اتجاهات مالية:الأكبر هو الأقدر: بقلم- أوزموند بلامر

ت + ت - الحجم الطبيعي

أضحى هوس (الاندماج) التقليعة الدارجة في أسواق الغرب الرأسمالية. وكلما هممت بمجرد التفكير بأن عواصف هذه اللوثة هجعت قليل ا, هاجت وماجت واشتد عنفوانها وعادت تعربد من جديد في اماكن متوقعة حينا, وحينا تطال زوابعها مواقع لم تكن تخطر ببال احد. وتارة تحرز هذه الاندماجات نجاحا باهرا, ويفسدها الاخفاق تارة أخرى. كما شهدنا في الانهيارات التي زلزلت مؤخرا اندماجات كبرى في قطاعي الادوية وشركات الحسابات. لقد غزت نشاطات الاندماج والتملك بقاع العالم كلها وبات من العسير تجاهلها. وهي بنظر البعض هدف الرأسمالية الاقصى ومنتهى غاياتها حيث يترك الضعيف ومصيره, فاما يهلك, واما يلتهمه القوي ويراها البعض تجسيدا للشرر المستطير, اذ تبتلع الشركات الكبرى الصغرى وتدمرها, ويعتبرها نفر آخر عدالة السماء ولونا من احقاق الحق, اذ تجد الشركات الكبرى نفسها عاجزة عن التكيف بسرعة مع الاسواق لمجرد ان حجمها الضخم افضى بها الى نوع من القصور الذاتي, ولذا فانها سرعان ما تقع ضحية الدهاة من منافسيها الصغار (الذين يتضخمون من بعدها ليواجهوا (هم ايضا معضلة القصور الذاتي) . ووراء كل موقف اخلاقي نتخذه حيال سوق الاندماجات وجهة نظر تتصدى لتبريره. وتكاد الخدمات المالية تكون هي الميدان الوحيد الذي برهنت فيه مشاريع الاندماج في اغلبيتها الساحقة على سدادها وبالغ حكمتها. واوروبا مثلا موقع لبحر زاخر من البنوك. وهي لن تحتاج مع قدوم السوق الموحدة إلا الى ثلث تلك البنوك. كما أن دولة الامارات تحتضن هي الأخرى من البنوك ما يفيض عن حاجتها وبكل المقاييس. لذا فمن الاجدر ان يلقى اعتزام بنك دبي الوطني البحث عن شركاء اندماج كل ترحيب. فالبنوك الاضخم هي الاكبر جبروتا. وكل قوة تكتسبها الخدمات المالية تحل (بركاتها) على العملاء والمساهمين سواء بسواء. ويتطلب الامر صمود عدد معين من البنوك التي نحتاجها لتشجيع التنافس ولضمان عدالة التسعير. وقصارى القول ان هذه النقطة بالذات هي التي اجهضت مباحثات الاندماج ما بين مجموعة كي بي ام جي وشركة ارنست ويانج في عالم الحسابات. الا ان وفرة البنوك وغزارتها يمكن ان تقود على أية حال الى تأجيج التنافس القائم على العامل السعري. كما يمكن ان تؤدي الى الغلو في عمليات الاقراض المتهور بغرض زيادة الارباح او اقتناص حصة اكبر في السوق وربما قاد هذا بدوره الى هاوية الكوارث حيث ينزل القدر المحتوم بالبنوك الصغيرة التي كانت تنعم بقدر لا بأس به من البحبوحة الربحية وتحول قروضها المعدومة الى اشباح مؤسسات تصفر فيها رياح الخراب بعد تآكل ملآتها الائتمانية. ومازلت اذكر ابان ازمة بنك بارينجز منذ سنوات مضت مدى الذهول الذي اعتراني جراء امر واحد بعينه, لقد كان ما أذهلني ان بنكا يجمع في قبضته كل هذه السطوة وينتشر في آسيا كل هذا الانتشار, ويباهي فوق ذلك كله بتاريخ عريق, ثم هو لا يملك سوى النذر اليسير من القاعدة الرأسمالية. ان البنوك الصغيرة يمكن ان تتمتع حقا بربحية عالية كما اتحفتنا بذلك (احدث) موجة للتقارير الموسمية التي ترصد اداء بنوك الامارات المحلية. الا ان البنوك الصغيرة هي من الزاوية الاخرى عرضة لمخاطر جسيمة ان هي لم تتوخ اقصى درجات الحذر فيما يتصل بأصولها. وفيما يلقى تدني أسعار النفط بظلال كئيبة من الشكوك بخصوص افتقار سياسة رسم الميزانية في بعض بلدان المنطقة الى الحنكة فان مخاطر تحول الاصول الى أصول عاجزة في ادائها ومن ثم صيرورتها الى مديونية تنوء الجبال بحملها مخاطر تكبر وتتعاظم لتدق نواقيس الخطر. وكلما بالغ البنك الصغير في توسعة اصوله لحفز النمو كلما اصبح أشد عرضة للمخاطر. وللحجم في عالم الخدمات المالية شأن عظيم. وحري بأي خطوة نحو دمج المؤسسات المصرفية المحلية ان تصادف كل تهليل وتشجيع. وربما اسفر عن هذا مثل هذا الاتجاه ان تواجه بعض الشركات صعوبات أكبر في الحصول على التمويل. وحتى هذا الوجه السلبي ها هنا له ايجابياته ولربما كان هذا مدعاة أكبر لخوض معركة الاندماج. نائب رئيس لويدز بنك*

Email