القصص الحق ـ هود وفسوق قومه وضلالهم

ت + ت - الحجم الطبيعي

السبت 18 رمضان 1423 هـ الموافق 23 نوفمبر 2002 يقال انه هود بن شانح بن ارفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام، وكان كما ذكر الدمشقي من قبيلة لهم عاد بن عوص بن سام بن نوح، وكانوا عربا يسكنون الاحقاف وهي جبال الرمل، باليمن بين عمان وحضرموت بارض مطلة على البحر يقال لها الشحر وسام واديهم مغيث، وكانوا كثيرا ما يسكنون الخيام ذوات الاعمدة الضخمة لقول الله تعالى «ألم تر كيف فعل ربك بعاد. إرم ذات العماد» اي عاد ارم وهم عاد الاولى فهم عاد «إرم ذات العماد. التي لم يخلق مثلها في البلاد» اي مثل القبيلة. وهناك من زعم ان إرم مدينة تدور في الارض فتارة في الشام واخرى في اليمن وثالثة في الحجاز...الخ، وفي صحيح ابن حبان عن ابي ذر في حديثه في ذكر الانبياء والمرسلين قال فيه: «منهم اربعة من العرب: هود، صالح، شعيب ونبيك يا أبا ذر»، ويقال ان هودا عليه السلام اول من تكلم بالعربية وزعم وهب بن منبه ان اباه اول من تكلم بها، وقال غيره: اول من تكلم بها نوح، وقيل آدم هو الاشبه، وقيل غير ذلك. ونزل الى قوم عاد - الذين اول الامم الذين عبدو الاصنام بعد الطوفان وجاء ذكر قوم عاد في سورة: براءة (التوبة)، ابراهيم، الفرقان، العنكبوت، ص وسورة يس الذين طغوا في البلاد واكثروا فيها الفساد وعاثوا فيها خرابا حتى ارسل لهم الله تعالى هود ليكون نزيرا وهاديا لهم عن ضلالاتهم وكفرهم. ودعاهم هود الى عباده الله الواحد الاحد بدلا من الاصنام التي يعكفون عليها ليلا ونهارا، وقالوا لهود «قال الملأ الذين كفروا من قومه انا لنراك في سفاهة وانا لنظنك من الكاذبين» فرد عليهم هود «قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين، ابلغكم رسالات ربي وانا لكم من ناصح امين، أو عجبتم ان جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا اذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا الاء الله لعلكم تفلحون» تكذيب المرسلين. ويقول الله تعالى في الاية 123 - 135 من سورة الشعراء «كذبت عاد المرسلين اذ قال لهم اخوهم هود الا تتقون، اني لكم رسول امين ، فاتقوا الله واطيعون، وما اسألكم عليه من اجر ان اجري الا على رب العالمين، اتبنون بكل ريع آية تعبثون، وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون، واذا بطشتم بطشتم جبارين، فاتقوا الله واطيعون، واتقوا الذي امدكم بما تعلمون، امدكم بانعام وبنين، وجنات وعيون، اني اخاف عليكم عذاب يوم عظيم». وقال تعالى «فاما عاد فاستكبروا في الارض بغير الحق وقالوا من اشد منا قوة او لم يروا ان الله الذي خلقهم هو اشد منهم قوة وكانوا بآياتنا بجحدون. فارسلنا عليهم ريحا صرصرا في ايام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة اخزى وهم لا ينصرون». وقال تعالى «وانه اهلك عاد الاولى. وثمود فيما ابقى. وقوم نوح من قبل انهم كانوا هم اظلم واطغى. والمؤتفكة اهوى. فغشاها ما غشى. فبأي آلاء ربك تتمارى». والخلاصة ان عادا كانوا كما نقل الدمشقي، كافرين، عتاة متمردين في عبادة الاصنام، فارسل الله تعالى فيهم رجلا منهم يدعوهم الى الله سبحانه وتعالى والى افراده بالعبادة والاخلاص له، فكذبوه وخالفوه فأخذهم الله بذنوبهم وعذبهم عذابا شديدا، وقالوا بعد ان نصحهم رسولهم بالعودة عن ضلالهم «قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة» اي هذا الامر الذي تدعونا اليه سفة مقارنة بما نحن نعيش عليه من عبادة الاوثان والاصنام، الا ان هودا قال لهم «قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين ابلغكم رسالات ربي وانا لكم ناصح امين». وقال قوم هود «يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك، وما نحن بمؤمنين. ان نقول الا اعتراك بعض آلهتنا بسوء»، ويقول الدمشقي في تفسير ذلك : يقولون ما جئنا بخارق يشهد لك بصدق ما جئت به، وما نحن بالذين نترك عبادة اصنامنا عن مجرد قولك بلا دليل اقمته ولا برهان نصبته، وما نظن الا انك مجنون فيما تزعمه. وعندنا انه انما اصابك هذه لان بعض الهتنا غضب عليك فاصابك في عقلك فاعتراك جنون بسبب ذلك وهو قولهم «ان نقول الا اعتراك بعض الهتنا بسوء». وبعد ان فشل هود عليه السلام في التوصل لاقناعهم بالعودة عن غيهم واتباع الهدى من الله وقولهم الضلال كما جاء في القرآن الكريم في سورة الاعراف «أجئتنا لنعبد الله وحده ونذز ما كان يعبد اباؤنا فأتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين» فرد عليهم هود قائلا في الاية 71 من سورة الاعراف «قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب اتجادلونني في اسماء سميتموها انتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين». عقوبة ربانية ومن بعض العقاب الذي توعدهم الله به هو ان شح عليهم المطر لمده 3 سنوات وعانوا من ذلك كثيرا حتى جاءت سحابة سوادء كبيرة واستبشروا خيرا فقالوا جاء الخير من هذه السحابة، الا ان ارادة وحكمة الله هي الاقوى حيث تحولت السحابة الى رياح قوية عاتية اتت عليهم ودمرتهم وانها كانت مصحوبة بالبرد الشديد حيث عصفت بمنازلهم ودوابهم وتأكيد ذلك ما جاء في الاية 6 من سورة الحاقة «واما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية، سخرها عليهم سبع ليال وثمانية ايام وحسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم اعجاز نخل خاوية، فهل ترى لهم من باقية». ويقول الدمشقي في كتابه ان قول الله تعالى «فما رأوه عارضا مستقبل اوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا»، فان عادا لما رأوا هذا العارض وهو الناشيء في الجو كالسحاب ظنوه سحاب مطر، فاذا هو سحاب عذاب. اعتقدوه رحمة فاذا هو نقمة، رجوا فيه الخير فنالوا منه غاية الشر. قال الله تعالى «بل هو ما استعجلتم به» اي من العذاب، ثم فسروه بقوله «ريح فيها عذاب اليم» يحتمل ان ذلك العذاب هو ما اصابهم من الريح الصرصر العاتية الباردة الشديدة الهبوط التي استمرت عليهم سبع ليال بايامها الثمانية فلم تبق منهم احدا، بل تتبعتهم حتى كانت تدخل عليهم كهوف الجبال والغيران فتلفهم وتخرجهم وتهلكهم وتدمر عليهم البيوت المحكمة والقصور المشيدة، وقالوا: من اشد منا قوة؟ سلط الله عليهم ما هو اشد منهم قوة واقدر عليهم وهو الريح العقيم. نجاة هود الا ان الله تعالى نجا هود وقومه الصالحين من تلك الرياح المدمرة لقوله عز وجل «ولما جاء امرنا نجينا هودا والذين معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ» وقوله تعالى « وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا امر كل جبار عنيد، واتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة الا ان عادا كفروا ربهم الا بعدا لعاد قوم هود». وروي عن امير المؤمنين علي بن ابي طالب انه ذكر صفة قبر هود عليه السلام في بلاد اليمن فيما قال اخرون انه في دمشق وتحديدا في الحائط القبلي بجامع دمشق حيث يوجد قبره هناك عليه السلام. ويستفاد من قصة هود عليه السلام ان الله يمهل ولا يهمل، وان الانبياء يتحملون الكثير من اجل الدعوة والصبر على الشدائد ليكونوا عبرة للذين لا يتميزون بالصبر والحكمة. اضافة الى ذلك فان القصة توحي بضرورة الايمان بالرسل وتصديقهم والسير على خطاهم لانهم مبعوثون من عند الله عز وجل.

Email