اتجاهات مالية: آلية عمل السوق: بقلم- أوزموند بلامر

ت + ت - الحجم الطبيعي

يدرك معظم مطالعي الصحافة الاقتصادية ان الامارات العربية المتحدة على عتبات عهد جديد, اذ توشك ان تعلن رسميا عن قيام بورصة للأسهم. وحري بهذا التطور أن يلقى كل الثناء والتقدير, لأن النظام التجاري على الاقل والنهج الاقتصادي الذي تختطه البلد حاليا, يفاقم من صعوبات تحديد وتعريف القيمة السوقية, التي هي مؤشر حيوي عن الأداء . ولست على إحاطة تامة بكل تفاصيل التنظيمات التي سوف تأخد طريقها الى حيز التطبيق فيما يخص متطلبات تدوين التقارير أو ما يتعلق بشروط ومستلزمات الادراج الجديد, إلا أن التجارب الاقليمية والدولية في هذا المجال تدعو على أية حال, الى استيفاء بعض المتطلبات الضرورية. وحسب فهمي للأمور, فلابد أن تكون هناك قاعدة تمنع البنوك من اقراض اكثر من 50% من قيمة اسهمها, وهو تنظيم معتمد في مناطق اخرى من العالم وينبثق أساسا عن نظام لومبارد لتقييم الاصول, إلا أن ما تفتقر اليه بعض الأسواق الاقليمية الاخرى عموما إنما هو المعايير المحاسبية الواضحة المعالم والأطر التي تبرز من خلالها بجلاء وشفافية الحسابات المعلنة الصادرة عن الشركات المدرجة في البورصة رسميا. وهناك حشد من المعايير الدولية التي يمكن اعتماد اي منها, الا أن من بين هذه معيار ينبغي التزامه بحذافيره. ومن شأن هذه الخطوة تعزيز مصداقية السوق المحلية, كما أنها سوف تتيح, اذا تم اعتماد منظومة المعايير المناسبة, سلاسة تدفق التمويل الأجنبي من خلال ما تضمنه من تذليل العقبات الخاصة بعمليات الادراج في البورصات الاجنبية وتبسيط الاجراءات على هذا الصعيد. ورغم أنه حتى تلك المعايير المحاسبية المتشددة المتبعة في الأسواق الاكثر تطورا عرضة, هي الاخرى للابتذال وإساءة الاستخدام, إلا أن المبدأ بحد ذاته لا ينبغي العدول عنه والاغضاء من أهميته. فالميزانيات العمومية العلنية المفصلة وحسابات الربح والخسارة والتقارير الخاصة بتدفق السيولة النقدية, وما يصاحبها من لوائح وبيانات تتيح للمستثمرين الاطلاع عن كثب على مجريات الأمور في الشركة وحقيقة أدائها من منظور محاسبي من أجل تحقيق تلك المعادلة (السحرية) وجني الأرباح, وحين تكون الأمور على هذا القدر من الشفافية يستطيع المحللون تقرير ما إذا كانوا يباركون أداء الشركة من خلال ما بين أيديهم من معطيات حولها, أو أنهم يتشككون بمدى ما تتمتع به الشركة من حكمة وحنكة ويبادرون بالتالي الى تصنيف أسمها على هذا الأساس. بيد أننا نفتقر حقيقة الى سبل محددة الملامح تمكننا من تحديد وتعريف الربح, وكل ما بين أيدينا من هذا القبيل إنما هو خطوط رئيسية واضحة المعالم, فقيمة الاسهم ترتفع مع تصاعد الآمال بوفرة الأرباح المستقبلية, وهي ضعيفة التأثر بالسجل التاريخي للأرباح في تلك الشركة. ومن هنا تنبع أهمية السياسات المحاسبية الشفافة التي تتحلى بالسداد والحكمة, اذ انها تفتح أعين المستثمر وتبصره بالمواطن المحتملة للقيمة والأرباح الواعدة مستقبلا. وهناك, فضلا عما تقدم, ميدان آخر تعرض فيه بعض الاسواق الاقليمية المستثمرين الى مخاطر لم تكن في حسبانهم. هناك غياب للتنظيمات التي يتعين بموجبها على الشركات المعومة إصدار بيانات ترصد أداءها وتظهر بوضوح أنها خاضت حقيقة غمار العمل الاقتصادي في مضمار تخصصها. وكان هذا الخلل قد استفحل الى حد أنه تم بالفعل تعويم بعض المشاريع الصناعية الصغيرة بشكل مستقل, حتى قبل الشروع في إقامة المباني التي ستضم المصنع الذي يخرج منه المنتج الذي يطرح للبيع. فإذا نحينا جانبا الاحتمالات القوية بنشوء ثغرات يعشش فيها الفساد ويستغلها البعض للاثراء من ركوب موجة عمليات التعويم هذه, فإن هذا النقص التنظيمي الذريع يعرض المستثمر لمخاطر هو في غنى عنها. وكم أود شخصيا اشتراط الهيئة التنظيمية على الشركات ابراز حسابات كاملة تغطي ثلاث سنوات وتنسجم مع الاطار العام والمعايير المحاسبية المعتمدة في البورصة المعنية وذلك قبل إعطاء الضوء الأخضر لتعويمها. فإذا لم يكن في المقدور وضع هذه التوصية حيز التنفيذ فلا بد حينذاك من اللجوء الى إدراج ثانوي لمثل هذه الاستثمارات ذات الطابع الرأسمالي الشركاتي. ويمكن من ثم انتهاج سياسة متأنية تحرص على تفادي المأزق والمشاكل. كما أن من شأن هذا التوجه ان يكشف بوضوح المخاطر التي يمكن ان يتعرض لها المستثمرون في هذه الشركات ليكونوا على بينة من أمرهم قبل خوض التجربة. نائب رئيس لويدز بانك*

Email