يعنيه هذا؟ انه يعني, جوهريا, ان هناك اختلالا ملموسا بين العرض والطلب العالميين, وقيام اوبك منفردة بخفض انتاجها لن يؤدي الى تأثير ايجابي على الاسعار لان الدول غير الاعضاء ستمتص هذا التأثير, عن طريق قيامها بزيادة انتاجها بالقدر نفسه الذي خفضته اوبك. ومن هنا, بالضبط, تأتي أهمية مشاركة المكسيك في مشاورات الرياض وبيانها الوزاري الثلاثي, لان ذلك يعني ان اوبك بدأت تنطلق على الطريق الصحيح الى التحول الى ناد لكبار المنتجين, يكفل امكانية التحرك بما فيه صالح الجميع, بما في ذلك صالح الدول المستهلكة للنفط, التي لايخدمها الاستمرار في خفض الاسعار بما يؤدي الى تقليص الانفاق الاستثماري على عمليات التنقيب والتطوير النفطية, وهو ما يعني خطرا مستقبليا مؤكدا عليها قبل اي طرف آخر.

Email