حيرة الطبقة الوسطى في ألمانيا وتوجه نحو اليمين

ت + ت - الحجم الطبيعي

أكثر من 600 حالة اعتداء على مآويلاجئين في ألمانيا خلال عام 2015. وحركة "بيغيدا" وحزب "البديل من أجل ألمانيا" في تصاعد. وتبقى الطبقة الوسطى حائرة، حيث ينحو قسم منها لليمين. 2015 كان عام انقسام في المجتمع الألماني.

اندلع يوم 28 آب / أغسطس حريق في منزل بثلاثة طوابق في شارع هاوبتشتراسه بمنطقة صغيرة تدعى سالتزهامندورف. في ذلك المنزل كانت أسرة من زمبابوي تعيش هناك. وتحت سرير الصغير ذي الأحد عشر عاما وجد رجال الإطفاء قنبلة مولوتوف تم قذفها عبر النافذة في محاولة لحرق المنزل، مما يعتبر عملا إجراميا بدافع القيام بالقتل. لم تكن هذه حالة فريدة من نوعها، بل تكررت كثيرا في ألمانيا في الآونة الأخيرة. وللمقارنة: تحدثت الإحصائيات عام 2011 عن حوالي 18 حادثة من هذا النوع، في حين وصل عددها خلال عام 2015 إلى أكثر من 600 حالة، بالتوازي مع موجات اللاجئين.

ولكن عام 2015 كانت هناك صورة أخرى لألمانيا أيضا: آلاف المتطوعين من المتقاعدين والطلاب وغيرهم يقومون بمساعدة لاجئين سوريين وعراقيين وأفغان، جاؤوا إلى ألمانيا، حيث إنهم يقدمون الطعام للكبار والألعاب والحلوى للصغار. وهو ما تم تعريفه "بثقافة الترحيب"، وهي ثقافة جديدة على ألمانيا. وفي بلدان العالم كان هناك الحديث عن هؤلاء الألمان المجانين الذين هزوا بتصرفهم هذا مشاعر العديد من شعوب العالم.

ميركل تستقطب

ثم بدأت "ثقافة الترحيب" في تراجع مع وصول أعداد كبيرة من اللاجئين إلى ألمانيا. حيث بلغ عددهم في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر مليون شخصا. وقبل ذلك بفترة قصيرة واجهت سياسة الباب المفتوح للمستشارة ميركل معارضة من داخل حزبها نفسه وأيضا داخل حكومتها. وبدا في الشارع انقساما حادا للمجتمع الألماني بشأن تطورات أزمة اللاجئين.

هناك خلفية تاريخية عند الحديث عن موضوع اللجوء في ألمانيا وهي ترتبط أيضا بالتطورات بعد الحرب العالمية الثانية وعهد الحزب النازي. وهناك من يعتقد أن الدولة والمجتمع قد حُمّلا أكبر من طاقتيهما في أزمة اللجوء، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع مستوى رفض الأجانب. وقد استغل اليمين المتطرف موضوع اللجوء واستياء شريحة من المجتمع الألماني من سياسات الحكومة في الرفع من شعبيته. كانت أبرز الحركات التي نشطت بقوة: حركة "بيغيدا" المعادية للأجانب "ضد أسلمة الغرب"، والحزب الشعبوي "حزب البديل من اجل ألمانيا" والحزب اليميني القومي المتطرف NPD.

حركة بيغيدا – ظاهرة ساكسونية

يحاول أنصار حركة "بيغيدا" إظهار أنفسهم على أنهم ضحايا وأنهم مهددون من اللاجئين ومن الأجانب، وأنه يجب العمل على حمايتهم. وهي تقتصر بشكل قوي على مقاطعة ساكسونيا وتود نشر موقفها على كامل ألمانيا، حسبما يقول دافيد بيرغث أستاذ علم الدين والاجتماع في ماغدبورغ. والذي يعتقد جازما وجود مفاهيم سياسية ثابتة في الشرق الألماني أيضا، تقوم على تجانس المجتمع.

الغريب في الأمر أن عددا كبير من المتعاطفين مع حركة "بيغيدا" يعتبرون متعلمون. عدد منهم درس وأنهى الدراسة الجامعية، ويعتبر هؤلاء أن الديمقراطية أساسا جيدة، حسبما يرى لارس غايغس من معهد دراسة الديمقراطية في غوتنغن، لكنهم يرون أن الديمقراطية النيابية فاسدة، وتعتقدون أن هناك تواطؤ للأحزاب والسياسيين مع وسائل الإعلام والاقتصاديين. ولذلك فهم يطالبون بديمقراطية مباشرة واستفتاءات شعبية أكثر، كما هو الحال في سويسرا.

الجديد في هذه الظاهرة أن أصوات مؤيديها تنطلق من الشكوى من أوضاع معينة. وقد يعود السبب في ظهورها إلى السياسة الليبرالية الجديدة التي تركت اثارها على المجتمع، مثل تخفيض المساعدات الاجتماعية التي انطلقت خلال حكومة المستشار السابق غيرهارد شرويدر عام 2003، والتي قلصت من مستوى المساعدات الحكومية للملايين من العاطلين عن العمل أو أضعفت مستوى الأجور العالية التي اعتادوا على الحصول عليها. ويرى مراقبون أن شعور الغضب يأتي بالذات من داخل طبقة موظفي وعمال الخدمات من بين الذين يحصلون على أجور ضعيفة، وأيضا من قبل خريجي جامعات ومدراس مهنية لم يحصلوا على عمل. كل ذلك جعل من موضوع اللاجئين قضية سهلة في توجيه اللوم للحكومة الألمانية بشأن أوضاعهم.

"حزب البديل من اجل ألمانيا"

كان الحزب قد ظهر قبل أعوام كحزب منتقذ للسياسة الأوروبية، وكاد أن يختفي من الخارطة السياسية لألمانيا بعد انقسامه. لكن منذ اشهر يشهد الحزب تصاعدا في استطلاعات للرأي. ولم يعد هذا الحزب الشعبوي يركز على السياسات الأوروبية، بل أصبح حركة معادية للاجئين. ولو جرت اليوم انتخابات برلمانية في ألمانيا لدخل البرلمان الألماني، حسبما يرى هاجو فونكه الباحث في شؤون التطرف اليميني. ويعتبر الحزب نفسه كشريك طبيعي لحركة "بيغيدا". "مليون لاجئ في ألمانيا تعمل كمحفز للحركات اليمينية" حسبما تقول مجلة " دير شبيغل" ، التي تعتقد ان مثل هذا الحافز يستقطب رأي طبقة محافظة فقدت موطنها السياسي خلال الأعوام الماضية. ولعل الجناح الأيمن من حزب المستشارة ميركل –الحزب الديمقراطي المسيحي- قد فقد نسبة كبيرة من مؤيديه لهذه الأحزاب اليمينية.

تحرك الطبقة الوسطى باتجاه اليمين

حسب الإحصائيات يصل عدد أعضاء اليمين المتطرف في ألمانيا إلى أقل من 25 ألف شخص. بينهم حوالي ألفين وخمسمائة يعملون بشكل منظم. ومن الواضح عدم وجود أرقام محددة بشأن اشتراك هؤلاء في أعمال عنف ضد اللاجئين أو مساكنهم. لكن الإحصائيات تقول أيضا إن حوالي ثلثي هؤلاء يقوم بمثل هذه الأعمال وهم شباب ليست لديهم ملفات لدى الشرطة. وقد يكون ذلك دليلا على أن شريحة من الطبقة الوسطى بدأت تنزح باتجاه التطرف.

ومن المثير للاهتمام أيضا أن التظاهرات المناهضة للأجانب تشهد بالمقابل تظاهرات مناهضه لها في الشارع الألماني. وحسب هاجو فونكه فهو يعبر عن اعتقاده من أن نسبة الشعور بالكراهية من لدن البعض تجاه لأجانب ستتراجع مستقبلا في ألمانيا، حينما يتمكن الساسة من التوصل إلى حلول لهذه الأزمة وتحقيقها، كما تعد المستشارة ميركل بذلك.

الخلاصة بشأن هذا الموضوع في أحداث عام 2015 هي أن اليمين المتطرف لا يمثل الشعب، لكنه يمثل جزءا منه وقد يرتفع عدد مؤيديه.

Email