آيات وعبر ـ تلوث البيئة

ت + ت - الحجم الطبيعي

قال تعالى: «وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها فى ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون» [سورة الأنعام الآية 97].

تشير هذه الآية إلى أن الله تعالى قد جعل لنا النجوم لنهتدى بمواقعها إلى مقاصدنا ونحن فى ظلمات الليل بالبحر بالبر والبحر... ولقد ثبت بالملاحظة العلمية الدقيقة وبالمناظير المقربة أن النجم القطبى هو أحد نجوم السماء التى تبعد عنا بآلاف الملايين من الأميال وأنه يبعد عن الكرة الأرضية بنحو 300 سنة ضوئية.

وقد لوحظ أن هذا النجم يقع جهة الشمال دائماً بالنسبة لسكان نصف الكرة الشمالى.. أى أننا إذا اتجهنا نحوه تكون جهة الشمال أمامنا وجهة الجنوب خلفنا وجهة الشرق على يميننا وجهة الغرب على يسارنا وبواسطة هذا النجم يمكننا أن نعرف مواضع الأماكن على سطح الكرة الأرضية.

وقد استطاع الفلكيون بوسائلهم وأجهزتهم العلمية وحساب المثلثات أن يرصدوا أكثر النجوم لها جداول تبين مواقعها بالنسبة للأرض لتكون مرشداً للمسافرين فى البحر وفى رحلات الفضاء إلى الكواكب.

قال تعالى: «ظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدى الناس ليذيقهم بعض الذى عملوا لعلهم يرجعون»[ سورة الروم الآية: 41]. «ولا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين»[سورة الأعراف الآية 85].

يقرر العلم الحديث أن الإنسان قد أساء استخدام الموارد المتاحة فى البيئة ولايزال يمارس هذه الإساءة إلى الآن.

إن مشكلة تلوث البيئة هى واحدة من أكثر المشاكل التى نجمت عن سوء استخدام الإنسان للموارد الطبيعية حتى إن البعض اضطر إزاء هذا التصرف غير السوى - إلى نعت الإنسان المعاصر بعدة تسميات لا تقل فى قسوتها عما فعله الإنسان بالبيئة التى يعيش فيها.

ومشكلة تلوث البيئة لا تهدد الجنس البشرى فحسب بل تهدد حياة كل الكائنات الحية والنباتات التى تشاركنا فى الوجود على الأرض فالتلوث نوع من أنواع الفساد الذى أشار إليه الله تعالى فى كتابه الكريم والتى تظهر فى البر والبحر على السواء.

فمن صور الفساد فى البر تلوث الأرض الزراعية بتراكم المواد والمخلفات الصلبة التى تنتج من المصانع والمزارع والمنازل والشوارع وغير ذلك من مخلفات.. ومن ناحية أخرى فقد أدى الإفراط فى استخدام الأسمدة الكيميائية التى يصنعها الإنسان إلى تلوث التربة الزراعية بالرغم من أن الغرض الرئيسى من استخدامها هو زيادة الأراضى الزراعية.

وترجع خطورة استخدام الأسمدة الكيميائية كما أثبت العلم الحديث إلى أنها تؤدى إلى تغطية التربة الزراعية بطبقة غير مسامية خاصة مع الإفراط فى استخدامها مما يؤدى إلى صعوبة تصريف مياه الرى أو الأمطار.

وهكذا فإن ما تصنعه يد الإنسان بهدف التقدم وزيادة الإنتاج - كما يظن - تكون نتيجته خسارة وفساداً. وإذا كانت صورة الفساد الذى يحدث بسبب الأسمدة الكيميائية غير واضحة ومعروفة بالنسبة للكثيرين، فإن أبشع صورة للفساد يعرفها إنسان هذا الزمان.. هى الفساد الذى يحدث فى التربة الزراعية نتيجة لاستخدام المبيدات الحشرية الكيميائية التى تستخدم لقتل الآفات الزراعية والتى تؤدى إلى تلوث المحصولات الزراعية بمواد كيميائية سامة بعد رشها بها... وبالإضافة إلى مبيدات الآفات... فإن مبيدات الأعشاب الضارة لها أيضاً آثار ضارة على التربة الزراعية، خاصة ان هناك بعض الأنواع منها لها صفة الديمومة لفترة طويلة مثل مركب حمض البنزويك المكلور والذى قد يستمر وجوده فى التربة سنوات عديدة. وقد أثبتت الدراسات العلمية.. أن استخدام المبيدات الحشرية بكثرة يؤدى إلى الاقلال من إنتاجية التربة الزراعية لبعض المحاصيل المهمة.

ومن الفساد الذى ظهر أيضاً فى هذا الزمان ظاهرة «الجفاف والتصحير».. أى زحف الصحارى على الأراضى الزراعية.. وهى تنتج أساساً بسبب سوء استخدام الإنسان للبيئة.. مثل الاقتصار على زراعة محصول واحد، مما يجعل التربة عرضة للانجراف بفعل الرياح والسيول كما أن الاستغلال الجائر للمراعى والأراضى الزراعية وإزالة الأشجار والغابات كل ذلك يؤدى إلى إزالة الغطاء الأخضر الذى يكسو سطح الأرض ومن ثم تتحول التربة الزراعية إلى رمال متحركة وبالتالى تصبح المراعى والمناطق الزراعية امتداداً جديداً للصحراء التى تزحف بكثبانها الرملية على هذه الأماكن وتحيلها إلى أرض قاحلة.

ومن صور الفساد فى البحر.. إلقاء سموم وغازات آلاف المداخن وهى تنفث عادم الاحتراق فيها إلى الجو ثم تلوث ماء المطر بهذه السموم.. وبالتالى لا يكون نقياً وإنما يكون مطراً حامضياً يهلك الحرث والنسل ويتلف الأخضر واليابس ويفسد مياه الأنهار والبحار. كما أن الإنسان لا يفتأ يلقى بنفايات المصانع والمعامل ومحطات التكرير ومخلفات المجارى فى المسطحات المائية الجارية، وهذه النفايات تكون عادة محتوية على كثير من المواد الكيميائية الضارة التى تسبب تسمماً للأسماك والكائنات البحرية.

كما أنها قد تحتوى أيضاً على بعض أنواع البكتيريا المسببة للأمراض.. فضلاً عن المواد السامة من المركبات البترولية التى تصل إلى البحار فتحول دون إفراز المواد الضارة.

وإذا ازدادت نسبة البكتيريا الضارة والملوثات فى الوسط البحرى.. فإن البحر يصبح مرتعاً للبكتيريا ومصدراً لانتقال الأمراض للإنسان غير الخسائر التى تلحق بالكائنات البحرية وتسممها وهلاكها.

من ذلك كله يتبين لنا الإعجاز القرآنى فى التشخيص العلمى لكينونة الفساد الذى لحق البر والبحر والاضرار الناتجة عن الفساد بعدم التدخل فى نواميس الكون التى سنها الخالق العليم ولن تستطيع التكنولوجيا المعاصرة توفير سبل التغلب على هذا الفساد مالم تنطلق هذه التكنولوجيا من وجهة نظر إسلامية تتمثل فى المحافظة على التوازن الذى وضعه الله لمكونات البيئة ونظمها.

Email