بعد الانهيار الأخير في أسعاره هل فقد الذهب بريقه: الخبراء يؤكدون عودة (الأصفر) للتحليق قريبا

ت + ت - الحجم الطبيعي

تلقى الذهب صدمات متتالية في الاشهر القليلة الماضية دفعت اسعاره الى ادنى مستوياتها منذ 18 عاما ونصف العام حيث هبطت الى 280 دولارا للأونصة لتنخفض بنسبة 20% في غضون اشهر قليلة. وقال محللون ان الانخفاض في الاسعار يعود الى الزيادة الكبيرة في العرض بدرجة تفوقت فيها على الزيادة في الطلب, وكانت هولندا قد باعت نحو 300 طن من الذهب كدفعة رابعة لتخفض احتياطياتها منه بنسبة 20% وكانت استراليا قد هزت اسواق الذهب العالمية في النصف الثاني من العام الماضي عندما اعلنت عن تخفيض احتياطياتها من الذهب بمقدار الثلثين على الرغم من انها تعتبر من الدول الرئيسية المنتجة للذهب في العالم. وفي الاسابيع القليلة الماضية اعلنت الارجنتين انها تخلصت من جميع ارصدتها واحتياطيها من الذهب والبالغة 124 طنا بقيمة 1.46 مليار دولار واستثمرتها في سندات الخزانة الامريكية بعائد 5% سنويا اي ما يعادل 81 مليون دولار وهي افضل من الاحتفاظ بالذهب كأصول غير منتجة. ورغم ذلك فان بعض اصحاب مناجم الذهب في العالم مازالوا يعتقدون ان الذهب معدن ثمين وسلعة استثنائية لا تخضع لقوانين العرض والطلب كما هو الحال بالنسبة للمعادن الاخرى, ومن هنا نطرح السؤال التالي: هل صحيح ان الذهب صاحب التاريخ العريق فقد بريقه واصبح لا يصلح كأداة للاستثمار والادخار وانحدر الى مرتبة المعادن العادية الاخرى على الرغم من الصفات الفريدة التي يتمتع بها؟ يؤكد رالف شنيبلي الرئيس التنفيذي الاقليمي لمجلس الذهب العالمي في دبي ان الذهب لم يفقد بريقه ولم يخسر عرشه باعتباره الملاذ الآمن والضمانة الموثوقة وقارب النجاة في بحر عات من التقلبات والقلاقل الاقتصادية. وحذر من الاصغاء الى ترهات المحللين الغربيين الذين تعالت من ابواقهم صيحات التحذير من اتخاذ الذهب مطية استثمارية عشية الهبوط الحاد في اسعار الذهب العام الماضي. ويفند شنيبلي مقولة ان الذهب استثمار سيء باعتبار ان هذا الزعم لا يأخذ في الحسبان الادوار المتنوعة التي يلعبها الذهب في الثقافات الشرقية ويضيق النظرة الى هذا المعدن النفيس مقتصرا على المقاييس الغربية التي تحصر اهمية اية سلعة اقتصادية بمدى ربحيتها على المدى القصير. وينظر الى الذهب في الشرق وعلى نطاق واسع, بأنه يوفر سياج امان يجبر العثرات التي يخبئها الغد وانه يؤمن قدرا لا بأس به من الحماية في اسوأ الاحتمالات, وجاءت احداث 1997 برهان ناصع يرسخ الحكمة البالغة من انتهاج هذا الاسلوب, ففي غمرة الزلزال الحالي الذي ضرب اقتصاديات جنوب شرقي آسيا حين هوت عملاتها وانهارت بورصات الاسهم لديها بشكل مريع وافلس العديد من البنوك, كان مالكو الذهب هم ملوك الموقف اذ استطاعوا بيع بعض مما في حوزتهم من هذا المعدن الثمين للوفاء بالتزاماتهم في وقت بلغ فيه الموقف اشد درجات الحرج واثبتت هذه المحنة قدرة الحلي الذهبية والسبائك والمجوهرات والدنانير الذهبية على تفادي عواقب الكارثة وانقاذ اسر بكاملها ومجتمعات, وحدث الامر نفسه في تركيا عام 1994 واتسعت دائرته هناك بشكل شامل بحيث تحولت تركيا, وهي البلد الذي يستورد في المعتاد كميات كبيرة وضخمة من الذهب تحول فجأة الى مصدر له من الربع الثالث من العام المذكور واذا عدنا الى التاريخ فهناك امثلة كثيرة جدا تدل في مجملها على ان هناك سببا وجيها للاحتفاظ ببعض الذهب للحماية من الاخطار المستقبلية. الصعود الحاد يقول ناصر تيسير النابلسي النائب الاول للرئيس في شركة ميريل لينسن العالمية فرع دبي, كلنا يتذكر الصعود الحاد لسعر الذهب ووصوله الى 800 دولار للاونصة في بداية الثمانينات ايام حرب الخليج بين العراق وايران. ففي هذه الفترة كان الذهب هو الملاذ الآمن الذي يلجأ اليه الناس في وقت الحروب والازمات وكذلك عندما ترتفع نسبة التضخم في بلد ما يلجأ الناس لشراء الذهب عندما تنخفض القوة الشرائية لعملة ما في ظل التضخم. لكن الذهب حاليا فقد هذه الوظيفة ونتيجة لبيعه بشكل مكثف من جانب عدة مصادر فقد بريقه وهبط سعره حاليا وفي اواخر عام 1997 الى 285 دولارا وبعد ان كانت اسعار الفضة تأخذ نفس اتجاه اسعار الذهب اصبحت تأخذ اتجاها معاكسا الآن. ولكن اذا سألنا انفسنا من الذي يبيع الذهب حاليا سنجد جهات كثيرة تبيعه بصورة جعلت العرض يتفوق على الطلب بشكل كبير ويضغط على الاسعار بالصورة التي نراها حاليا, ومن هذه الجهات الدول المنتجة وكذلك صناديق الاستثمار العالمية التي تحركت للبيع خوفا من حدوث نزول حاد في الاسعار. كذلك نلاحظ ان البنوك المركزية ايضا بدأت تبيع كميات كبيرة من احتياطياتها من الذهب لاعتقادها انه يشكل اموالا مجمدة اما اذا باعته واشترت به اذون خزانة بفائدة ثابتة ستكون هي المستفيدة. كذلك فإن سويسرا تبيع الان كميات كبيرة من الذهب لدفع التعويضات لليهود تحت ما يعرف باسم الهيلوكوست. ولكن الملاحظ ان الاسعار بدأت في التحسن حيث صعدت خمسة دولارات تقريبا في الاسبوع الاول بعد عودة اسواق المال العالمية للعمل في السنة الجديدة ويعود ذلك لانتعاش المشتريات الى حد ما مع موسم اعياد الميلاد ورأس السنة وكذلك المشتريات النشطة للاسواق الهندية بعد تحرير تجارة الذهب هناك. ويعتقد النابلسي ان الذهب سيسترد انفاسه ويصعد من جديد في المستقبل استنادا الى ان كثيرا من شركات ومناجم الذهب اعلنت عن افلاسها كما ان عمليات البيع من احتياطيات البنوك المركزية ستتوقف في الوقت الذي سينتعش فيه جانب الطلب حيث ستشجع الاسعار المنخفضة الحالية الاقبال على الشراء ومن ثم فان الاسعار مرشحة للارتفاع ان لم يكن على المدى القصير فعلى المدى البعيد. ستعاود الارتفاع وقال محمد شاكرجي صاحب مصنع الامارات للذهب في دبي لقد فقد الذهب بريقه بالفعل ومكانته كمعدن متميز واصبح كأية سلعة عادية وذلك في الكثير من انحاء العالم فالبنوك المركزية كانت تقبل على شرائه في السابق لاتخاذه كغطاء للعملة اما الآن فإن هذه البنوك تبيع احتياطياتها من الذهب وتحول هذه الاحتياطيات الى سيولة نقدية لكي تستثمرها في اوجه استثمار مفيدة تدر عليها عائدا مجزيا بدلا من تجميدها في كتل ذهبية تكون عرضه لتغير قيمتها من يوم لآخر. من اجل ذلك هبط سعر الذهب في الوقت الراهن لادنى مستوى له منذ عامين وبلغ 280 دولارا للاونصة في المتوسط, ورغم ان الذهب فقد بريقه في معظم انحاء الدنيا وقل مستوى المشتريات الا انه ظل محتفظا ببريقه وجاذبيته في منطقتين في العالم هما شبه القارة الهندية ومنطقة الخليج, ففي هاتين المنطقتين مازال الاقبال على شراء الذهب كبيرا من قبل المستهلكين وزادت المبيعات بصورة كبيرة من جانب التجار وشجع على ذلك الانخفاض الحالي في الاسعار. واكد محمد شاكرجي ان اسعار الذهب ستعاود الارتفاع مرة اخرى ولكن على المدى البعيد عندما تتوقف موجة البيع الحالية من قبل البنوك المركزية. سيحلق ويقول توحيد عبدالله مدير عام مجوهرات داماس في الامارات ان نزول الاسعار حاليا الى 280 دولارا للأونصة يعتبر الادنى منذ 19 عاما اي منذ عام 1979 والاسعار بذلك تكون قد هبطت بنسبة 35% عن مستواها في شهر سبتمبر الماضي. لكن ماهو السبب في ذلك الهبوط الحاد؟ يعود السبب في الواقع الى مبيعات مكثفة من قبل بنوك مركزية اوروبية وحكومات الدول الآسيوية التي تعاني عملاتها الوطنية من نكسة قوية في الوقت الراهن اي ان جانب العرض تمدد فجأة وبشكل خطير. ولولا هذا التطور المفاجيء لكانت اسعار الذهب ارتفعت بشكل كبير ووصلت الى 370 دولارا لان مشتريات الجمهور زادت بصورة واضحة وبنسبة 20 الى 30% في العام 1997 مقارنة بعام 1996. واكد توحيد عبدالله ان الهبوط الحالي في اسعار الذهب يعتبر هبوطا مؤقتا ولن تنزل الاسعار دون 260 دولارا بأي حال من الاحوال, وفي رأي المحللين الاقتصاديين ان الاسعار ستعاود الارتفاع وقد تصل الى 330/340 دولارا في الربع الثاني من هذا العام. ويشير في هذا الصدد الى ان الذهب لم ولن يفقد بريقه ودوره كوسيلة احتياط وتحوط وتأمين للمستقبل او ما يقال عنه الملاذ الآمن لاي ظرف مستقبلي بما في ذلك الوقاية من التضخم فالذهب مازال بعافية وصحة جيدة ولو ان اية سلعة اخرى تعرضت لما تعرض له معدن الذهب من مبيعات ضخمة مؤخرا لما قامت لها قائمة. العملة الأوروبية وقال علي ابراهيم الفردان احد كبار تجار الذهب في دبي يتعرض الذهب دائما لفترات من المد والجزر ولكنه دائما يحتفظ بقيمته مهما انخفض سعره لانه سيعاود الارتفاع ان آجلا او عاجلا. وبالطبع فإنه يمر الآن بفترة عصيبة فإعتزام دول الاتحاد الاوروبي اصدار عملة موحدة يشكل خطرا على مستقبل الذهب لان البنوك المركزية لهذه الدول لن ترتبط بغطاء ذهبي لعملاتها الوطنية ومن ثم ستبيع احتياطياتها الذهبية ومع ذلك سيظل الذهب هو الذهب احد المعادن الثمينة النادرة في العالم, ولعلنا نتذكر التهديد الروسي ايام الحرب الباردة بين المعسكر الشرقي برئاسة الاتحاد السوفييتي والغربي برئاسة الولايات المتحدة ففي تلك الفترة كانت الحرب الباردة على اشدها وكان كل جانب يتفنن في تهديد الآخر بكل الوسائل بما في ذلك الوسائل الاقتصادية. ويومها هدد الاتحاد السوفييتي الغربي بانه سيغرق اسواق العالم بالذهب وتزيد من انتاجها منه حتى يصبح كأسياخ الحديد ومن ثم تضار الاقتصاديات الغربية من وراء ذلك. ولكن الاتحاد السوفييتي لم يتمكن من تنفيذ هذا الوعيد وظل الذهب متمتعا بمكانته الفريدة بين المعادن والتي يستمدها من ندرته في الطبيعة. واذا كان العرض يزيد الان على الطلب فان ذلك يعود الى عوامل مؤقتة سريعا ما ستنتهي ويعود الطلب للتفوق على العرض مرة اخرى وعندها ستعود الاسعار الى الارتفاع مرة اخرى. فدول العالم الثالث لا يمكن ان تتوقف عن الشراء مهما تذبذبت اسعار الذهب. كما يساعد في زيادة الطلب على الذهب ايضا التوسع في استخدامه في الاغراض الصناعية بل وفي الديكور ايضا فهو يستخدم الآن في طلاء الاجزاء المعدنية في فلل وقصور كبار الاغنياء كمظهر من مظاهر اليسار والغنى كما يستخدم في طلاء براويز الصور والمناظر الطبيعية ومع التقدم التكنولوجي تظهر استخدامات جديدة للذهب. من كل ذلك يمكن القول ان الذهب سيحافظ على قيمته كعنصر نادر وثمين وسترتفع اسعاره ان لم يكن في المستقبل القريب ففي المستقبل البعيد. تحقيق ـ علي لاشين

Email