نحن والعالم - بقلم: حسن العالي

ت + ت - الحجم الطبيعي

تشهد الدول الخليجية, في الوقت الحاضر, تداول العديد من التشريعات والقوانين الهادفة الى تحرير التجارة والاقتصاد في خطوات استعدادية لما سوف تفرضه اتفاقية الجات على الدول, خلال السنوات العشر المقبلة من خطوات واجراءات , تهدف الى فتح اقتصادياتها امام العالم. وقد شملت هذه التشريعات والقوانين عدة مجالات حيوية, مثل المحاماة والتأمين على الحياة والوكالات التجارية. وقد واجهت التعديلات الهادفة الى تحرير التشريعات والقوانين الخاصة بهذه الانشطة معارضة وانتقادات, فيما حاولت الجهات المختصة توضيح اهداف هذه التعديلات, ولعل آخرها ما نسمع عنه ونقرأه, في الوقت الحاضر, حول التعديلات المقترحة على قانون الوكالات التجارية. إننا ندرك أن نهج التحرر الاقتصادي يبرز, في الوقت الراهن, كنهج عالمي, يتبعه الكثير من الدول, في اطار برامج موضوعة للاصلاح الاقتصادي, كما ينطوي هذا النهج على جعل الانشطة الاقتصادية والاستثمارية قائمة على اساس التنافس والكفاءة امام المستثمرين المحليين والاجانب, وتخليص الاقتصاد من التشوهات والمعوقات, التي تحد من تحقيق ذلك. وبمعنى آخر فان اقتصاديات دول المنطقة ــ بالمحصلة النهائية ــ لابد أن تنفتح امام اقتصاديات العالم, سواء تحت مظلة الجات, أو غيرها من المظلات, فالسنوات المقبلة هي سنوات اندماج الاقتصادات وتكاملها على مستوى العالم. إلا اننا نريد في هذا المجال توضيح قضيتين اساسيتين, لهما صلة بالتحرر الاقتصادي, الاولى هي كون اجراءات التحرر الاقتصادي لا تمثل غاية بذاتها, وانما وسيلة لبلوغ غاية معينة, والقضية الثانية هي الاجراءات التي ترافق قرارات تحرر الاقتصاد. وفيما يخص القضية الاولى, فاننا نلاحظ انه وعلى الرغم من الجهود المتواصلة والحثيثة التي تبذلها الاجهزة المعنية في دول المنطقة, من اجل تثبيت سياسات التحرر الاقتصادي وتطويرها نقول على الرغم من هذه الجهود, فان التحرر الاقتصادي المتحقق في هذه الدول لم يتم استثماره بالشكل المطلوب, سواء في جذب الاستثمارات الوطنية او الخارجية. فاجراءات التحرر الاقتصادي تنطوي على تكاليف يدفعها الاقتصاد الوطني نفسه, واذا لم تقابل هذه التكاليف بالمردودات المرضية على المدين القصير والطويل الاجل, فلابد أن يعاد النظر في تلك الاجراءات. ويمكن الملاحظة ايضا ان حجم الاستثمارات المحلية والاجنبية لا يزال في مستويات متواضعة, كما لا يزال هناك الكثير مما يستوجب العمل من اجل تحقيقه لمرحلة ما بعد التحرر الاقتصادي. وللتوضيح فاننا نشير هنا الى جانبين رئيسيين لما نطمح ان نرى تحقيقه خلال الايام المقبلة. فالجانب الاول وجود برامج واضحة ومرسومة لاهداف ومضامين واساليب الاصلاح الاقتصادي, الذي نسعى الى تحقيقه, والذي سوف يوصلنا الى بناء اقتصاد منوع وقوي, بحيث تبين هذه البرامج الدور المنوط بكل قطاع اقتصادي, والاسس المعتمدة لتحسين كفاءة كل قطاع, ومن بينها سياسات التحرر الاقتصادي. فمن شأن وجود هذه البرامج ان توضح وتطمئن المستثمرين للمسارات الاستراتيجية للتنمية وكيفية تحقيق مساهمات اكبر من قبلهم في تحقيقها. اما الجانب الثاني فهو وجود مبادرات اكبر وأوسع للقطاع الخاص لتحفيز الاستثمار الوطني في كل الانشطة الاقتصادية. ومن شأن الجهود المبذولة لتحقيق هذين الجانبين ان يوفر اكبر حافز للمستثمرين الخارجيين للاستثمار في دول المنطقة مستفيدين استفادة قصوى من بيئة التحرر الاقتصادي في دول المنطقة, وبالتالي يمكن القول ان سياسات التحرر الاقتصادي قد قامت باداء دورها المطلوب في التنمية الاقتصادية, وتمكنت من تغطية تكاليفها. أما القضية الثانية, فهي الخاصة بالاجراءات المصاحبة لقرارات التحرر الاقتصادي. فعندما يجري الحديث عن اندماج اقتصادات العالم وتكاملها, خلال السنوات المقبلة, فان القائمين على تخطيط هذه الاقتصاديات وتوجيهها لابد أنهم الآن يواصلون البحث عن المزايا الخاصة التي تتمتع بها اقتصادياتهم لتمتاز بها عن بقية دول العالم في منظومة الاندماج والتكامل. وفي الوقت الذي نتفق على أن الاستعداد لهذا الاندماج بحاجة الى خطوات تتخذ, منذ الآن, لكي لا نجبر لاحقا على اتخاذ خطوات متعدلة وقسرية, فاننا نرى ان فترة السماح الممنوحة للدول النامية لتحرير اقتصاداتها, والتي تصل الى عشر سنوات لبعض الخدمات ليس المقصود منها تمكين هذه الدول من اتخاذ خطوات تمهيدية على طريق التحرير والكامل فحسب, بل والاهم من ذلك تأهيل انشطتها وقطاعاتها الاقتصادية, وخاصة تلك التي تمتاز بمزايا تنافسية واضحة, تؤهلها للاستمرار والتفوق, حتى في ظل الانفتاح الكامل, وذلك من خلال سلسلة من اجراءات التعزيز والتقوية الذاتية. اننا واثقون من ان انشطة وقطاعات اقتصادية عديدة تمتاز بمزايا تنافسية كبيرة تؤهلها للاستمرارية والبقاء لتلعب دورا رئيسا في تنويع الاقتصاد. والمطلوب تحديد هذه الانشطة والقطاعات, والعمل على تعزيزها وتأهيلها وتقوية امكاناتها الذاتية, جنبا الى جنب مع اجراءات التحرير, ولكي لا يسود احساس معاد لهذه الاجراءات, يصورها وكأنها تريد الهدم بدلا من البناء.

Email