أوروبا تتأرجح إزاء فخ الأزمة اليمنية

ت + ت - الحجم الطبيعي

وضعت الأزمة اليمنية الاتحاد الأوروبي في موقف حرج، فمن جانب تقبلت الدول الأوروبية الخطوة السعودية بتوجيه ضربات جوية إلى الحوثيين وحليفهم علي عبدالله صالح، وفي نفس الوقت يطالب الاتحاد بمواصلة الحوار لحل الأزمة.

يتسم الموقف الأوروبي من الأزمة اليمنية بالضبابية وعدم الوضوح منذ أن أطلقت المملكة العربية السعودية وحلفاؤها العرب عمليات "عاصفة الحزم" أولا، ومن ثم ما سمي "بإعادة الأمل". فمن جانب أعلنت أبرز الدول الأوروبية، مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، بأنها تقبلت الخطوة السعودية. فهل يعني مصطلح "التقبل" الموافقة على العمليات الجوية ضد مواقع قوات علي عبدالله صالح وحلفائه من الحوثيين المدعومين من إيران؟.

من جانب آخر تطالب أوروبا بوقف للعمليات العسكرية وإحياء الحوار الوطني اليمني كسبيل أمثل لحل الصراع الداخلي. كما تضغط المنظمات الإنسانية والحقوقية الأوروبية باتجاه وقف العمليات العسكرية وفتح ممرات إنسانية لإيصال مواد الإغاثة للمواطنين اليمنيين في بلد يعتبر من أفقر بلدان الخليج العربي.

فكيف يمكن تفسير الموقف الأوروبي الذي يتراوح بين الرفض والتقبل للعمل العسكري في اليمن؟

موقف أوروبي غامض

عن الموقف الأوروبي عموما واحتمالات وجود تناقض فيه، تقول الخبيرة الألمانية في شؤون أبحاث اليمن السيدة آنا ـ ليندا أميرة أوغوستين في حوار مع DW عربية: "في الحقيقة ليست هناك رؤية لموقف أوروبي واضح في الأفق إزاء اليمن كي نتحدث عن تناقض في هذا الموقف". وتضيف الخبيرة: "فالأوروبيون، كما أرى، تقبلت القصف الجوي السعودي على اليمن، ولكني لا أرى هناك أي نشاط أوروبي مشترك في هذا المجال. وليس من السهل الحديث عن موقف أوروبي متناقض أو غير متناقض. فالأوضاع في اليمن معقدة للغاية".

وتابعت الخبيرة والتي تجري اتصالات مستمرة مع شخصيات يمنية في جنوب البلاد يوميا، أن الحوثيين وقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح قد توغلوا في جنوب البلاد ويواجهون مقاومة من الجنوبيين، وفي هذا السياق يطالب الجنوبيون بتدخل عسكري، لأنهم عاجزون عن الوقوف بوجه "الغزو الشمالي". وتشير السيدة أوغوستين من جانب آخر إلى أن "الوضع الإنساني سيء للغاية وكارثي. والناس يفتقرون إلى المواد الغذائية، كما أن هناك نقص كبير في المحروقات، بالإضافة إلى انقطاع التيار الكهربائي عن المواطنين، والأسوأ أن الناس لا يحصلون على المياه الصالحة للشرب".

وتستنتج المتحدثة بأن تعقيدات المشهد اليمني لا تساعد على بلورة موقف أوروبي موحد وواضح المعالم.

أوروبا تحكمها قيم حقوق الإنسان

من جانبه لا يختلف الدكتور محمد جميح، المحلل السياسي اليمني المقيم في لندن في حديثه مع DW عربية كثيرا عما ذهبت إليه السيدة أوغوستين، لكنه يسعى إلى توضيح الموقف الأوروبي ويقول: " يقف الأوروبيون بين ضغوط ما أفرزته ثقافتهم من قيم حقوق الإنسان... وبين المتطلبات السياسية والمصالح التي تربط بين الدول والأنظمة ببعضها" مشيرا على سبيل المثال إلى أن"الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند حضر الأسبوع الماضي قمة مجلس التعاون الخليجي وأبدى تأييدا مطلقا للمملكة العربية السعودية في عملياتها في اليمن".

ويعتبر الخبير اليمني الموقفَ الفرنسي "متقدما" مقارنة مع بقية الدول الأوروبية والتي تأتي بدرجات متفاوتة على سلم التأييد أو عدمه للموقف السعودي. ويشير الدكتور جميح إلى موقف دولة السويد والتي انتقدت وزير خارجيتها ملف حقوق الإنسان في المملكة وأثارت أزمة دبلوماسية مع الرياض، لكن سرعان ما قدمت ستوكهولم اعتذارها وانتهى الأمر. من ذلك يستنتج الخبير جميح قائلا: "في المحصلة النهائية، في تصوري، أن القارة الأوروبية تخضع لمصالحها، حتى تلك الدول مثل السويد ومجموعة الدول الأخرى التي لها باع طويل في حقوق الإنسان هي في الأخير ترضخ للمصلحة السياسية".

ويتفق الدكتور محمد جميح مع رأي السيدة أوغستين بشأن عدم وجود سياسة أوروبية موحدة حول اليمن ويضيف في هذا السياق: " القارة الأوروبية أو الدول الأوروبية ليست لديها سياسة موحدة إزاء الأزمة في اليمن وذلك حسب القرب أو البعد ومتانة العلاقات أو عدمها مع دول الخليج العربي".

العلاقات مع واشنطن في حالة جمود

بيد أن الدكتورجميح يوضح اتجاه سياسة دول الخليج في المرحلة الحالية من منطلق علاقاتها مع واشنطن، وعلى ضوء التقارب الأمريكي الإيراني في مباحثات الملف النووي ويقول: "مع وجود التقارب الأمريكي ـ الإيراني على خلفية الاتفاق على البرنامج النووي لطهران يجد الخليجيون أنفسهم في حالة جمود في العلاقات مع واشنطن وبالتالي يريدون أن يفتحوا نوافذ أخرى مع الغرب، ونافتهم المهمة في هذا المجال هي باريس".

ويشير جميح إلى أن حضور الرئيس الفرنسي لقمة مجلس التعاون الخليجي هذا أالأسبوع، وهي المرة الأولى التي يحضر فيها مسؤول أوروبي غربي كبير قمة خليجية، يمثل رسالة موجهة إلى واشنطن. ولكن الخبير اليمني جميح يوضح أن هذه الرسالة لا تعتبر قطيعة خليجية نهائية مع واشنطن، بل إيحاء لواشنطن بأن هناك بدائل أخرى إذا ما استمرت في هذا النهج. ويقول جميح إنه إزاء السياسة الخارجية الأمريكية "الضعيفة" في عهد الرئيس أوباما يرى الخليجيون أنه من حقهم أن تكون لديهم منظومة دفاعية موحدة عن دولهم، حتى لو تدخلوا في اليمن.

ويشيرجميح أن قمة عربية أمريكية ستعقد يوم الأربعاء المقبل في واشنطن تجمع زعماء دول الخليج والرئيس أوباما لتوضيح الموقف الأمريكي إزاء أي اتفاق نووي مع طهران. ويتوقع الخبير اليمني أن يتم التوصل في هذه القمة المرتقبة إلى اتفاق بين الجانبين لنشر منظومات صاروخية إستراتيجية أمريكية في دول الخليج كنوع من التعاون الإستراتيجي بين واشنطن ودول الخليج. لكن هذا المنظومة المتشابكة من العلاقات السياسية والعسكرية والمصالح الاقتصادية إذا ما أضيف إليها الثقافة الأوروبية القائمة إلى حد ما "على سجل حقوق الإنسان" يمكن أن نفهم تذبذب الموقف الأوروبي بالتحديد إزاء ما يجري في اليمن.

أوروبا والاتفاق النووي مع طهران

لا تعتقد الخبيرة أوغوستين بأن التقارب الأوروبي الإيراني حول البرنامج النووي سيكون مهددا في حال دعمت أوروبا دول الخليج في الأزمة اليمنية، لكنها ترى المشكلة في عدم وجود سياسة أوروبية واضحة المعالم إزاء الأزمة اليمنية. ولذلك لا يوجد ما يجازف به الأوروبيون مع طهران. أما الخبير اليمني محمد جميح فيذهب في ذات الاتجاه ويضيف "أرى حماس الأمريكيين لانجاز الاتفاق مع إيران أكبر من حماس الأوروبيين، وبالتالي كان يفترض أن يكون التردد الأمريكي أكبر إزاء العمليات العسكرية السعودية في اليمن، وهناك حذر أميركي بشأن "عاصفة الحزم"، لكن واشنطن وجدت أنه لابد من مسايرة العمليات وتأييدها.

لكن الوضع يختلف في أوروبا، فجماعات الضغط، مثل منظمات حقوق الإنسان وعدم وجود أهمية إستراتيجية لليمن لصناع القرار في أوروبا جعل الموقف الأوروبي أكثر ضبابية. ويوضح الدكتور جميح أن الغرب يهتم باليمن من زاوية الهاجس الأمني، أي عندما يتعلق الأمر بمكافحة القاعدة وشل نشاطاتها. فالهاجس الأمني، حسب رأي الدكتور جميح، هو الحاسم في جعل هذه القضية أو تلك مهمة.

Email