الخيانة بمفهومها العام لا يخلو منها مكان، او انسان، فهي مرتبطة بطبيعتها بمجمل العلاقات الانسانية من صداقة وزمالة وحب وكره وعشق وكافة المشاعر والاحاسيس. ولا نحتاج لأي تدليل على مدى الصدمة، التي يتعرض لها المرء حين يقترف بحقه اي نوع من انواع الخيانة ولعل اكثر اشكال الخيانة انتشاراً تلك المرتبطة بالعلاقات الزوجية، وهي اكثرها حساسية وألماً ووقعاً على نفس الزوج او الزوجة فما بالنا لو كانت هذه العلاقة يحفها الحب والسعادة هذا ما نكتشفه في فيلم «الخائنة».تدور قصة الفيلم حول علاقة زوجية هادئة وهانئة بطلاها «ادوارد» الذي يلعب دوره ريتشارد جير، و«كوني» التي تجسد دورها الممثلة ديان لان، حيث يعيشان في استقرار وسعادة، وان كان المخرج استطاع ان يسرب الى عين المشاهد بعض الرتابة والاعتيادية التي تسم هذه العلاقة وكأنه يمهد لحدوث انقلاب دراماتيكي، خاصة في وجود زوج مخلص لا يتوانى عن اسعاد زوجته وابنه. ثم يحدث ان تقوم عاصفة شديدة اثناء ذهاب كوني سمنر الى عملها، الامر الذي جعلها تقابل «بول مارتل» الشاب الوسيم الذي يلعب دوره اوليفر مارتينز عندما ساعدها على لملمة حاجياتها المتناثرة في الشارع، ولا نستطيع القول ان قلب «كوني» خفق بالحب، لأنها تعشق وسامة الرجال، وكثيراً ما كانت تصف زوجها بالوسامة، الامر الذي يقنعنا انها مقبلة على نزوة لا اكثر ولا أقل وتتوطد بينهما العلاقة بعد معرفتها بمكان مكتبته التي يعمل بها، وتقع الزوجة في شرك الرذيلة.وتستمر العلاقة على هذا الشكل حتى يبدأ ادوارد بالشك في سلوك زوجته، وقد بدا السيناريو مقنعاً في بث الشكوك في نفس الزوج، الذي استعان بمصور يراقب تصرفات زوجته، وتقع الواقعة، حين يعلم بخيانتها الموثقة بالصور. ولقد كان ريتشارد جير الزوج المخدوع رائعاً في استقباله لهذه الكارثة، حيث اتصف بالهدوء الجريح والألم الصامت الذي يعتصر قلبه في آن، بينما ملامحه تنضح بحزن كاد ان يفجر الدمع في الأعين والشرايين والفؤاد لكن اجمل ما في الموضوع ان ادوارد لم يسع الى مواجهة «بول مارتل» للانتقام منه، بل اراد ان يعرف منه لماذا حدث ذلك، وهنا نرى ذروة المأساة في مشهد تمتع بأقصى درجة من التصاعد الدرامي بين رجل يتجرع مرارة الخديعة وآخر بدا مهزوماً امام فعلته.. ولعل من اصعب المواقف ذلك المشهد الذي يرى فيه ادوارد سرير مارتل وشراشفه غير مرتبة، الامر الذي يزيد من احساسه بالمهانة والذل، او رؤيته لقطعة من اثاثات بيته الديكورية وهي موجودة بمنزل رجل غريب، تلك القطعة التي هشم بها رأس بول مارتل بشكل مباغت ليلقي بجثته الى مكب نفايات المدينة.. والجميل كما قلنا ان قتل ادوارد لبوتل لم يكن في نيته، لولا ذلك الشعور المرير الذي ارتفعت وتيرته بطريقة تحسب للمخرج ادريان لاين. واذا كنا قد تحدثنا عن هذه المقابلة المأساوية، فإن هناك مواجهة من نوع خاص وهي التي بين الزوج وزوجته التي اكتشفت قتله لعشيقها تلك المواجهة التي حرصت على الحب محفوفاً بالعتاب الشفيف.. والشيء الذي يحسب لكاتب السيناريو في هذا المشهد عدم لجوئه الى الثرثرة الكلامية، او تقديمه لمبررات مألوفة لفعل الخيانة، فلقد بدا حريصين على شيء عظيم، اهم واكبر من الخيانة.. الجريمة الا وهو الحب، وان ما حدث كان مجرد نزوة وحماقة، لم يدفع اي منهما الآخر الى ارتكابها والحقيقة ان ديان لان استطاعت ان تكتسب تعاطفنا مع خطيئتها عبر تعبيرات وجهها المعجونة بالندم والحيرة من امرها تجاه زوجها وما تقترفه بحقه وكرامته. فيلم «الخائنة» معالجة ذكية وجديدة لمفهوم الخيانة، ولقد وفق كل من المخرج وكاتب السيناريو في الامساك بالعصا من المنتصف، حيث نجحا في انتاج خلطة تجمع بين المغفرة والانتقام، الحب والعتاب، الغضب والتسامح، ليخرج المشاهدون وهم سعداء بهذه النهاية المدهشة، وهذه المعالجة الذكية، التي لولاها لتركنا مقاعدنا بسبب الاستخدام المفرط للموسيقى الهادئة والمملة والرتيبة لكنه يبقى فيلماً محبوك السيناريو، ورائع الاخراج. مجدي ابو زيد