تحليل اقتصادي: أي مستقبل للسياحة العربية مع أزمة الثقة ؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

حضور عربي قوي في معرض برلين للسياحة رغم تراجع الثقة بالمنطقة العربية كوجهة سياحية. ما سر هذه الحضور؟ وكيف يمكن أن يكون مستقبل السياحة العربية التي وصفها بعض المسؤولين قبل سنوات بـ "نفط العرب للقرن الحادي والعشرين"؟

في عام 2009 شاركت جميع الدول العربية باستثناء الصومال في معرض السياحة العالمي (ITB) في برلين، بكثافة لم يشهدها المعرض من قبل. يومها قال رايموند هوش مدير إدارة المعرض أن عدد العارضين من دول منطقة الشرق الأوسط زاد على 700 عارض، لاسيما من مصر ودول الخليج، وأضاف هوش يومها بأن هناك صعوبة تواجه الإدارة في تلبية طلب العارضين بسبب مساحات العرض. الحضور العربي الكثيف يومها عكس الازدهار الذي شهده القطاعي السياحي في غالبية الدول العربية وفي مقدمتها مصر وتونس والمغرب ولبنان وسوريا والأردن والإمارات، إذ تراوحت معدلات النمو السياحي السنوي فيها بين 5 و 11 بالمائة لتكون من بين المعدلات الأعلى على مستوى العالم. كما عكس التواجد في برلين الآمال التي علقها العرب على السياحة لدرجة أن العديد من صناع القرار السياحي العربي كرروا يومها في ندوات المعرض مقولة أن " السياحة هي نفط العرب في القرن الحادي والعشرين".

شتان بين ازدهار الأمس وتراجع اليوم

على خلاف ما كان عليه الحال حتى عام 2010 تبدو السياحة العربية عموما هذه الأيام في وضع لا تحسد عليها مقارنة بعام 2009. فباستثناء المغرب والإمارات وبعض الوجهات السياحة المصرية على البحر الأحمر، شهدت هذه السياحة منذ اندلاع اضطرابات ما عرف بالـ"الربيع العربي" عام 2011 تراجعا كبيرا إلى دراماتيكي.

ففي مصر وتونس على سبيل المثال بلغت معدلات التراجع في تدفق السياح ومداخيل السياحة 50 إلى 70 بالمائة في معظم الوجهات السياحية خلال عامي 2012 و 2013. وفي سوريا واليمن أصيبت السياحة الخارجية بشلل شبه تام.

أما في الأردن ولبنان فتأثرت السياحة سلبيا جدا بالأزمة السورية على اعتبار أن القسم الأكبر من المجموعات السياحية الأجنبية كانت تزور البلدان الثلاثة كوجهة سياحية واحدة. وعلى العكس من ذلك حافظت السياحة المغربية على مستواها، فخلال العام الماضي على سبيل المثال بلغ عدد السياح الذين زاروا المغرب نحو 10.3 مليون سائح بزيادة نحو 2.4 بالمائة مقارنة بعام 2013 ، حسب وزير السياحة المغربي لحسن حداد. ونمت السياحة الألمانية إلى المغرب بنسبة 7 بالمائة خلال العام الماضي 2014.

أما دولة الإمارات العربية المتحدة التي تشكل الاستثناء حاليا فإن سياحتها مستمرة بالازدهار على صعيدي الاستثمار وقدوم السياح الأجانب لاسيما إلى دبي والشارقة. وتشير المعطيات المتوفرة إلى أن السياحة الإماراتية نمت بنسبة 4 بالمائة خلال العام الماضي 2014.

ووفقا لمؤسسة "بزنس مونيتور انترناشيونال" فإن هذا النمو سيتراوح بين 7.5 وحتى 8.5 بالمائة خلال السنوات الأربع القادمة.

مشاركة عربية قوية في معرض برلين رغم الأزمة

في هذه السنة 2015 شارك العرب في معرض برلين، الذي أُقيم في الفترة من 4 وحتى 8 آذار/ مارس، بشكل قوي وبحضور غالبية دولهم رغم الصراعات المسلحة وموجات العنف والتطرف، التي تضرب أطنابها في العديد من الدول العربية لاسيما في سوريا وليبيا واليمن والعراق.

وبرز الحضور العربي بمشاركة مصر والمغرب والإمارات وتونس بعروض جذابة ومتنوعة تشمل السياحة الثقافية وسياحة الشواطئ والصحارى.

ويعكس هذا الحضور المفاجئ في قوته استمرار مراهنة الدول العربية على أهمية إيرادات السياحة لاقتصادياتهم، لاسيما وأن مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي لعدد من هذه الدول تراوحت بين 6 إلى أكثر من 12 بالمائة عام 2010.

كما يعكس أيضا زيادة الآمال بعودة انتعاش القطاع السياحي، رغم المخاطر الأمنية المتزايدة في الكثير منها، واستمرار العديد من الدول الغربية بتحذير مواطنيها من السفر إلى العديد من البلدان العربية أو مناطق كثيرة فيها بسبب هذه المخاطر.

ويدعم انتعاش الآمال هذه التحسن الطفيف الذي تشهده غالبية الوجهات السياحية في تونس ومصر منذ أواسط العام الماضي 2014 على صعيد السياحة الأجنبية باستثناء السياح من روسيا.

وجدير بالذكر أن التراجع الكبير للسياح الروس إلى مصر بسبب تراجع قوة العملة الروسية (الروبل) شكل أحد أبرز أسباب تراجع السياحة المصرية خلال العامين الماضيين.

هل تحل السياحة الداخلية الأزمة؟

تعاني عدة دول عربية حاليا من نزاعات مسلحة لا أفق لنهاية قريبة لها. أما الدول الأخرى فتواجه بشكل أو بآخر مخاطر التطرف المتزايدة، التي تغذي العنف والإرهاب وتسيء إلى السمعة وتقضي على قيم التسامح.

وبما أن السياحة، لاسيما الأجنبية منها، قطاع حساس للغاية إزاء المخاطر الأمنية وغياب التسامح فإن انتعاشها بالشكل المطلوب في هذه الدول باستثناء حالات قليلة سيبقى أملا قد يطول أمده.

السؤال المطروح هنا، ما العمل لتحسين مستوى أشغال المؤسسات السياحة التي تعاني من قلة السياح لاسيما في مصر وتونس؟

بلميهوب نور الدين مدير عام الديوان الوطني للسياحة في الجزائر يرى بأنه "من الأفضل في ظل الظروف الحالية التركيز على السياحة الداخلية وسياحة الأعمال من خلال عروض مناسبة للدخل والأذواق.

" كلام بلميهوب نور الدين الذي يعبر عن سياسة الجزائر في مجال السياحة يبدو في غاية الأهمية لدول أخرى ركزت على السياحة الخارجية إذا أخذنا بعين الاعتبار أن السياحة الداخلية في عدد كبير من الدول التي تعتبر سياحية بالدرجة الأولى تشكل 70 إلى 80 بالمائة من دخل السياحة عموما.

أما في الدول العربية عموما فإن هذه النسبة ما تزال متواضعة وهي دول الـ 50 بالمائة في معظمها.

وإضافة إلى السياحة الداخلية فإن تشجيع سياحة المغتربين يمكن أن تكون عامل دعم هام للسياحة العربية في زمن الأزمات، لأن الملايين من هؤلاء يتوجهون سنويا إلى بلدانهم الأصلية مثل المغرب وتونس والجزائر ولبنان وسوريا لزيارة عائلاتهم وأقاربهم رغم الأزمات والمخاطر التي تواجهها.

Email