استقبل ابناء الشعب الكوبي، مؤخرا، الرئيس الأميركي الاسبق جيمي كارتر بكثير من الاحترام والتعاطف، فالجميع قدر دعوته الى رفع الحظر المفروض على كوبا ، وكذلك افكاره بشأن مستقبل السلام والتعاون المتبادل مع الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه اعرب كارتر، بطريقته المفعمة بالصراحة عن آرائه السياسية، بما في ذلك خلافاته مع النظام الكوبي. بالمقابل، جاء خطاب الرئيس الأميركي جورج بوش، مؤخرا، ليتطرق الى شعارات الحرب الباردة القديمة. فقد اكد مجددا رفضه السماح للأميركيين بالسفر الى كوبا او الدخول في علاقات معها، متجاهلا بذلك الامنيات التي اعرب عنها اعضاء مجلسي الكونجرس الاميركي، النواب، والشيوخ. ووعد ايضا ان يواصل تجاهله للحقيقة القائلة ان كوبا دولة مستقلة، وليست مستعمرة أميركية. وبعد قولي هذا، اعترف بأنه بالفعل يتمتع بروح الدعابة. حيث تروق له دعوته لانتخابات كوبية شرعية ونزيهة تجري انطلاقا من ميامي في الولايات المتحدة فهذه الدعابة تفوق اي عرض تقدم به دافيد ليترمان او جاي لينو. وعلى الرغم من ان كارتر في خطابه في جامعة هافانا ابدى موافقته على ما يسمى «مشروع فاريلا». وهو عبارة عن استفتاء اقترحته مجموعة من المنشقين بشأن حرية الحديث والانتخابات، فان كارتر، اثناء المؤتمر الصحافي الذي عقده في ختام زيارته لكوبا، بدا وقد ادرك ان القضية ليست بهذا القدر من البساطة. وربما كان قد لاحظ التعليقات التي صدرت عن طلاب كلية الحقوق وعميدها بشأن مناسبة الزيارة. وعلى الرغم من ان جميع وقائع الزيارة قد تم نشرها حرفيا في جميع وسائل الاعلام الكوبية الا ان وسائل الاعلام العالمية اختارت ان تتجاهل ما قاله هؤلاء الطلبة. وما يطلق عليه «مشروع فاريلا» هذا هو عبارة عن مشروع حكومي أميركي كما صورته الدعاية النشطة جدا والمفتوحة التي نالها المشروع من جانب الدبلوماسيين الأميركيين الذين على نحو فجائي قدموا تفاصيل في الصحف الصادرة في ميامي عن الدعم التنظيمي والمادي الذي اعطوه للمشروع. وبصفتي رئيسا للجمعية الوطنية الكوبية فانني يجب ان اضمن احترام دستورنا الذي نال موافقة 98% من ابناء الشعب الكوبي في احد الاستفتاءات بعد القيام بمناقشة وتعديل المسودة الاصلية للدستور من خلال عملية طويلة اشترك فيها ملايين من الكوبيين. ولا شك في ان الفكرة القائلة ان 5.51% من الناخبين بافتراض ان جميع التوقيعات التي وافقت على العريضة صحيحة ربما يقومون باجبار الجمعية الوطنية على ادخال تغييرات جوهرية على نظامنا المؤسسي واساسه، تعتبر فكرة مضحكة تستحق السخرية، فانا لا أعرف اي دستور على وجه المعمورة يمكنه الموافقة على مثل هذا المشروع. والقضية الاخرى التي اثيرت في واشنطن عشية زيارة جيمي كارتر كانت تتضمن ذلك الاتهام العبثي والمنافي للعقل ان كوبا تقوم ببحث «التقنيات البيولوجية التي تخدم اهدافها الارهابية». ان هذا الاتهام يمثل حقيقة بسيطة للغاية ومرعبة، مفادها انه «لا مجال للاخلاق او الاحساس بالمسئولية في ادارة بوش». نحن تحدينا المسئولين الاميركيين ليقدموا دليلا واحدا يدعم هذا الاتهام، ولكنهم لم يقدموا شيئا. ولا يستطيعون تقديم شيء لأنه لا يوجد شيء ولا يمكن ان يوجد شيء، نحن طورنا صناعة ادوية وتكنولوجيا بيولوجية خصصنا لها موارد هائلة والالوف من العلماء والتقنيين الشباب المدربين. ويوجد الكثير من الشهود على الغرض الوحيد لتلك الجهود. ففي كوبا قمنا عمليا بالتخلص من أو منع عدد من الامراض التي مثل الالتهاب السحائي، لا تزال تزهق الارواح في الولايات المتحدة، لدينا نظام رعاية صحية يخدم جميع افراد الشعب، وهو الامر الذي لا يزال يحلم به 40 مليون مواطن في الولايات المتحدة، مستويات التقدم الصحي لدينا اعلى من اي دولة في امريكا اللاتينية او اي دولة نامية وتعادل الكثير من دول العالم الصناعية لدينا برنامج تعاون لتحسين مستويات الصحة مع الكثير من الدول الفقيرة. ونقوم ببحوث في مجال التطعيمات والادوية الخاصة بالامراض التي تصيب العالم الثالث لكنها ليست من أولويات معامل الشركات الكبيرة في الدول الغنية. تحدثنا عن كل هذا بشكل مكثف مع الرئيس كارتر، هو رجل مهتم فعلا بمحنة الفقراء والمرضى. وتداولنا سبل التعاون الممكنة مع مركز كارتر لتقديم المساعدة والعمل سويا في افريقيا ودول اخرى. وقام كارتر مشكورا بتقديم المساعدة في محو ذلك الاتهام غير المدعم والكاذب بشأن الربط بين الارهاب والبرامج البيولوجية. واثناء عملية الاعداد لزيارته، التقى كارتر مسئولين كبار في وزارة الخارجية الأميركية ووكالة الاستخبارات المركزية وتحدث بصفة شخصية مع مستشارة الامن القومي كوندوليزارايس. وسألهم بشكل مباشر ما اذا كانت هناك علاقة لكوبا بالارهاب البيولوجي، وكان ردهم جميعا بالنفي، ولم يجرؤ اي من هؤلاء المسئولين على معارضة كارتر في هذا الشأن، ولكنهم على العكس تراجعوا جميعا امامه. وقال كارتر ان هذه الكذبة غير المسئولة تهدف الى نسف زيارته التاريخية. غير ان هذا الاتهام بدا وكأنه يهدف الى الاعداد لزيارة اخرى. استعراض الانتصار الذي قام به الرئيس بوش في هافانا الصغيرة التابعة لميامي. تلك الزيارة هي الاخرى لها اهمية خاصة ولكن لاسباب تختلف بشكل كامل عن اسباب زيارة الرئيس كارتر. ويا له من امر مؤثر وحاسم ما قام بها رئيس الاركان فيما يطلق عليه «الحرب على الارهاب» عندما اختار ان يحتفل باستقلال كوبا بجانب بعض من هؤلاء الذين نعتبرهم الارهابيين الاكثر سوءا في السمعة وفي أميركا، والذين يناهضون السياسة الكوبية ومؤيديهم بالمال والمادة. لقد اسفرت هجمات القنابل ضد الفنادق في هافانا في الاعوام الاخيرة عن مقتل سائح ايطالي وشوهت ابرياء كثيرين. واشترك ارهابيون في اعمال اخرى كما اعترف الزعيم الارهابي لويس بوسادا كاريليس في مذكراته. وبالطبع لم يتمكن السيد بوسادا من حضور الاحتفال في ميامي، لأنه لا يزال قابعا في السجن في باناما منتظرا محاكمته بسبب دخوله كوبا بشكل غير قانوني وبحوزته كمية كبيرة من المتفجرات س ـ 4 بهدف قتل الرئيس الكوبي فيدل كاسترو اثناء مؤتمر جامعي حضره الاف الطلبة، ولكن ماذا عن اورلاندو بوش؟ او فيرجيليو باز او دينيسيو سواريز؟ وبينما ننظر نحن الى هؤلاء على انهم ارهابيون في الوقت الذي يلقون فيه ترحيبا بشكل ظاهر من قبل الولايات المتحدة، تم اعتقال خمسة كوبيين بتهمة التجسس لانهم حاربوا ضد خطط هؤلاء الارهابية، وفي منطوق العقوبة التي انزلت باحد هؤلاء الخمسة، وهو رينيه جونزاليس الذي حكم عليه بـ 15 عاما تم اضافة شرط مميز وغريب عليه الالتزام به بعد قضائه لفترة العقوبة، ويقول هذا الشرط: «كشرط اضافي خاص يتعلق بالافراج المراقب، يمنع المتهم من زيارة او الارتباط بأماكن معينة يعلم انها مألوفة من قبل افراد او مجموعات ارهابية او اعضاء في منظمات تعرف بدعمها للعنف والجريمة المنظمة. ومن وجهة نظرنا، فان الامر لا يعني شيئا أن يخاطر الشباب الاميركيون ويحاولون العثور على الارهابيين في كهوف بعيدة في أماكن قصية بينما يسمح لارهابيين اخرين ان يبقوا في منازلهم ويحتفلوا. ترجمة: حاتم حسين خدمة «لوس انجلوس تايمز» خاص لـ «البيان»